رؤى

الثمرة المرة .. حصاد غرس «الإخوان» .. (1)

يخطئ من يظن أن جماعة «الإخوان» نجحت خلال بعض مراحل تاريخها فى تحقيق بعض أهدافها، وأن الفشل والتيه لم يكن حظها عبر تسعة عقود، منذ انطلقت دعوة حسن البنا فى مارس من عام 1928.

حددت الجماعة هدفها الرئيس فى استعادة الكيان الدولي للأمة تحت ما يسمى الخلافة وأستاذية العالم، واعتقدت أن مهمتها الأولى فى الإصلاح والتغيير تلزمها عملية تربوية طويلة، تستعيد التكوين المتوازن للشخصية المسلمة. انطلق البنا من تشخيص سطحي لما عصف بالأمة من تحديات، بالاعتقاد أن التغيير يبدأ وينتهي عند إعادة بناء الشخصية المسلمة على نحو صحيح، فهل نجح البنا وجماعته من بعده فى تحقيق هذا الهدف؟ بمعنى آخر، هل أبرز الإخوان هذا النموذج الناجح المنفتح على محيطه، العارف بسنن التغيير ونواميسه، المتسامح مع الكون والخلق، يعظ الناس بحاله قبل مقاله؟.. أم أن كل ما فعله فى النهاية هو صياغة طائفة أو “جيتو” فى كل مجتمع، تعزز عزلة فريق عن آخر، لتتأبد حالة الشك فى كل عمل جماعي، وتحاصره المجتمعات قبل الأنظمة؟

كيف أنتج الفعل الإخواني فى التربية تلك الثمرة المرة، التي عاينا مظاهر فسادها في كل عنف لفظي أو مادي أو حقد ضامر فى النفوس يصافح العيون دون خجل أو وجل؟

كان الإخوان يرددون دائما فى معرض نقد نوايا الآخرين ودوافعهم، أن ما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل.

هل ما فعلوه كان لله أم كان للتنظيم وأهوائه وقوانينه التى صنعت فجوة واسعة بينهم وبين المجتمع فى كل مرة اصطدموا فيها بهذا المجتمع؟

إذا قيمنا – بتجرد – مهمة الدعوة كأحد المهام الرئيسة للجماعة عبر تاريخها، نجد أن أفضل ما أفلحت فيه الجماعة، هو صناعة جيش من الأتباع يقدس قيادة التنظيم، سواء كان لها حظ من علم وقدرة وكاريزما أو لم تتمتع بشيء من ذلك، ما أورث الصف الإخواني تكلسا متوارثا حلت فيه قناعات التنظيم محل قناعات الدين وقيمه، ومن ثم أضحى الكذب والخيانة وغيرها من طبائع الشذوذ الأخلاقى والقيمي دينا جديدا، اعتنقه الإخوان مطمئنين، تحت سيف قاعدة شرعية تقول إنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.. اتسعت ساحة الواجب التنظيمي على حساب الواجب الديني والشرعي، وتكفلت الفتوى بتقديم الذرائع، فالجندي المسلم فى الجيش الأمريكي مطالب بطاعة قيادته فى قتل أطفال العراق، بينما نفس الجندي فى جيش مصر مدعو فى مرحلة لاحقة إلى الهرب من الخدمة وعدم طاعة أوامر قيادته.

لم يقدم الإخوان للأمة علماء أفذاذا، أو مفكرين من أي طراز، حتى من أبدوا تفوقا فى بعض مجالات الفقه يوم تحرروا من أغلال التنظيم الثقيلة، ما لبثت حيات التنظيم أن أحاطت بهم وسممت ضمائرهم وعقولهم فاختلت بوصلتهم من جديد. وفضح السياج الأيدلوجى الثقيل تجرد دعاة الجماعة وعلمهم فجعلهم أقرب إلى من يهللون فى المظاهرات والمنتديات السياسية لأحزابهم في نشوة وعصبية.

فى ساحة التربية قدم الإخوان للمجتمع شخصيات تعاني حالة من الازدواج، تتعايش بارتياح مع الفصام يوما بعد يوم.. فالإخواني مع طائفتة ملاك يرفرف بأجنحة، يبث أشواقه لأعضاء التنظيم، ويتفنن فى خدمتهم والتودد إليهم بكل سبيل، خصوصا القادة منهم، وهو مع المجتمع يرسم ابتسامة لزجة على وجه فى مواجهة الخلق، الذين يعتبرهم أقل منه فهما وورعا ونصرة للدين، يتكلف المودة والمرونة، ويبتسم فى وجوههم متمثلا فى نفسه حديثا منسوبا للرسول الكريم يقول: إنا لنبش فى وجوه إناس وقلوبنا تلعنهم.

لا أعلم من وضع هذا الأثر على لسان الرسول الكريم مع ما يحمله من مضامين لا تليق بمقامه صلى الله عليه وسلم، وكم من آثار نسبت للنبى والصحابة تحولت إلى دستور عمل للقوم، ولم تكن سوى أقوالا منحولة ومختلقة كرست لشذوذ فكري وسلوكي باسم الدين.

قدمت الجماعة أرباب النفاق الواضح من الإخوان الذين تعاملوا بوجهين، وجه داخل التنظيم ووجه خارجه، مبررين هذا النفاق بالدواعي التنظيمية التي لاعلاقة لها بالدين وقيمه.

لم تقدم الجماعة إذن هذا النموذج الربانى الذي تحدث عنه ديننا وامتدحه ربنا فى الحديث القدسي: ما وسعتني أرضي ولا سمائي، ووسعني قلب عبدي المؤمن. هذا العبد الذي انشرح لمحبة الخالق فاتسعت قابليته ليصبح قادرا على استيعاب الخلق كلهم، برهم وفاجرهم، فقد أضفت صفات الخالق وأسماؤه على نفسه بهاءها الرباني فتجرد فى كل ما يشعر به، ليحب لله ويعطي لله وليس لأي شيء آخر.

لم يقدم الإخوان هذا النموذج بل قدموا لنا من يكره المجتمع ويدعو عليه لمجرد خلاف فى الرأي السياسي، بل ويتآمر عليه ويبرر ويشرعن العنف فى مواجهة أفراده بعد الحكم عليهم بالكفر والردة، ومن أفلت من العنف لم يفلت من أمراض التنظيم كالشماتة فى الخلق والحقد عليهم.

تكررت الشماتة فى المجتمع والأمة المصرية فى أكثر من محطة من محطات التاريخ الإخوانى، شمتوا بمصر عقب العدوان الثلاثي، واعتبروا العدوان انتقاما إلهيا على ما لاقوه فى 1954. مرة ثانية فى أعقاب نكسة يونيو 1967 التى اعتبروها جزاء وفاقا لما حدث فى المواجهة مع الدولة المصرية في العام 1965. كان سلوك الشماتة المتكرر برهانا واضحا على الإنفصال ليس فقط عن الشعور الوطني، بل عن مشاعر ووجدان المجتمع المصري بكل قيمه واختياراته، وأضحت اختيارات التنظيم هي القيم التي يريد أن ينشرها في المجتمع، تحت عنوان مراوغ هو أسلمة المجتمع الذي حكموا عليه بالكفر، وكان هذا تأكيدا على فشلهم التربوي والأخلاقي، عندما زكوا إيمانهم وتدينهم مقابل الحكم على الآخرين بالكفر والردة، أو الجاهلية كما سماها الأخوان قطب.

أحمد بان

كاتب و باحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock