رؤى

ما بعد داعش.. مستقبل مواجهة التطرف والعنف

هذا هو عنوان المؤتمر الدولي الذي عقد بمدينة مراكش ليومين، ونظمته مؤسسة “مؤمنون بلا حدود” و”معهد غرناطة للبحوث والدراسات” بحضور خبراء وعلماء مهتمين بتحليل ظاهرة التطرف والتطرف العنيف والإرهاب، من إفريقيا وآسيا وأمريكا وأوروبا والمشرق العربي ومصر.

قدمتُ للمؤتمر دراسة بعنوان “ما بعد داعش، التطرف العنيف، التجليات والتحولات والتحديات المستقبلية، حالة مصر”، اهتم المؤتمر بالبحث عن نموذج تفسيري جديد لفهم ظاهرة التطرف العنيف paradigm إذ إن النموذج التفسيري السائد يحكمه مفهوم العقلنة والرشادة في السلوك، فالإنسان يفترض أنه فاعل عاقل يقدر المصالح والمفاسد ويعرف ما ينفعه وما يضره، ويسعى لتحقيق ما ينفعه ويبتعد عما يؤذيه ويضره، بينما الحالات الإرهابية في داعش لا تفعل ذلك مطلقا، وإنما تسعى للموت وتواجهه وهي تتزنر بالزنار الناسف الذي يصبح الإنسان بالنسبة له حاملا للموت وأداة له وقاتلا لغيره في شكل درامي يعبر عن حالة التوحش التي لا تقيم اعتبارا للحياة، سواء للفاعل الداعشي أو للذين يقتلهم، إنه البحث عن الموت والإيذاء للنفس ولغيرها من البشر الآخرين الذين لاتربطهم أية صلة أو علاقة بمن يقتلهم سوى أنه يعتبرهم أعداء يجب التخلص منهم وإذاقتهم سوء العذاب.

رغم إدراكنا أن السياق الذي يتواجد فيه الداعشيون ذوو الطابع العالمي والإقليمي والمحلي يشكل واقعا مأزوما يستدعي العوامل التي تدفع الدواعش للعنف، بيد أن هناك أيضا مرجعية دينية يرجع إليها هؤلاء الدواعش لتبرير عنفهم وغلوهم وإرهابهم، فالأيديولوجية هي أحد مصادر الجذب لمسار الإرهاب والعنف الذي تتبناه داعش بلا ريب، ونحن أمام أجيال داعش الجديدة نلحظ غلبة المستوى البسيط للتعليم، كما أن هناك غلبة للجانح المراهق في عوالم الجريمة قبل أن يلتحق بعالم داعش الجديد، وهذه الأجيال تلهمها الأيديولوجيا البسيطة القائمة على التحول السريع والسطحي والمظهري من عالم الجريمة، جنوحا إلى عالم داعش الجديد، عالم الخلافة والتمكين والانتقام واستعادة الكرامة المفقودة.

ومن ثم، تأتي أهمية الاجتهاد لبناء منطق جديد وأيديولوجيا مختلفة تعزز معنى السلام والكرامة للإنسان، وأن الآخر ليس بالضرورة هو الجحيم الذي يجب التخلص منه بالقتل، فالآخر إنسان مثلك حتى لو كان مختلفا معك في الدين، فهو أخوك في الإنسانية التي تفترض كرامة للمخلوق الذي كرمه الله “ولقد كرمنا بني آدم”، أي جميع بني آدم، وهذا يحتاج إلى مراجعة الفقه الإسلامي القديم في جانبه المتغير، فهو قد واكب الإسلام الفاتح، بيد أننا اليوم نحتاج إلى فلسفة جديدة للسلام وتعزيز معني الحياة “من أجل ذلك كتبنا علي بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا”.

اتفق الحضور تقريبا على أن داعش لا يزال يمثل تهديدا للعالم في صورة جديدة هي صورة الولايات التي بايعته والتي تنفذ عملياتها في مناطقها كما هو الحال في نيجيريا والصومال وأفغانستان وسوريا والعراق وتونس وبنجلاديش وغيرها، كما أن المناطق الرخوة التي تستهدفها الخلايا النائمة والذئاب المنفردة هي أوروبا وعواصمها الكبري والولايات المتحدة الأمريكية.

كما تعتبر ليبيا أحد المناطق المحتملة لنشاط التنظيم وصعوده، وهناك إشارات لنقل مركز قيادة التنظيم إلي هناك، ومن ثم، فهو يعتبر تهديدا للمغرب العربي ولمنطقة غرب إفريقيا وجنوب الصحراء حيث تتحالف الجريمة المنظمة مع عناصر الدواعش مع العناصر القبلية في تلك المنطقة.

ويعد التنظيم تهديدا لمصر أيضا، لاسيما في سيناء كما هو حاصل الآن، كما أن بعض خلايا القاعدة تمثل تهديدا، خاصة تنظيم “المرابطون” الذي يقوده هشام عشماوي، والتنظيمات المنبثقة عن الإخوان مثل حسم ولواء الثورة لا تزال تمثل تهديدا، بيد أن ما الأخطر هو سياق الاستقطاب أحد أهم المفاتيح للتطرف والغلو والتشدد الديني  والوطني، ما يدعو بقوة إلى تجسير الفجوة داخل المجتمع وبناء مشتركات بين جميع الأطياف للخروج من حال الاستقطاب.

كمال حبيب

أكاديمي مصرى متخصص فى العلوم السياسية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock