رؤى

بريطانيا والإخوان .. إلى أين تمضي العلاقة؟

فى العام 2014 وبعد السقوط الشعبي لجماعة الإخوان فى مصر، وبروز أجنحة عنف محسوبة عليها بشكل واضح مثل لواء الثورة وكتائب المقاومة الشعبية وحركة حسم، وغيرها من عناوين عنف أخرى كانت تعبيرا عن توجه جناح كبير داخل الجماعة نحو العنف، سيطر على موقع القرار فى الجماعة فى فبراير 2014 مع تولى ما سمي بلجنة إدارة الأزمة لتسيير شؤون الجماعة.

 اللجنة كان يقودها القيادي محمد كمال عضو مكتب الإرشاد، عبدالرحمن السندي الجديد، على حد وصف القيادي الإخواني محمود غزلان الذي حذر هو وآخرين من خطورة الرجل وتوجهاته على مستقبل الجماعة، التي كانت انحدرت بالفعل نحو مستقبل مظلم بعد تورط أجنحة منها فى ممارسة العنف تحت عنوان الاحتجاج أو الصراع السياسي مع السلطة والمجتمع.

عندما تواترت الشواهد على عنف الإخوان إلى حد تأكيد البعض عودة النظام الخاص للوجود، تلك الميليشيا العسكرية التى أطلقت أكبر موجات العنف فى المجتمع المصري فى الفترة من 1940 وحتى العام 1965 لربع قرن تقريبا، يحاجج البعض أن هذا العنف تواصل داخل الساحة المصرية مشيرين إلى تورط الجماعة فى حادثة الفنية العسكرية، كما يؤكد البعض أن مجموعة مصطفى مشهور القطبية التى سيطرت فعليا على الجماعة منذ العام 1947 كانت تؤمن بأفكار شكرى مصطفى التكفيرية، لكنها مارست لونا خفيا من التكفير تفسره تلك التقية التي تعلمها الإخوان ودرجوا عليها فيما بعد.

فى هذه الأونة منذ فبراير 2014 تصاعدت مطالب الدولة المصرية للمجتمع الدولي بإعلان الجماعة تنظيما إرهابيا، إعتمادا على انخراط بعض عناصر الجماعة واعترافات بعضهم أمام النيابة العامة بأن ما نفذوه من عمليات تكليفا من خلايا العمل النوعى بالإخوان. وكانت بريطانيا من الدول التى خاطبتها مصر فى حظر الجماعة على أراضيها، وهى التى وفرت ملاذات آمنة لبعض قيادات الجماعة، كما أتاحت تسهيلات كبيرة سمحت بتدشين عدد من مكاتب الجماعة تحت عناوين بحثية أو سياسية أو حقوقية أو إعلامية.

لكن بريطانيا حتى عندما وجدت نفسها مضطرة لإبداء رد فعل تجاه تلك المطالبات قررت أن تشكل لجنة تحقق فى فلسفة الجماعة وتوجهاتها، فهل كانت بريطانيا جاهلة بالجماعة وبأفكارها حتى تتحقق من أنشطتها وفلسفة عملها؟

خرج تقرير لجنة مجلس العموم البريطاني حول أنشطة الجماعة ليمسك العصا من المنتصف، موجها رسالة ضمنية دخلت على خط الصراع بين جناحي جماعة الإخوان: جناح كمال وجناح عزت، منحازة للأخير الذى يمثله فى لندن القيادى إبراهيم منير، العضو فى الحلقة الأضيق التي تدرك أسرار العلاقة بين الطرفين.

خرج التقرير، فيما نشر من بعض صفحاته،

 بمعنى عام يقول إن الجماعة قد تكون جسرا محتملا للتطرف، فى هروب من التبرئة الكاملة أو الإدانة الكاملة مع توجيه رسالة بأننا نراقب الصراع الحاصل داخل الجماعة عن كثب.

فلماذا لم تحظر بريطانيا جماعة الإخوان وتعتبرها تنظيما إرهابيا؟ .. هل للأمر علاقة باختراق التنظيم للمجتمع والسلطة فى بريطانيا عبر عمل ممنهج توسل بمراكز البحوث وغيرها لدعم صناعة لوبي موال للجماعة فى بريطانيا؟

هل للأمر علاقة بحرص بريطانيا على الاحتفاظ بأوراق ضغط على الحكومة المصرية، عبر الاحتفاظ بالإخوان كشوكة فى خاصرة الدولة الوطنية؟ وهل يبدو لذلك صلة بعلاقات تاريخية أعمق ربطت الطرفين.

الإجابة ربما يكشفها لنا تقرير للمخابرات البريطانية يكشف أنه  “خلال السنوات الثماني الأولى، أى منذ عام 1928 حتى عام 1936، لم تحظ حركة الإخوان باهتمام سلطات الأمن البريطانية وكان الفضل فى ذلك للشيخ حسن البنا”.

اعتقل حسن البنا مع صاحبيه السكري وعابدين فى أكتوبر 1941، وأفرج عنه وحده مع وعد بالإفراج عن صاحبيه لاحقا، وحدث اتصال بين السفارة البريطانية والإخوان عقب خروجه للوصول الى اتفاق يمتنع الإخوان فيه عن أي نشاط معاد للإنجليز او المشاركة فيه، وأن يتعاونوا فى محو أسطورة الحاج محمد هتلر المنتشرة فى المساجد، في إشارة إلى تعاطف قطاعات إخوانية مع الزعيم الألماني هتلر، مقابل مبلغ قدره عشرون ألف جنيه، مقابل أن تتغاضى السلطات عن نشاطهم فى المدن والقرى.

هناك من يقول إن هذا الاتصال لم يسفر عن اتفاق، وهناك من يقول إنه أفضى إلى إتفاق بين الجماعة وبين الإنجليز، وأنهم قبضوا منهم أموالا، وأصحاب هذا القول يستدلون بأن نشاط الإخوان المعادى للإنجليز خفت بعد أن تم الاتصال بفترة قليلة، ويستدلون على أن الاتفاق بات فى حكم المقطوع به حين لم يشارك الإخوان فى المظاهرة الكبرى لتأييد رومل فى العام 1942.

يضيف صاحب كتاب “صلات سرية .. تواطؤ بريطانيا مع الإسلام الراديكالي”: “قبل عام 1942 كانت بريطانيا بالتأكيد بدأت تمويل جماعة الإخوان، ففى 18 مايو عقد مسؤولون فى السفارة اجتماعا مع رئيس الوزراء المصري أمين عثمان، كان أحد الموضوعات التى تمت مناقشتها فيه هو العلاقات مع الإخوان، وتمت الموافقة على عدد من النقاط الخاصة بهذا التعاون واحدة منها أن الإعانات المقدمة من حزب الوفد للإخوان سيتم دفعها سرا من جانب الحكومة المصرية، وأنها فى هذا الشأن سوف تحتاج إلى مساعدة مادية من السفارة البريطانية، كما أن الحكومة المصرية ستقوم بزرع عملاء موثوق بهم داخل جماعة الإخوان لتراقب نشاطهم عن قرب، وأنها ستسمح للسفارة الإنجليزية بالحصول على معلومات من هؤلاء العملاء”.

بين التمويل والتوظيف تختفي حقائق العلاقة بين بريطانيا والإخوان، التي تبدو أشبه بجبل جليد لا تظهر سوى قمته ولم يكشف بعد أسراره، لكن المؤكد أن العلاقات بين الطرفين عميقة وقديمة واستراتيجية، بما لا يرجح معه أن تقدم بريطانيا على حظر الجماعة فى المدى المنظور، فبريطانيا لا تفرط فى استثماراتها بسرعة الأمريكان.

أحمد بان

كاتب و باحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock