منوعات

هدم تمثال ماريون سيمز .. هل يغلق ملف الفصول السوداء من تاريخ العنصرية الأمريكية

في يوم الثلاثاء، 17 أبريل 2018، تمت إزالة تمثال الجراح الأمريكي، جيمس ماريون سيمز، من قاعدته المتاخمة لحديقة سنترال بارك، في مدينة نيويورك، استجابة لمطالب بلغت أوجها في صيف العام الماضي. كانت “لجنة التصميم العام” بالمدينة صوتت يوم الإثنين 16 أبريل لصالح قرار الإزالة، ولم تتوان السلطات أكثر من يوم واحد لتنفيذه، ونقل التمثال إلى المقبرة التي دفن فيها سيمز قبل نحو 125 عاما.

كانت الفترة الأخيرة شهدت جدلا مجتمعيا وسياسيا محموما حول دلالة وجدوى التمسك بوجود آثار لرموز عنصرية مثلت حيواتهم فصولا سوداء في التاريخ الأمريكي، لا سيما بعد أن قامت كثير من المدن بالتخلص من هذه التماثيل، بعد أن شرعت الجامعات أيضا في تطهير نفسها وجهات تمويلها من كل ما يربطهما بصلة بالحرب الأهلية، من ثم، فإن هدم هذا التمثال يأتي كحلقة أخرى ضمن سلسلة تطهير طويلة الأمد.

لم يكن الجدل الذي أثير حول سيمز متعلقا – بطبيعة الحال – بإنجازاته في مجال الطب، وإنما بكيفية تحقيقه لها. فبرغم أن سيمز هو من قام بتأسيس أول مستشفي متخصصة في علاج الأمراض النسائية في نيويورك، وابتكار أساليب جراحية جديدة في هذا المجال، إلا أن هذه النجاحات دفعت ثمنها غاليا مجموعة من النساء الزنوج في حقبة ما قبل الحرب.

ففي أربعينيات القرن التاسع عشر، لم يجد سيمز أي حرج في خرق أخلاقيات المهنة باستغلال النساء المستعبدات اللاتي قام بشرائهن للتدرب على أسلوب جراحي جديد لعلاج الناسور المثاني المهبلي، الناتج عن الولادة، عن طريق إغلاق فتحات خطيرة بين المثانة والمهبل؛ وهو ما منحه لقب Father of Modern Gynecology “أبو الطب النسائي الحديث”. وبرغم الآلام المبرحة، كانت النساء الزنجيات تحرمن من التخدير، كما كان يُستدعى إلى هذه العمليات بعض الأطباء لمشاهدة سيمز أثناء إجراء الجراحات.

كانت هذه التجارب غير الإنسانية حلقة من سلسلة طويلة من استخدام الزنوج والهنود الحمر في حقبة ما قبل الحرب كفئران تجارب لاختبار علاجات يمكن أن تفيد المواطنين البيض، وفقا لما أفاده هاريت واشنطن، مؤلف كتاب Medical Apartheid: The Dark History of Medical Experimentation on Black Americans from Colonial Times to the Present “التمييز العنصري في  الطب: التاريخ المظلم للتجريب على الأمريكيين السود منذ الحقبة الاستعمارية حتى اليوم”.

ولم يشفع إلغاء النظام العنصري في الولايات المتحدة للأمريكيين السود في الحصول على “الحق في العلاج”، الذي يتمتع به نظرائهم من البيض، حيث ساد اعتقاد راسخ – وفقا لواشنطن – بأن إجراء مثل هذه التجارب على مرضى من الفئات المهمشة يمكن تبريره باعتباره نوعا من الوفاء بديون مستحقة على هؤلاء نتيجة عجزهم في أغلب الأحوال عن الوفاء بتكاليف الرعاية الطبية المستحقة عليهم.

كان الإرث اللا إنساني الذي خلًفه سيمز قد تعرض لجولة جديدة من التدقيق والتمحيص في خضم الجدل الوطني المثار بشأن القوانين الكونفيدرالية، خاصة بعد أن عرضت شبكة Home Box Office (HBO) التليفزيونية الأمريكية في العام الماضي، فيلما مستمدا من كتاب ريبيكا سكلوت الأكثر مبيعا، الذي تناول قصة هنريتا لاكس، المرأة الأفرو أمريكية التي استُخدمت خلاياها في خدمة أغراض البحث الطبي دون موافقتها.

رغم ذلك، لا يزال الاحتفاء بإنجازات هذه الفئة من العلماء، وتخليد ذكراهم، محل تساؤل يتجاوز عمره نصف قرن من الزمان. ففي عام 1959 – أي قبل سنوات طويلة من بداية القرن الحادي والعشرين – الذي شهد جهودا حثيثة لزيادة الوعي الوطني والمجتمعي – سلطت مجلة Time الضوء على بعض المشكلات التي من الممكن أن يثيرها تمثال سيمز، وذلك في مناسبة نشر كتاب Obstetric and Gynecologic Milestones (علامات بارزة في طب التوليد وطب النساء)، الذي ألفه طبيب أمراض النساء، هارولد سبيرت، ولفتت الصحيفة أنظار المراقبين إلى مفارقة تجاهل النساء اللاتي ساعدت أجسادهن أطباء مثل سيمز على تحقيق نجاحات طبية.

هذه المادة مترجمة 

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock