منوعات

كريج فينتر.. عن أول مخلوق أنجبه الكمبيوتر

كريج فينتر عالم وراثة مثير للجدل، عرف العالم اسمه لأول مرة سنة 2000، عندما وقف جانب الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في مؤتمر صحفي من البيت الأبيض للإعلان عن أول مسودة للخارطة الوراثية البشرية، توالت بعدها الاكتشافات لكن صاحبها واجه انتقادات حول مبالغته في النتائج من أجل جمع المال لأبحاثه.

في فيتنام حاول فينتر الانتحار، مشاهد الحرب والموت كانتا دافعه لمحاولته الفاشلة، كما بعثت في نفسه أيضا الرغبة في الالتحاق بكلية الطب جامعة كاليفورنيا بعد عودته من فيتنام، عازما على الرجوع، لدى انتهائه من دراسته، إلى البلد الآسيوي المنكوب لمساعدة أهله.

 الرغبة في مساعدة الشعب الفيتنامي اتسع مداها لتشمل خدمة الإنسانية، فاتجه فينتر إلى المجال البحثي، وكان موضوع أبحاثه لنيل الماجستير والدكتوراه هو هرمون الأدرينالين، قادته هذه الأبحاث إلى الكشف عن البنية الهيكلية لبروتين الأدرينالين، وتحديد السلسلة الوراثية للجين المسئول عن المستقبل الخلوي للأدرينالين، ومنها إلى فك الشفرة الوراثية للإنسان “الجينيوم” الذي أعلنه من البيت الأيبض بمعية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون عام 2000.

الاكتشاف الذي وصف بأنه واحد من أهم الإنجازات في تاريخ البشرية فتح شهية فينتر وفريقه البحثي إلى المزيد، ليتغلب على عقبات عدة عرضت له، منها المشروع الحكومي المنافس، الذي خُصص للبحث في نفس الموضوع، وأشرف عليه عالم الأحياء الجزيئية الحائز على جائزة نوبل جيمس واطسون، كما قررت الشركة الراعية لأبحاثه إعفاءه من منصبه ليؤسس إثر ذلك معهد كريج فينتر، ويواصل عمله، ويعقد عدة صفقات مع شركات خاصة لتمويل مشروعاته البحثية منها شركة أكسون موبيل النفطية باستثمارات بلغت 600 مليون دولار.

الخطوة الكبرى التالية لفينتر كانت تصنيع خلية حية عبر الكمبيوتر، “مخلوق أنجبه الكمبيوتر”، بتوصيف فينتر لدى إعلانه عن مولد “الجينيوم” الخاص به مايو 2010. استطاع فيتنر وفريقه حقن مادة وراثية عبارة عن سلسلة قصيرة من الحامض النووي أدخلت إلى خلية محمولة على كروموسوم مصنع، وركبت شفرتها بالكامل باستخدام الكمبيوتر.

الخلية المصنعة كانت قادرة على الانشطار الحيوي، لتنقسم مليارات المرات، منتجة نسخا تتحكم فيها البرمجية المصنعة للخلية الأم.

استغرق فينتر وفريق عمله ما يزيد على العقد من الزمن لتقديم هذا المنجز إلى المجتمع العلمي، البعض رآه يمثل خطورة على الحياة، باعتباره تدخلا في هرمونية الطبيعة، لكن لم يمنع هذا آخرين من إعلان أن إنجاز فينتر هو الأبرز في تاريخ علم الجينات وأنه سيدفع قدما نحو زيادة القدرة على إنتاج خلايا تكون للعلماء حرية تحديد طبيعة عملها.

همة فينتر لم يصبها الفتور، فبعد تلك الفقزة الهائلة في عالم التكنولوجيا الحية، أعلن العالم الأمريكي الشهر الماضي في إطار فعاليات القمة العالمية للحكومات التي جمعت أهم الخبراء المتخصصيين في مجال التكنولوجيا الحيوية أن العلم أصبح قادرا على صياغة جينيوم خارق، وهذا بالتبعية سيصب في إطالة حياة الإنسان وعلاج أمراض مزمنة كالقلب والسرطان، لتساهم هذه الجهود في الدفع بأجيال أكثر صحة.

أما العمل المستقبلي الذي يأمل فينتر وفريقه البحثي الانتهاء منه قريبا فهو القدرة على تحويل سلسلة الحمض النووي إلى العالم الرقمي، إضافة إلى صناعة تكنولوجية في استطاعتها إرسال الرموز البيولوجية عبر الإنترنت، بحيث يمكن إرسال رموز خاصة باللقاحات الجديدة، لتصنع محليا في أي مكان بالعالم.

واجه كريج فينتر خلال هذه المسيرة الطويلة الكثير من العقبات، ليس أبرزها توفير التمويل اللازم لأبحاثه المكلفة، لينتقل مشروعه من مكان لآخر، فمن معاهد الصحة الوطنية الأمريكية إلى معهد النمر ثم شركة سيليرا ليؤسس أخيرا معهده الخاص، وبجانب ذلك فأثناء محاولته لفك الشفرة الوراثية للإنسان أقرت الحكومة الأمريكية مشروعا ضخما بتمويل 3 مليارات دولار استهدف نفس الغاية، واستطاع فينتر أن يحسم السباق لصالحه بتمويل لا يتخطى 300 مليون دولار، ولازال فينتر يتابع مغامراته البحثية تحدوه رغبة طموحة ملحة في أن “يكتب السوفتوير الهاردوير”.

Mohamed.altanawy1@gmail.com

محمد السيد الطناوي

كاتب و باحث مصري Mohamed.altanawy1@Gmail.com
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock