الحدث

الديمقراطيات الآيلة للسقوط .. هل تنهي حلم الشعوب بالحرية

“هذا شيء عظيم.. لقد تمكن من فعلها، ومن يدري ربما نفعل هذا يوما ما”،  كانت هذه كلمات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعليقا على خطوة الرئيس الصيني لتعديل نصوص الدستور التي تحدد فترة الحكم، لتصبح مدى الحياة.

قد لا تكون هذه البادرة الوحيدة في السياسة العالمية التي توحي بانكماش وأفول عصر الديمقراطية لصالح أنظمة حكم استبدادية وشمولية. فتصاعد وتيرة نجاح الأحزاب اليمينية في السنوات الأخيرة في كل من فرنسا والنمسا والمجر وهولندا والمانيا، وتنامي النزعات الشعبوية والأيديولوجيات القومية التي تتبنى مواقف أكثر صرامة وعدائية تجاة قضايا اللاجئين والموقف من الإسلام، وتنحي قيم الديمقراطية والحريات في سبيل تحقيق أهدافها واستراتيجياتها السياسية، بات يمثل تهديدا مباشرا لمستقبل الديمقراطية الغربية، وهو ما  حذر منه  الأمين العام لمجلس أوروبا “ثوربيورن ياغلاند” مؤكدا أن الديمقراطية مهددة بتصاعد النزعات الشعبوية والقومية.

ووسط تصاعد حجم الأزمات الاقتصادية والسياسية العالمية، وتصدير الخوف للمجتمع من الإرهاب الإسلامي، في خطاب الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروربا، وما يرتبط به من فرض رقابة أمنية مشددة، يبدو الحديث عن الحريات والتعددية والمساواة وسيادة مبدأ الرقابة الشعبية لأعمال السلطة من قبيل الرفاهية السياسية، ما ينذر بأفول قيم وقواعد سياسية راسخة انبنت عليها نظم الحكم في أوروربا منذ الديمقراطية الأثينية وحتى صورتها الكاملة في القرن الحادي والعشرين.

ومؤخرا تجلى هذا التخوف من صعود أحزاب وتيارات اليمين واليسار المتطرف التي تلعب على قلق وتخوفات الشرائح الوسطى من المجتمعات في عدد من الأعمال الفنية، من أهمها الفيلم الفرنسي” شاي نو”، Chez nous للمخرج البلجيكي لوكاس بيلفو حول تلاعب الأحزاب اليمينية المتطرفة بالجماهير، والذي تدور أحداثه في شمال فرنسا، قبيل أسابيع من الانتخابات الرئاسية الفرنسية.

يعرفنا  الفيلم على خبايا حملة مرشحة من أحد الأحزاب اليمينية المتطرفة، يشبه كثيرا حزب الجبهة الوطنية، وتدور قصة العمل حول بولين، وهي ممرضة تربي طفليها بمفردها، لكن طبيب العائلة الذي يتقمص دوره الممثل الفرنسي الكبير أندريه ديسولييه، يحاول اقناع بولين بالانضمام تحت راية حزبه المفضل، حزب الكتلة الوطنية، برئاسة آنيوس دورجيل، التي تذكرنا بمارين لوبان.

المخرج لوكاس بيلفو، يؤكد أن الفيلم ليس ضد حزب يميني متطرف بعينه، بقدر ما يسعى لكشف آلية خداع خطاب هذا النوع من الأحزاب، وكيفية تلاعبها بالجماهير والأفراد معا في آن واحد.

بولين التي تقتنع شيئا فشيئا بمبادىء الحزب، تترشح عن حسن نية لرئاسة بلدية “هينار“، وهو اسم يذكرنا ببلدة Hénin-Beaumont، شمال فرنسا التي فاز فيها مؤخرا حزب الجبهة الوطنية.

يضيف المخرج: “الأحزاب الشعبوية عادة ما تبحث عن شخص مثل بولين، ينتمي إلى عامة الشعب لكنه يتمتع بشعبية جيدة من خلال التزامه. بولين هي الهدف المثالي في هذا المستوى، فهي شخصية يسهل التعامل معها كما أنها تملك هذه الإرادة للتغيير،  وهو ما نلاحظه من خلال علاقتها مع والدها وطفليها أو مع المرضى. إنها شخصية سخية جدا، وأعضاء الحزب سيحاولون أن يستفيدوا من هذه الخصلة”.

روسيا بوتين نموذج آخر للتحايل على الديمقراطية، عبر التخلص من رقابة البرلمان على السلطة التنفيذية بزعم استعادة هيبة الدولة سياسيا واقتصاديا، وهو أمر يرتبط بشخص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبراعته في التحايل على الدستور للبقاء في السلطة منذ قرابة العشرين عاما، من خلال سياسة تبادل المقاعد مع شريكه السياسي ميدفيديف. الرئيس الروسي الأسبق غورباتشوف نبه إلى ذلك مبكرا في مقابلة له مع مراسلة  شبكة بي بي سي البريطانية “بريجيت كندال” في العام 2011، واصفا ما يقوم به بوتين بــ”بإخصاء” النظام الانتخابي في روسيا، مضيفا أنه لا ينبغي لبوتين أن يترشح لفترة رئاسية جديدة. بالتأكيد لم يخطر على بال غورباتشوف وقتها أن الرجل سيقضي نحو عشرة أعوام أخرى في السلطة، وربما أكثر.

ما يحدث في الانتخابات التركية ليس ببعيد عن السيناريو الروسي، إذ على الرغم من أن الديمقراطية في تركيا العلمانية التي أسسها كمال أتاتورك هي التي مكنت الإسلاميين من الوصول إلى السلطة بزعامة رجب طيب أردوغان، إلا أن حيل أردوغان الذي شغل منصب رئيس الوزراء منذ عام 2002 للبقاء على رأس السلطة من خلال التنقل بين رئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية، وسعيه لتغيير نظام الحكم في تركيا من الجمهورية البرلمانية إلى الجمهورية الرئاسية، هي محاولات واضحة لتقويض الديمقراطية التركية، على الرغم من سلامة الإجراءات الشكلية .

لا تخلو تلك الردة عن الديمقراطية في المجتمع الغربي من تأثير واضح على بلدان العالم الثالث التي لا تزال تحلم بتداول حقيقي للسلطة ورقابة نافذة للسلطات القضائية والتشريعية على أعمال السلطة التنفيذية القابضة على مقاليد الحكم، بما يتيح مساحة أكبر من التعددية السياسية والفعالية الشعبية في صياغة الواقع. ساعد على ترسيخ هذا النهج أن رعاة الديمقراطية في أوروبا الذين طالما مارسوا الضغوط على حكومات البلدان النامية لفتح المجال العام وترك مساحة للرأي الحر والمشاركة السياسية، لم تعد تلك المطالب لهم بذات أهمية، إلا باستخدامها كأوراق ضغط في المحافل الدولية لتحقيق أهداف ومصالح استراتيجية خاصة لهذه الدولة أو تلك، وهو ما أدركته جيدا أنظمة الحكم وباتت تحسن التعاطي معه، فهل تغادر الديمقراطية كمرحلة تاريخية السياسة العالمية قبل أن تصل إلى شعوب أمضت عقودا في حلم الحرية المنشودة؟.

بلال مؤمن

كاتب و محرر مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock