منوعات

السوشيال ميديا .. خطر يهدد الأطفال والمراهقين

أصبح من الشائع، بل ومن المرجح علميا، أن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي قد يؤدي إلى بعض المشكلات النفسية التي قد تتطور إلى أمراض تستوجب العلاج.

دراسة أخيرة أجريت هذا العام توصلت إلى أن الإفصاح عن التجارب السلبية على وسائل التواصل الاجتماعي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالمزيد من المشاعر الاكتئابية لدى أصحابها، وأن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في هذه الحالات يعزز المشاعر السلبية لديهم بأكثر من التأثير الإيجابية عليهم.

وجدت الدراسة التي أجريت على أكثر من 1000 شخص تتراوح أعمارهم بين 18 و 30 سنة أن كل زيادة مقدارها 10 في المائة في الإفصاح عن  التجارب السلبية عبر السوشيال ميديا، كان مرتبطا مع زيادة 20 في المائة في احتمالية إظهار أعراض الاكتئاب.

تؤيد نتائج هذه الدراسة ما توصل إليه تحقيق استقصائي أجرته قناة سي إن إن الأميركية عام 2015 حول تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على فئة المراهقين، تتبع نشاط وعادات وممارسات أكثر من 200 مراهق على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وتوصل إلى الكثير من الأدلة على إدمان المراهقين على مواقع التواصل الاجتماعي, مشيرة إلى أنه كلما زادت فترة تواجد المراهقين على مواقع التواصل الاجتماعي، وتناسب ذلك طرديا مع زيادة معدلات توتر أعصابهم واحتماليات تعرضهم للمخاوف والتعاسة.

رصدت الدراسة أيضا أنه تحت وطأة الخوف من التعرض لأي إساءة من طرف آخر، يواظب المراهقون على متابعة ما ينشره آخرون قد يختلفون معهم في التوجهات والأفكار، خارج دائرة أصدقائهم، ما قد يجعلهم عرضة لميول أكثر عدوانية وكرها لمحيطهم الاجتماعي. كما رصدت الدراسة أن نحو 94 بالمائة من الآباء لا علم لهم بكم المشاحنات والمخالفات الأخلاقية التي يرتكبها أو يتعرض لها أبناؤهم المراهقون على مواقع التواصل الاجتماعي.

أباء وأبناء

السؤال الجوهري هنا، ماذا بوسع الأباء الذين يلاحظون مثل هذه السلوكيات في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من الأطفال والمراهقين أن يفعلوا للحد أو الحيلولة دون وقوع الأبناء فريسة لتلك الممارسات بطريقة سليمة.

ينبه المعالج النفسي و الكاتب المتخصص في علم النفس الإكلينيكي سيث مايرز إلى أن التعامل مع المراهقين يمثل تحديا، فهم يشبهون الزئبق في تقلباتهم النفسية، ولأنهم عالقون في مرحلة حياتية مليئة بالهرمونات، ونضالات الهوية ، والعيش تحت وطأة ضغوط اجتماعية شديدة، فهم لا يرغبون في التحدث مطولًا مع أبائهم عن بعض مشاعرهم السلبية، لذلك يجب على الآباء أن يكتشفوا طريقة للتواصل معهم حول هذه المسألة لا تبدو تطفلية أو تمثل تهديدا عاطفيا لأبنائهم.

ويحذر مايرز من الأساليب التي ينتهجها بعض الأباء لإدارة مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي على أبنائهم من خلال مطالبتهم بتضمينهم في شبكتهم أو منعهم من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كامل. يرى مايرز أن هذا النهج يأتي بنتائج خطيرة: “ما وجدته في عملي هو أن إجبار الطفل أو المراهق على الابتعاد أو الإقلال من التواجد على منصات التواصل الاجتماعي غالباً ما يكون له تأثير معاكس، فهو يسبب سلوكاً سرياً ومزيجاً من مشاعر الاستياء أو الغضب.

الاقناع هو الحل 

وبدلاً من محاولة السيطرة على الأطفال، يرى مايزر أن المفتاح هو تعليم الأطفال أفضل الدروس الممكنة حتى لا يشعروا بأنهم مجبرون على الانخراط في سلوكيات غير صحية أو مدمرة للذات.

و يضيف: “الطريقة الأكثر مباشرة هي أن تنخرط في محادثات مع طفلك أو ابنك المراهق مباشرة وتوجه السؤال المباشر له حيال ما إذا كان يشعر بالسوء أو يصير في حال أسوأ بعد قضاء الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي”. ويتابع: يمكن أن تسأل أسئلة مباشرة مثل “هل شعرت بالسوء أو الاكتئاب لدى اطلاعك على بعض الأشياء على وسائل التواصل الاجتماعي؟ إذا كان الأمر كذلك، فهل من المنطقي أن تستمر في فعل ذلك؟”. إذا كان لديك طفل يتحدث علانية ردا على مثل هذه الأسئلة المباشرة، فإن هذه بداية جيدة.

ويواصل: “إذا كنت مثل العديد من الآباء الذين يشعرون بالارتباك حول كيفية التعامل مع القضايا العاطفية مع المراهقين، يمكن أن تستخدم نهجا آخر مفيدا للغاية عبر محاولات الإقناع بدلا من فرض الرأي. فبدلًا من سؤالهم بشكل مباشر حول مشاعرهم الخاصة يمكنك أن تشارك تجاربك الشخصية معهم أو تجارب أصدقائك السلبية التي نتجت عن الإفصاح بالمشاعر عبر السوشيال ميديا”.

على سبيل المثال، قد تقول شيئا من هذا القبيل: “في بعض الأحيان، لجأت إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وشعرت بحالة جيدة، ثم رأيت التفاعلات من الأصدقاء الافتراضيين وكان يبدو  الحال وقتها و كأني أمتلك أصدقاء أكثر من أي شخص آخر في العالم، فأدرك أن هذا شعور زائف و آخذ مسافة من وسائل التواصل الاجتماعي أو أذكر نفسي أن ما أراه على الإنترنت ليس هو الشيء نفسه الذي يحدث خلف الأبواب المغلقة”.

يمكنك أيضا القول إن أولئك الأشخاص الذين يشعرون بالسعادة حقاً لا يحسون عادةً بالحاجة إلى إثبات ذلك لأي شخص آخر”.

ويصل مايرز إلى محصلة أخيرة في نصائحه للأباء: “يبقى أهم الأولويات بالنسبة لك كأب أو أم هو تعليم أطفالك أساسيات العلاقات وتقدير الذات، وأنه لا أحد يشعر بالارتياح طوال الوقت، وأن الأشياء ليست دائما كما تبدو في الظاهر. بهذه الطريقة أنت تحاول مشاركة مشاعر طفلك أو ابنك المراهق وتوجيه نموه العاطفي، ويظهر هذا السلوك الواعي لهم أنك لا تهتم فقط بدرجاتهم الدراسية أو قابليتهم للتوظيف في المستقبل، بل تهتم بما يفكرون فيه أو يشعرون به”.

تامر الهلالي

مُترجم وشاعر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock