رؤى

لماذا ضاع حكم الإخوان ؟

ظل الإخوان لسنوات طوال شارفت على القرن يواجهون الصعاب للوصول إلى حلمهم الأكبر، أعني  السلطة، وهو الحلم الذي تحقق فجأة بعد ثورة 25 يناير، وانتقلوا من السجون إلى القصور، ولكنهم عادوا مرة أخرى إلى السجون وسط ذهول كبير لأكثر المراقبين وصدمة أكبر لأبنائهم وأتباعهم الذين استيقظوا من حلم السلطة الجميل على كابوس العزل والسجون والمطاردة.

 ولعلي في هذا المقال السريع أذكر أهم الأخطاء التي كانت سبباً في زوال سلطتهم سريعاً:-

1- عدم القدرة على الانتقال السريع من فقه الدعوة إلى فقه الدولة، ومن مرحلة الجماعة إلى مقتضيات الدولة.

2- عدم فهم أن الجماعة لن تستطيع أن تبتلع دولة كما أن الفرد لا يستطيع ابتلاع جماعة، ولو وقع ذلك سيحدث انسداد معوي ووفاة للجماعة، وهذا ما حدث.

3- إصرار بعض قادة الجماعة على الإخلال بالوعد الذي قطعته على نفسها بعدم الترشح للرئاسة وعدم تجاوز نسبة الثلث المعطل للبرلمان في غمرة الحماس والمليونيات، والاعتماد على نظرية بائسة تقول إن أمريكا والغرب سيقفون معهم، والحقيقة أن السفيرة الأمريكية خدعتهم في هذا الأمر كما خدعت زميلتها الأخرى في العراق صدام حسين حينما استطلع رأيها في غزو الكويت.

4- ترك الإخوان والحركة الإسلامية المصرية لمشروعها الدعوى والاجتماعي المتفق عليه وانخراطها وتحولها إلى مشروع سياسي مختلف عليه، لها فيه آلاف الخصوم في الداخل والخارج وهؤلاء لن يتركوها تصل إلى السلطة فضلاً عن الانفراد بها.

5- أخطر ما أصاب الحركة الإسلامية المصرية بعد 25 يناير هو تخليها طواعية عن موقع الدعوة والهداية وتحولها إلى حركة سياسية محضة تدور حول السلطة وتدندن حولها وتضحي من أجلها وتبذل الآلاف من شبابها من أجل كراسيها.. ظنا ً منها أن السلطة ستخدم الإسلام وتخدمها أكثر من غيرها.. رغم أن الواقع العملي ينطق بالعكس.. وبذلك تحولت طواعية من مشروع دعوة إلى مشروع سلطة.. ومن مشروع هداية إلى مشروع سياسي.

6- قلب الهياكل والقوالب الاجتماعية والسياسية في أي بلد بين عشية وضحاها صعب وشاق ودونه الموت، ولن يحدث ذلك عن طريق السلطة أو القوة أو سريعاً ومفاجئاً، بل يحتاج لإصلاح دائم لمئات السنين.

7- الخلط المعيب بين الشرعية والشريعة.. مع أنهما نفس الحروف إلا أن الفرق بينهما كالفرق بين السماء والأرض.. فالشريعة معصومة وهي اختيار الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أما الشرعية فهي اختيار البشر.. وهو غير معصوم وقد يخطأ وقد يصيب، والشريعة لا يمكن التنازل عنها .. أما الشرعية فيمكن التنازل عنها لمصلحة شرعية مثل حقن الدماء كما تنازل الحسن بن علي.

8- تلا ذلك مصيبة أكبر من الخلط بين الشريعة والشرعية وهي إطلاق شعار “الشرعية أو الدماء” بعد عزل د. محمد مرسي  بدلا ً من الاستنان بسنة الحسن بن علي حقنًا للدماء .. وهذا الشعار كان سببًا في إهدار كثير من الدماء دون أن تعود الشرعية.. فلا أدركت الحركة الإسلامية الشرعية ولا حقنت الدماء .. “فلا أرضا ً قطعنا ولا ظهرا ً أبقينا”.

9- الخلط بين العقائدي الثابت والسياسي المرن المتغير .. وبين المقدس والبشري .. والخلط المعيب بين الأحزاب السياسية والجماعات الدعوية.. بحيث ذابت المسافات تماما ً بين الجماعة الدعوية والحزب السياسي التابع لها .. بل أصبحت هذه الأحزاب مجرد ذراع سياسي للجماعات السرية في الحقيقة والعلنية في الشكل.

10- الخلط بين الإسلام المعصوم والحركة الإسلامية غير المعصومة .. وبين الإسلام المعصوم والإسلامي غير المعصوم .. وبين الإسلام المعصوم والفكر والفقه الإسلامي غير المعصوم.

11- إغفال الإخوان ومن تحالف معهم لقوة الدولة المصرية ومؤسساتها السيادية والتي تظهر أحياناً بمظهر الصامت أو المتفرج، فالدولة المصرية بالذات عميقة عمق البحر، وضاربة الجذور في التاريخ ولها ظاهر وباطن، ولا يغرك ظاهرها إن تبسمت لك أحياناً ، فلها وثبة أشبه بوثبة الأسد، ولها صبر أعمق من صبر الجمل، وقد تبدو أحياناً ساذجة غافلة مع أنها تستبطن المكر والدهاء، ولعل الفلاح المصري اكتسب جزءًا كبيرًا من هذه الصفات.

12- تحالف الحركات الإسلامية السلمية مع تنظيمات لها أفكار تكفيرية ومسلحة وتسير على نهج القاعدة وتكفر الجيش والشرطة والأحزاب السياسية والحركات الصوفية وغيرهم وتقوم بتفجيرات واغتيالات وحرائق وتعد ذلك فخرًا لها ،بالإضافة إلى فرح قطاع عريض من أبناء ذلك التحالف بقتل أي ضابط جيش أو شرطة والتهليل لحرق سيارات الشرطة أو أقسامها أو مدرعاتها ناسين أن تجديد هذه السيارات والأقسام سيكون على حساب الغلابة المصريين من دافعي الضرائب وأن الجيش والشرطة مواطنين مسلمين لا يجوز قتلهم أو تفجيرهم وأن قتلهم وتفجيرهم لا يمت للجهاد الشرعي بصلة ولكنه قتل بغير حق وإرهاب واعتداء علي الدولة المصرية وهو غير جائز شرعاً وقانوناً حتى وإن وقع بعضهم في ظلم أو جور أو معصية.

13- توجه قطاع كبير من شباب الحركة الإسلامية إلى فكر التكفير، ناسين أننا “دعاة لا قضاة” وأن الله لن يسأل أحدًا من أبناء الحركة الإسلامية وغيرهم من الدعاة عن تكفير أو تفسيق أو تبديع فلان أو فلان  ولكنه سيسألنا هل حببنا الناس في الدين أم نفرناهم عنه وكم رغبنا الناس في الإسلام وناسين أن الدعاة ليسوا أوصياء علي الناس ولا على الدين وأن النبي العظيم خوطب في آخر حياته بقوله تعالى ” لَسْتَ عليهم بمسيطر”.

14- إهمال كل الفرص التي لاحت لهم لحل الأزمة سلميًا ووديًا اًمثل رفضهم الانتخابات الرئاسية المبكرة، و قبول اجتماع القوي المدنية مع الرئيس مرسي قبلها في وزارة الدفاع،أو رفض ثلاث محاولات جادة لحل الأزمة قبل فض رابعة وقبل القبض على أي أحد أو إراقة  نقطة دم واحدة.

15- اعتصام رابعة بخطابه وفضه كان مأساوياً، واعتقاد الإخوان عدم قدرة الدولة على فضه كان خطأً قاتلاً، وعدم صرف المعتصمين بعد عيد الفطر وبعد إعطاء الدولة وقت كاف للفض الطوعي، ورفض كل محاولات الحل السلمي للأمر، أو حتي صرف الناس بعد أن عرف القادة موعد الفض تقريباً، وخطأ الإخوان في الاعتماد علي أن أمريكا والغرب سيمنعون الفض، أو سيحاصرون مصر إذا حدث،فضلاً عن عشرات الحسابات غير المنطقية والواقعية، وتحميس الشباب حماسة تمنع العقلاء من صرفهم بالحسنى، فضلاً عن إدخال الأطفال والنساء في اعتصام صدر قرار بفضه والمغامرة بدماء وحياة هؤلاء دون شعور بالأخطار المحدقة بالاعتصام.

16- توجه قطاع كبير من الشباب الإسلامي إلى التفحش مع خصومهم  ناسين إن هدف رسالة الإسلام هي “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”وأخطر من ذلك هو شرعنة أو أسلمة التفحش، وهذا ما لم يحدث في تاريخ الإسلام كله.

17- تحويل الصراع السياسي على السلطة إلى صراع ديني وأن مصر فيها فسطاطان فسطاط للكفر والعلمانية وفسطاط للإيمان والدين وهذا يضر الإسلام قبل أن يضر خصومه.

18- غياب الخطاب الإسلامي الوسطي الذي يجمع ولا يفرق ويبشر ولا ينفر وييسر ولا يعسر ويقرب الناس من الدين ولا يبعدهم عنه ويعين الإنسان على شيطانه لا أن يعين شيطانه عليه، ويدعو إلى المصالحة والعفو والصفح والتسامح ليحل محله خطاب تنفيري حربي أو تحريضي أو طائفي أو تكفيري أو انتقامي لا يلتزم بالفقه الإسلامي الرصين بقدر ما يدغدغ العواطف ويهيج المشاعر فضلا ً عن غياب دعاة الوسطية تحت ضربات الصراع السياسي العنيفة مع الفشل في كسب الأصدقاء والتفنن في صناعة الأعداء دون مبرر.

هذه هي أهم الأخطاء من وجهة نظري ولا ينفى ذلك أن هناك أخطاءً كثيرة أيضاً وقعت فيها الدولة المصرية في هذه الفترة العصيبة من تاريخ مصر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock