فن

ADRIFT.. اقتناص الحياة من رحم المأساة

يأخذنا فيلم Adrift “بلا وجهة” إلى منطقة مجهولة في عرض البحر بها سفينة شبه محطمة وفتاة مصدومة بعد نجاتها من إعصار هائل ذهب بحبيبها بعيدًا، تحاول “تامي أولدهام” – لعبت دورها شايلين وودلي – استيعاب الموقف وإنقاذ ما يمكن إنقاذه فتلمح جسد رفيق مغامراتها “ريتشارد شارب” – لعب دوره سام كلافلن – فتنتشله من البحر لتبدأ رحلتها المستحيلة لإنقاذ نفسها وحبيبها ليعودا مرة أخرى إلى بر الأمان.

تعود البطلة بذاكرتها إلى أحداث الماضي حينما كانت هي و”ريتشارد” يخططان لتلك الرحلة التي كانا يتخيلان أنها ستكون الأروع، بعدما وقعا في الحب وقررا أن يظلا معًا للأبد ليخوضا مغامرات لا حصر لها ويجوبا العالم كله بحرًا.

يحفزها أملها في إنقاذ حبيبها واستعادة حياتها معه ويُخرج منها شخصية جديدة مثقلة بحدة مأساتها وشدة معاناتها، لتقود هي السفينة وحدها وتضطر إلى فعل أشياء لم تتصور يومًا أن تفعلها، فتتحول من شخص نباتي إلى حيواني، فلم يعد أمامها سوى اصطياد السمك وأكله ني لتنجو.

أبطال القصة الحقيقية، أبطال الفيلم

الحقيقة والخيال

بعد رحلة شاقة استغرقت 41 يومًا ومع اقتراب نفاد مخزونها من المؤن تظهر سفينة ضخمة فجأة تنقذها، وتعترف أمام نفسها أخيرًا بأن حبيبها لقي مصرعه جراء الإعصار منذ البداية وأن وجوده معها على السفينة لم يكن سوى خيالات وهلاوس ابتكرتها هي لتدفع نفسها نحو النجاة.

المثير للاهتمام في الفيلم أنه مستوحى من قصة حقيقية، الأمر الذي يجعلك تجد نفسك بين شخصياته حتى وإن لم تطأ قدمك سفينة أبدًا. كلنا اختبرنا ألم فقدان أقرب الناس إلينا في لحظة مفاجئة صادمة دون أي استعداد، وكم من مرة خططنا لسيناريوهات حالمة مع أحدهم لنفاجئ بترتيبات القدر التي لم تكن في الحسبان، وكم احتجنا دعم شخص ما لم يكن موجود فاختلقنا وجوده لتطمئن نفوسنا وتهدأ.

ما تم تسليط الضوء عليه بوضوح في أحداث الفيلم هو تطور شخصية البطلة، وكيف يمكن للمأساة والتجارب العصيبة أن تصنع منا شخصيات جديدة حتى على أنفسنا، شخصيات أكثر قوة وصلابة وواقعية لطالما نظرنا إليها من بعيد ولكن لم نتخيل أبدًا أن نكونها.

التكيف الصعب

أن تملك قرارك الحر ذلك في حد ذاته رفاهية، أن تكون على البر في منطقة راحتك تفعل ما تشاء وتختار ما يتناسب معك، ولكن أن تجد نفسك وحيدًا في عرض بحر الحياة كبطلة هذا الفيلم، هنا تفقد تلك الرفاهية، فتجبر إجبارًا على التكيف، وهو ما يتطلب صبر أيوب وإرادة محارب وقدرة عالية على التحمل والمرونة.

رغم الضغوط التي تفرضها علينا الأزمات إلا أنها تعلمنا وتشكل شخصياتنا، ليس بالضرورة أن يكون الناتج النهائي شخصية أفضل أو أسوأ، ولكن بلا شك تكون شخصيات أكثر قدرة على التعامل مع الحياة وإدارة الأزمات، لتصبح المأساة اختبارا لنا نكتشف من خلاله ذواتنا الحقيقية وصفاتنا المدفونة بعمق داخلنا، كما نختبر من خلالها طبيعة الحياة الحقيقية ومعان إنسانية فريدة، وكأن تطور شخصية الإنسان متضافر في سلسلة محكمة تنقله من مرحلة إلى أخرى حسب طبيعة التحديات التي يواجهها في كل مرحلة من حياته.

الإبحار بلا وجهة

يجسد الفيلم رسالته باختصار: مهما كانت أحداث الحياة عاصفة فالأهم هو ردود أفعالنا عليها وليس الأحداث في ذاتها، وعلينا ألا نستسلم أو نتخاذل في مواجهتها، هذا ما فعلته بطلة الفيلم الحقيقية بعد إبحارها بمفردها بلا وجهة لما يقرب من شهر ونصف الشهر.

لا تزال “تامي أولدهام أشكرفت” تبحر حتى يومنا هذا، وقد نقلت تجربتها في كتاب حصل على أعلى المبيعات وترجم إلى 8 لغات، ورغم حزنها الشديد على “ريتشارد” إلا أنها بذلت ما في وسعها لتجاوز الأزمة، وهي حاليًا متزوجة ولديها طفلين تعيش بسعادة معهم، ما يجدد الإيمان مرة أخرى، أنه رغم كل شيء، ورغم كل الألم، هناك دائمًا أمل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock