ثقافة

شبح الغزالي يطارد ابن رشد

يصدر عن سلسلة التراث الحضاري بالهيئة المصرية العامة للكتاب قريبا كتاب «صوت الغزالي وقِرطاس ابن رشد»، للباحث والناقد مدحت صفوت، والكتاب قراءة جديدة لذلك السجال التاريخي الشهير بين أبي الوليد ابن رشد، وأبي حامد الغزالي حول قضايا الدين والفلسفة، ملحق بها دراسة ابن رشد الشهيرة «فصل المقال”

وقال المؤلف في تصريح لـ”أصوات” إن الكتاب يرصد كيف أن شبح الغزالي ظل يطارد ابن رشد، ويسكن المؤلفات الرُشدية، ليس فقط في “تهافت التهافت” وإنّما في “فصل المقال” و”مناهج الأدلة” أيضًا.

ويصفه بأنه “شبح يحرك مؤشر الرشدية ويضع مسار نقاشاتها، وربما المنطلقات وأحيانًا النتائج، ليبدو المختلف عليه هو عملية المعالجة، وطرائق التعاطي مع المعطيات، ليموت ابن رُشد بعد أن تقلصت مساحات نفوذه، ويبقى الغزالي واقعًا وشبحًا”.

ويردف “صفوت” كل ما حاولت تقديمه هو فهم ابن رشد، فالحاجة الرئيسة الآن هي الإحاطة برؤيته  وفلسفته أولًا في إطار زمنه وسياقه التاريخي بالقرن السادس الهجري، ثم نقد الرُشديةِ، أو حتى نقضهما وتقويضهما على النحو الذي يسمح بتجاوزهما وتخطيهما، وتقديم رؤية راهنة تكون ابنةً للسياق الحضاري والثقافي الذي نعيش فيه.

وعن السبب الرئيس لإعادة قراءة ابن رشد يقول “صفوت” بت على قناعة أن ابن رشد عانى من التقول عليه مثلما عانى في محنته ونكبته  مع الخليفة المنصور الموحديّ، وكانت الجريرة الجديدة في العصر الحديث بسبب “التنوير” والمحاباة لابن رُشد وليس “الجمود”.

فعندما احتاج التنويريون العرب  إلى آباء يأسسون لهم حداثتهم المنشودة، راحوا يفتشون عن مساند تاريخي لأفكارهم فوقعوا في شرك ليّ عنق الخطابات التاريخية وانتزاعها من سياقها، فصار أبو ذر الغفاري شيوعيًّا ماركسيًّا، وابن خلدون مفسرًا ماديًا للتاريخ، والمُعتزلة عقلانيّةً تقدميّةً تُدافع عن العدالة الاجتماعيّة، وابن رشد عقلانيًا تنويرًا سابقًا لزمانه ومكانه وسياقه التاريخي.

مدحت صفوت

ويردف  “صفوت” لا مانع أن نوجّه نحو الموروث الرُشدي معاولَ الهدم ، أو نستفيد من استراتيجيات التفكيك بالرؤية التي طرحها جاك دريدا.

يلفت “صفوت” إلى  إنه فضّل أدوات جاك دريدا في قراءة ابن رُشد، محاولًا وضع علامات الاستفهام حول خطابه، والأسئلة المشروعة عن تناول الفكر العربي المعاصر حول ابن رُشد والرُشدية، ومدى تعبيره بدقة عن الرؤية الرشدية، وهل أدى إلى إنتاج صورة متخيلة عن أبي الوليد؟

وإذا كانت الإجابة بنعم، لماذا اخترع المفكرون العرب هذه الصورة الرشدية؟ وما الحاجة التي دفعتهم إلى ذلك؟ مستأنسًا في طريق البحث بمقولة “الشبحية” كما بينها جاك دريدا ليكشف عن أشباح سكنت خطاب ابن رُشد وتحكمت في منطلقاته ومساراته ومعطياته، وأحيانًا نقاط الوصول.

وعن سؤالنا حول مدى اختلاف ماقدمه في كتابه  “صوت الغزالي وقرطاس ابن رشد” عن منجز دكتور مراد وهبة  حول ابن رشد، أجاب: الكتاب يقدم  تصورًا مغايرًا، فأستاذ الفلسفة يرى أبا الوليد «فيلسوف العرب»، ربما الأوحد أو الأخير، حامل لواء التنوير، أيقونة التقدم والعقلانيّة التي سبقت مراحل الحداثة وما بعدها منذ القرن السادس الهجري، وهي صورة متخيلة عن ابن رُشد اخترعها بعض الكتاب العرب ومنهم وهبة، ولا تمت لفيلسوف قرطبة بشيءٍ.

ويوضح: إنما ذهبت عبر الاستعانة بمقولة جاك دريدا «الشبحية» إلى أن أبا الوليد صدى صوت للغزالي، وانتهى الأمر بابن رشد كهنوتيًا يحتكر المعرفة ودراسة العلوم على طائفة «أهل البرهان» أي الفلاسفة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock