منوعات

كيف أصبح الحوثيون شيعة؟ (1 – 2)

في 4 ديسمبر، عام 2017 قتل متمردون حوثيون الرئيس اليمني السابق، وحليفهم السابق، على عبدالله صالح. مثل هذا المشهد انقلابا دراماتيكيا في سير الأحداث في اليمن؛ فقد شاركت وحدات من الجيش الوطني الموالية لصالح في القتال إلى جانب الحوثيين في الحرب الأهلية التي تدور رحاها على أرض اليمن على مدى ما يقرب من ثلاث سنوات. لكن صالح انقلب على الحوثيين قبل موته مباشرة، وقام بعقد اتفاقات ومبادرات مع خصومهم في الإدارة اليمنية في المنفى، بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي، وداعميها من ممالك الخليج.

وفي تصريحات إعلامية، في 3 ديسمبر الماضي، اتهم صالح الحوثيين “بالتهور غير المقبول”، وأضاف أنه إذا رفعت المملكة العربية السعودية والإمارات الحصار عن اليمن، “فإننا سوف نطوي هذه الصفحة”. وفي اليوم التالي مباشرة قتل صالح.

التصنيف الخاطئ

في هذا السياق، نشر موقع Middle east Research and Information Project دراسة بعنوان How the Houthis Became Shi’a “كيف أصبح الحوثيون شيعة” للباحثتين أنا جوردون، الباحثة في كلية زانفيل كريجر للفنون والعلوم، وسارة باركينسون، أستاذ مساعد العلوم السياسية والسياسات العالمية في جامعة مينيسوتا. تشتبك الدراسة مع الفكر الزيدي وعلاقته بالفكر الإثنى عشري وتطرح تساؤلات حول طبيعة العلاقة بين المذهبين، ومدى ارتكازها على أسس جيوسياسية، وليس دينية مذهبية.

تؤكد الدراسة من بدايتها أن المشكلة الكبرى الأولى تكمن في أن الحوثيين ليسوا شيعة بالمعنى الحرفي للكلمة؛ “على الأقل ليس بالطريقة التي يفهم بها الناس التشيع المعاصر”. فالزيديون لا يؤمنون – كما هو الحال لدى أغلب الشيعة – بوجوب انتقال الإمامة عبر فرع معين من نسل الإمام علي بن أبي طالب، وهم بذلك يتمايزون عن حوالي 85% من الشيعة في جميع أنحاء العالم، بمن فيهم الغالبية العظمى من الشيعة الإيرانيين والعراقيين وشيعة لبنان الذين يؤمنون بالمذهب الإثنى عشري.

ربما لا يبدو محو أوجه التمييز بين الزيدية والإثنى عشرية – على غرار نعت الأقباط بالروم الكاثوليك – أمرا مهما؛ إلا أن تأثيراته السياسية على الحرب في اليمن عميقة للغاية، لا سيما في ظل تصاعد التحالفات الإقليمية وتطور أهدافها في المنطقة.

وتكمن المشكلة الكبرى الثانية في وضع المذهبين في مربع واحد في أن هذه الوضعية ترسم صورة لروابط “طبيعية” أو “أساسية” بين الحوثيين وإيران. فقد سار الرئيس هادي على نهج سلفه، عبدالله صالح، في تأكيد هذه الروابط. وعلى النهج نفسه سار حلفاؤه في السعودية والإمارات، الذين ينظرون إلى إيران باعتبارها خصم لدود، وذلك منذ اندلاع الثورة عام 1979، وإقامة الجمهورية الإسلامية الإمامية على أنقاض حكم الشاه.

يجد هذا التأطير أيضا مؤيدين متحمسين في الولايات المتحدة الأمريكية وسائر الحكومات الغربية التي كانت تُكن العداء للجمهورية الإسلامية. كما يناسب بصورة كبيرة جماهير وسائل الإعلام العالمية، الذين أصبحوا مهيأين في فترة ما بعد حرب العراق 2003 لأن ينظروا إلى أي صراع في الشرق الأوسط باعتباره تجليا للصراع التاريخي بين السنة والشيعة.

رغم ذلك، ولأسباب عديدة توردها الدراسة، يصبح من الخطأ تصنيف ما يجري في اليمن على أنه صراع بين السنة والشيعة. فالحوثيون ليسوا وكلاء عن إيران، وإنما حركة سياسية محلية تأسست على أرضية المشكلات المزمنة وصراعات القوى على المسرح اليمني. كما أنه لا يمكن وضع كل الزيديين والممارسات الزيدية تحت مظلة واحدة؛ إذ تحفل هذه الطائفة بدرجة كبيرة من التنوع على كافة المستويات، وليس أدل على ذلك من أن عبدالله صالح قد تربى في أحضان الفكر الزيدي. إضافة إلى ذلك، لم تعرف اليمن ثنائية ’السنة‘ و’الشيعة‘ قبل اندلاع الحرب الأهلية في عام 2015 (1).

وقد أكد الصحافي، هيو ماكلويد، عام 2009 أنه على النقيض من الصورة التي يقدمها الغرب، فإن “التشرذم الديني بين المذهبين الإسلاميين الكبيرين لم يعرف طريقه بقوة إلى اليمن”(2)؛ حيث أدرك اليمنيون أنفسهم بالأساس كأتباع للمذهبين الزيدي والشافعي اللذين تجمعهما الكثير من القواسم المشتركة. وفي كتابها Peripheral Visions: Publics, Power and Performance in Yemen، تؤكد ليزا ويدن، الخبيرة في الشأن اليمني، أنه “منذ منتصف القرن العشرين أصبح تجاهل الانتماء المذهبي أمرا معياريا في الحوارات اليومية بين اليمنيين، وذلك بعدما أصبحت الهوية المعاصرة هجينا من مدارس فكرية متنوعة، أو بعدما أصبح الجدل المثار حول الفكر السلفي يهدف إلى تأكيد انقضاء عصر التعاليم المذهبية”(3).

الإستراتيجية السياسية وليس السياسات الدينية

كيف – إذا – أصبح الحوثيون شيعة؟ بدأت هذه العملية بمشروع سياسي ذرائعي، وليس من خلال تمايز مذهبي أو تقارب ثقافي. ففي تسعينيات القرن الماضي، قام الرمز الديني والسياسي الزيدي، حسين بدر الدين الحوثي، وأتباعه (أغلبهم، وليس جميعهم، من الزيديين) بتأسيس حركة “الشباب المؤمن”، كرد فعل على السياسيات التمييزية التي انتهجتها الحكومة المركزية باليمن، والمد السلفي المتصاعد الممول سعوديا في محافظة صعدة، مسقط رأس الحوثيين(4).

بدأت جماعة الشباب المؤمن بتوجيه جهودها نحو التنديد بعبدالله صالح ونظامه الاستبدادي. في الوقت ذاته، دشن السلفيون الذين وصلوا إلى شمال غرب اليمن من المملكة العربية السعودية دعايا وصفت الزيدين بأنهم “بيادق إيران في مؤامرة شيعية عالمية تهدف إلى تمزيق العالم الإسلامي”(5).

وفي عام 2004، في ظل تصاعد التوتر في اليمن جراء الحرب التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية على الإرهاب، وحلول تنظيم القاعدة بأرض الجزيرة العربية، اندلعت الحرب بين الحوثيين ونظام عبدالله صالح. في صيف هذا العام، كان خطاب النظام المناهض للمتمردين عاما إلى حد ما؛ حيث ارتكز على أن الحوثيين يمثلون تيارا عنيفا مناهضا للأمريكيين و”يحرض على الصراع الطائفي وينشر الفكر المنحرف والتطرف الأيديولوجي”(6).

لكن النظام سرعان ما بدأ الترويج بوضوح وعدوانية للرواية الطائفية، متهما الحوثيين بأنهم “شيعة مدعومون إيرانيا”، وهو الخطاب الذي تبنته جميع وسائل الإعلام الناطقة باللغة الإنجليزية رغم عدم توافر أدلة قوية عليه. فقد احتوت جميع المواد الصحفية التي تناولت التمرد الحوثي منذ عام 2008 في صحيفة New York Times على إشارة إلى الدعم الإيراني(7). وبينما استعار الحوثيون بعض الشعارات واللافتات من السياسات الثورية الإيرانية – مثل “الموت لأمريكا، والموت لإسرائيل” – إلا أن هذه الأساليب يجب فهمها كمكونات لاستراتيجية سياسية محلية، وجزء من رد فعل عنيف ضد تعقد العلاقات الأمريكية اليمنية أكثر منه دلالة على أي تقارب ديني أو جيو سياسي بين المذهبين الزيدي والإثنى عشري(8).

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock