دار الكتب

هيلاري كلينتون: ديمقراطيتنا تحت الحصار

مضى ما يقرب من عامين منذ أن فاز دونالد ترامب بما يكفي من أصوات الهيئة الانتخابية ليصبح رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، في اليوم التالي قالت منافسته في الانتخابات الرئاسية عن الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون في خطاب ما بعد الهزيمة: “إننا مدينون له بعقول متفتحة، وبفرصة للقيادة”. ربما راودها الأمل وقتها أن تكون مخاوفها بشأن المستقبل مبالغا فيها؛ لكن يبدو الآن أن هذه المخاوف كانت في محلها.

على مدى 21 شهرا، منذ أداء ترامب اليمين الدستورية، هوى الرئيس الأمريكي إلى قاع سحيق، دونه ذلك القاع الذي رسمه لنفسه إبان حملته الانتخابية. يتجلى ذلك في القسوة الشديدة والأضرار البالغة التي ألحقتها إدارته بعائلات المهاجرين التي حطت على الحدود الأمريكية دون أن يكون بحوزتها أوراق ثبوتية، والتي شملت فصل الأطفال، الذين لم تتجاوز أعمار بعضهم ثمانية أشهر عن والديهم. ووفقا لما نشرته صحيفة The New York Times، تواصل السلطات الأمريكية احتجاز 12800 طفل حتى الآن، برغم الاحتجاجات والأحكام القضائية.

تجلى ذلك أيضا في الإهمال القاتل الذي أبداه الرئيس الأمريكي حيال الكارثة الطبيعية التي حاقت بسكان  بورتوريكو عقب اجتياح إعصار ماريا للجزيرة، والذي أودى بحياة 3000 أمريكي من سكان الجزيرة، فيما ينكر ترامب اليوم حدوث هذه الوفيات جراء العاصفة.

وبرغم لائحة الاتهامات التي صدرت مؤخرا ضد العديد من ضباط المخابرات العسكرية الروسية بالقرصنة على اللجنة الوطنية الديمقراطية في عام 2016، لا يزال ترامب يصف هذا الهجوم الخطير على بلاده بأنه “خدعة”.

“ترامب وأعوانه ماضون قدما في ارتكاب العديد من الأشياء السيئة التي يصعب تتبعها”، هذا ما تخلص إليه هيلاري كلينتون في كتابها What Happened، الذي نشر منتصف هذا الشهر. كلينتون تؤكد أن هذا هو لب القضية: “كل هذه الجرائم تهدف إلى أن تصرف أبصارنا بعيدا عن الكرة؛ والكرة التي أعنيها هي حماية الديمقراطية الأمريكية. كمواطنين أمريكيين، تلك هي قضيتنا الكبرى؛ فديمقراطيتنا اليوم في أزمة حقيقية، ومؤسساتنا الديمقراطية تحت الحصار، وواجبنا أن نقاتل جميعا من أجل استعادتها، وليس لدينا لحظة واحدة لنضيعها”.

في هذا السياق، تحدد كلينتون خمس جبهات رئيسة تتعرض من خلالها الديمقراطية الأمريكية لأعتى حملات التقويض، والوأد التي واجهتها على مدى تاريخها. وتسرد كلينتون هذه الجبهات تفصيلا على النحو التالي:

اعتداء ترامب على سيادة القانون

في تعريفه للجمهورية، كتب جون آدامز: “هي حكم القانون، وليست حكم الشخوص”. يتحقق هذا النموذج عبر مبدأين جوهريين، هما: ’لا أحد – بمن في ذلك القائد الأعلى – سلطة فوق القانون‘، و’جميع المواطنين يستحقون حماية متساوية بموجب القانون‘.

 هذه أفكار كبرى، تجذرت عندما بنى الآباء المؤسسون الولايات المتحدة الأمريكية، ولا تزال حاكمة وحيوية حتى يومنا هذا. “كان الآباء المؤسسون يعرفون أن الحاكم الذي يأبى الانصياع لحكم القانون، أو الذي يسيسه، أو يعطل تنفيذه هو – بكل وضوح وبساطة – ديكتاتور  وطاغية”.

وفقا لكلينتون، هذا النموذج “يشبه ترامب تماما”، وتورد هنا تصريحا أدلى به ترامب إلى صحيفة The New York Times يؤكد فيه: ’أمتلك حقا مطلقا في عمل ما أريده حيال وزارة العدل‘، وهو ما تحقق فعليا في شهر يناير الماضي، عندما أرسل محامو ترامب – وفقا للصحيفة ذاتها – رسالة إلى المحقق الخاص، روبرت مولر، لوضع صيغة مفادها: ’إذا تدخل ترامب في تحقيق ما، فإن هذا لا يعني بحال تعطيل العدالة، لأنه الرئيس‘.

المعنى نفسه أكدته أيضا صحيفة The Times التي كشفت أن ترامب أخبر معاونيه في البيت الأبيض أنه كان يتوقع أن يقوم النائب العام، جيف سيشنز، بحمايته، بغض النظر عن القانون. وبحسب جيم كومي، فقد طالب الرئيس بأن يتعهد مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي بالولاء لشخص ترامب، وليس للدستور. كما حث ترامب وزارة العدل على ملاحقة خصومه السياسيين، بما يخالف التقاليد والمبادئ الأمريكية التي تضرب بجذورها إلى عهد توماس جيفرسون. كان بإمكان جيفرسون في أعقاب انتخابات عام 1800 المثيرة للجدل، أن يحشد الرأي العام ضد ’جون آدامز المتعجرف‘، وأن يحاول سجن أنصاره ومؤيديه؛ لكن جيفرسون – بدلا من ذلك – استخدم خطابه التنصيبي ليعلن: ’إننا جميعا جمهوريون، وإننا جميعا فيدراليون‘”.

شرعية الانتخابات محل شك

تؤكد كلينتون: “يوجد تدخل مستمر من قبل روسيا، يقابله عزوف كامل من قبل ترامب عن حمايتنا، ويوجد قمع للناخبين ؛ حيث يضع الجمهوريون شروطا مرهقة – وأعتقد أنها غير قانونية – لمنع الناس من التصويت”. وتلفت إلى عملية التلاعب في تقسيم الدوائر الانتخابية، التي تجري هذه الأيام قبيل الانتخابات النصفية المزمع إجراؤها في نوفمبر القادم، من قبل بعض الحزبيين، خاصة الجمهوريين، من أجل ضمان فوز حزبهم، ما يمثل انتهاكا صارخا لمبدأ “شخص واحد يساوي صوتا واحدا”.

حرب ضروس على الحقيقة والمنطق

في وقت مبكر من هذا الشهر، أصدر ترامب 125 تصريحا مضللا، أو خاطئا، على مدى 120دقيقة، وفقا لما أوردته صحيفة The Washington Post، وهو ما يمثل رقما قياسيا له، (على الأقل منذ أن أصبح رئيسا).  وحتى الآن، قام ترامب – وفقا لمدققي الحقائق في الصحيفة – بتقديم 5 آلاف دعوى كاذبة أو مضللة أثناء وجوده في منصبه، وبلغ متوسط هذه الدعاوى مؤخرا 32 دعوى يوميا.

وتلفت كلينتون إلى تكثيف ترامب لعمليات الملاحقة التي يقوم بها ضد الصحفيين في الآونة الأخيرة قياسا على ما كان يفعله من قبل: “لا أحد يحب أن يُشهر به في الصحف – وأنا من بين هؤلاء بالتأكيد – لكن عندما تكون موظفا عاما، فإن هذا يكون جزءا من طبيعة عملك؛ فتتعرض للنقد الكثير واللاذع، وتتعلم أن تتقبل الأمر بصدر رحب، وتنافح عن نفسك، وتعرض حيثياتك، لكن، في كل الأحوال، لا تدفع هذا باستغلال نفوذك، أو بتدمير مبدأ حرية الصحافة”.

المفارقة هنا أن ترامب لا يعمد إلى إخفاء نواياه على الإطلاق، فقد سألت ليزلي ستال، المقدمة في برنامج 60 Minutes، ترامب أثناء حملته الانتخابية عن سبب هجومه المستمر على الصحافة، فأجابها: “أفعل ذلك من أجل تشويه سمعتكم، وإهانتكم جميعا، حتى إذا ما اقدمتم على كتابة قصص سلبية عني لا تجدون من يصدقكم”.

في هذا السياق تلفت كلينتون: “عندما نفقد الثقة فيما نسمعه من زعمائنا وخبرائنا ومصادرنا الأخبارية، فإننا نفقد قدرتنا على المحاسبة، وحل المشكلات وإدراك المخاطر والتهديدات، وتقييم ما نحققه من تقدم، والتواصل الفعال مع بعضنا البعض.. وجميعها أمور حاسمة من أجل بناء ديمقراطية فاعلة”.

فساد مروع

قطعت إدارة ترامب على نفسها وعدا باستئصال شأفة الفساد، لذا يبدو مدهشا أن ينزلق الرئيس ومعاونيه بهذه الصورة في مستنقع صراع المصالح واستغلال السلطة والانتهاك الفاضح لقواعد الأخلاق المهنية. فترامب هو أول رئيس للولايات المتحدة منذ 40 عاما يرفض الكشف عن إقراراته الضريبية، كما رفض أن تدار أصوله من قبل ممثل حكومي، أو أن يتجرد من ممتلكاته وأعماله على غرار الرؤساء السابقين.

أدى هذا – وفقا لكلينتون – إلى نشوب صراعات مصالح غير مسبوقة بسبب تهافت جماعات الضغط في قطاع الصناعة، والحكومات الأجنبية، والمؤسسات التابعة للحزب الجمهوري على الدخول في علاقات تجارية مع الشركات التي يمتلكها ترامب، أو إقامة فعاليات مربحة في فنادقه، أو في ملاعب الجولف التي يمتلكها، أوغير ذلك من ممتلكاته العقارية الخاصة. “إنهم يضعون أموالهم في خزائنه الخاصة مباشرة، وهو ما يجعل منصبه كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية مجرد مشروع تجاري يدر عليه أرباحا طائلة”.

لا يدعي ترامب أنه يمنح الأولوية للصالح العام على مصالحه الشخصية أو السياسية، ويبدو أنه لا يفهم أن دور الموظفين العموميين هو خدمة الجمهور، وليس العكس. “لقد آمن الأباء المؤسسون بأن وجود قوانين حاسمة ومؤسسات قوية ودستور عادل لا يكفي لنجاح الجمهورية؛ وإنما كانت الفضيلة الجمهورية ذات الطابع المدني هي ’الخلطة السرية‘ التي تدفع المنظومة بأكملها إلى العمل بكفاءة، لكن ترامب هو أبعد رئيس جمهوري عرفته الولايات المتحدة الأمريكية عن هذا”.

تقويض الوحدة الوطنية

الديمقراطيات صاخبة بطبيعتها. “إننا نتناقش بحرية، ونختلف بشدة، وهو ما يمثل جزءا مما يميزنا عن المجتمعات السلطوية حيث يُحظر الاختلاف وتكمم الأفواه”. وبحسب الرئيس أبراهام لنكولن “إننا مشدودون إلى بعضنا البعض بروابط عاطفية عميقة، وبإيماننا المشترك بأن بوتقتنا الفسيفسائية تتمخض عن كلٍ موحد يفوق في قوته مجموع أجزائنا”.

على الأقل، هكذا من المفترض أن تدار الدول وتزدهر الديمقراطيات، لكن ترامب بحسب كلينتون، لا يحاول حتى أن يتظاهر بأنه رئيس لكل الأمريكيين، ومن الصعب أن نتغافل عن التلميحات والمضامين العنصرية في كل ما يقول، وفي أغلب الأحوال يتجاوز الأمر حدود التلميح الدلالي والمضمون الخفي إلى التصريح الصادم والمجاهرة الفجة، مثل قوله بأن المهاجرين الهايتيين والأفارقة ينتمون إلى “بلاد قذرة”، أو أن أحد القضاة الأمريكيين لا يمكن الوثوق فيه لأنه من أصول مكسيكية.

وتضيف كلينتون أنها لا تعرف إذا كان ترامب يتجاهل معاناة مواطني بورتوريكو لأنه لا ينظر إليهم باعتبارهم مواطنين أمريكيين، أو لأنه يفترض أن ذوي البشرة البنية والأسماء الأخيرة اللاتينية ليسوا من مؤيديه، أو فقط لأنه لا يمتلك القدرة على التعاطف. كما أنها لا تعرف إذا كان ترامب قد أصدرحكما مشابها على لاعبي كرة القدم الأمريكية عندما هاجمهم بضراوة لاعتراضهم على ممارسات إدارته العنصرية الممنهجة، أو عندما فشل في إدانة جرئم الكراهية التي ترتكب ضد المسلمين.

وتضيف: “لكنني أعرف جيدا أنه متحمس جدا في امتداح ’شعبه‘ وفي الدفاع عنهم، مثلما حدث عندما بذل جهودا مضنية للدفاغ عن ’الأشخاص اللطفاء‘ من القوميين البيض في مدينة تشارلوتيسفيل، فرجينيا”. الرسالة التي يصدرها ترامب من خلال عدم اكتراثه أو إهانته لبعض الإمريكيين لا يمكن أن يخطئها عقل، “إنه يقول إن بعضنا لا ينتمي إلينا، وإن جميع الناس لم يخلقوا متساويين، وإن الله لم يمنح البعض حقوقا غير قابلة للتصرف على غرار الآخرين”.

لا يتعلق الأمر فقط بما يقوله ترامب. فقد عكفت إدارته منذ اليوم الأول على تقويض الحقوق المدنية التي ناضلت من أجلها أجيال غابرة، وصدرت مراسيم رفيعة المستوى تقضي – على سبيل المثال لا الحصر – بحظر سفر المسلمين، ومنع الأمريكيين المتحولين جنسيا من الخدمة في جيش بلادهم. إلى جانب ذلك، كان هناك إجراءات أخرى أكثر هدوءا لكنها لا تقل خبثا وضراوة، فقد تخلت وزارة العدل إلى حد كبير عن الإشراف على إدارات الشرطة الضالعة على مدى التاريخ الأمريكي في انتهاك الحقوق المدنية، وتبنت موفقا مغايرا في قضايا حقوق التصويت، كما قامت جميع الوكالات الفيدرالية بتقليص إنفاذ أشكال حماية الحقوق المدنية. وفي أثناء ذلك تعيث دائرة الهجرة والجمارك في طول البلاد وعرضها، ويتصدى العملاء الفيدراليون للمواطنين لمجرد أنهم يتحدثون باللغة الإسبانية؛ مما يؤدي إلى التفريق بين الوالدين وأطفالهم.

كيف وصلت الولايات المتحدة إلى ترامب؟

يُكن ترامب عداوة ضارية لسيادة القانون والأخلاقيات المهنية الخاصة بمجال الخدمة العامة وحرية الصحافة، لكن الهجوم على الديمقراطية الأمريكية – وفقا لكلينتون – لم يبدأ بانتخابه، إنه يمثل عرضا بقدر ما يمثل سببا فيما يشتكيه الجسد السياسي الأمريكي من أوجاع. هذا ما تؤكده كلينتون في عبارات قاطعة: “فلنفكر في جسدنا السياسي كجسد بشري، بضوابطنا وتوازناتنا الدستورية، وبمعاييرنا ومؤسساتنا الديمقراطية، وبمواطنتنا المستنيرة، وجميعها تعمل كجهاز مناعي لحمايتنا من مرض السلطوية. على مدى سنوات طوال ضعفت دفاعاتنا بسبب حفنة من المليارديرات، من شاكلة عائلة ميرسر وتشارلز وديفيد كوك، الذين أنفقوا وقتا وأموالا طائلة لبناء واقع بديل يتنحى فيه العلم، وترتدي فيه الضلالات والأكاذيب ثوب الحقيقة، وتزدهر البارانويا. وعن طريق تقويض الإطار الواقعي المشترك الذي يسمح لشعب حر بالتفكير مليا لاتخاذ قرارات مهمة تتعلق بالحكم الذاتي، فتح هؤلاء الطريق أمام عدوى الدعايا الروسية وأكاذيب ترامب من أجل السيطرة على مفاصل الدولة وتوطيد سلطتهم، واستخدموا أموالهم ونفوذهم للاستيلاء على منظومتنا السياسية، وفرض أجندة يمينية، وحرمان ملايين الأمريكيين من حقوقهم المشروعة”.

وتعبر كلينتون عن اختلافها الكامل مع المنتقدين للرأسمالية باعتبارها لاتتواءم بالأساس مع الديمقراطية ( لا ينطبق هذا على الرأسمالية المتوحشة التي لا تخضع لقوانين). وتبرر ذلك بأن عدم المساواة الاقتصادية وقوة احتكار الشركات هي ممارسات غير ديمقراطية وتدمر الحياة الأمريكية.

عمليات الاستقطاب السياسي الحاد باتت تتجاوز الآن الفضاء السياسي إلى كل جزء من الثقافة الأمريكية، وحسب ما أوردته دراسة حديثة: “في عام 1960 قال 5% فقط من الجمهوريين و4%من الديمقراطيين إنهم سيكونون غير راضين إذ تزوج ابنهم أو ابنتهم من عضو في الحزب السياسي الآخر. وفي عام 2010 قال 49% من الجمهوريين و33% من الديمقراطيين إن هذا سيزعجهم كثيرا”.

وتؤكد كلينتون أن قوة الهوية الحزبية (والعداوة) تساعد كثيرا في تفسير أسباب استمرار كثير من الجمهوريين في دعم رئيس يجر على بلادهم وشعبهم الويلات، وتتناقض ممارساته مع كثير من القيم والسياسات التي كانوا يؤمنون بها ويثمنونها يوما ما. “عندما ترى السياسة كمعادلة صفرية وترى أعضاء الحزب الآخر كحفنة من الخونة والمجرمين، فاعلم أن اللعبة السياسية التي تقوم على تداول السلطة وتبادل الأدوار قد تحولت إلى لعبة دموية”.

لكن هذه المشكلة – من وجهة نظر كلينتون – ليست من قبيل المشكلات السيمترية التي يمكن أن تواجه الديمقراطيات؛ “فراديكالية الحزب الجمهوري المتزايدة، وعدم تقديره للمسئولية الوطنية، اللذان تجليا عبر عقود من تحقير الحكومات، وشيطنة الديمقراطيين، والحط من قيمة المعايير، هي ما أتت بترامب إلى سدة الحكم الأمريكي. وسواء كانت الممارسة السياسية للجمهوريين تعتمد على استغلال الثرثرة البرلمانية وسرقة مقعد في المحكمة العليا، أو إعادة توزيع الدوائر الانتخابية الخاصة بالكونجرس وفقا لمصالحهم الانتخابية من أجل مصادرة حقوق الأفرو أمريكيين، أو تكميم أفواه علماء المناخ الحكوميين، فقد كان الجمهوريون يقوضون الديمقراطية الأمريكية قبل أن يقوض ترامب المكتب البيضاوي”.

رهان كلينتون

تراهن كلينتون على الانتخابات النصفية القادمة المزمع إجراؤها في بداية نوفمبر المقبل، وترى أنها تمثل فرصة مواتية لحشد جماهيري غير مسبوق من أجل تصحيح المسار السياسي، حيث يخوض هذا المعترك الانتخابي في كافة أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية مرشحون مرموقون لا يألون جهدا في طرح برامج تهدف إلى زيادة الأجور، وخفض تكاليف الرعاية الصحية، وتحقيق العدالة. وتؤكد كلينتون أنه إذا فاز هؤلاء، فإنهم سيحققون الكثير لأمريكا، وسيرى الأمريكيون بعد انتظار طال أمده إشراف حقيقي من الكونجرس على البيت الأبيض.

“عندما يعلو الغبار في منازلنا، يتعين علينا النهوض لتنظيفها؛ هذا ما فعله الكونجرس في أعقاب فضيحة ’ووترجيت‘، عندما أقر حزمة من الإصلاحات ردا على ما قام به نيكسون من استغلال للسلطة. وبعد ترامب، سنكون بحاجة إلى عمل مماثل”. على سبيل المثال، يجب أن يتعلم الأمريكيون من فساد ترامب ضرورة مطالبة كافة المرشحين المستقبليين للرئاسة، والرؤساء أنفسهم بالكشف عن إقراراتهم الضريبية بموجب القانون، كما يجب عدم إعفائهم من متطلبات الأخلاق المهنية، وقواعد صراع المصالح.

وترى كلينتون أن حماية الانتخابات وتطويرها على كافة المستويات تمثل ركنا ركينا في عملية الإصلاح. “لقد أعدت لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ سلسلة من التوصيات التي اتفق عليها الحزبان بشأن كيفية تأمين أنظمة التصويت على نحو أفضل، بما في ذلك النسخ الاحتياطي لبطاقات الاقتراع الورقية، وتدقيق عمليات فرز الأصوات، وزيادة التنسيق بين السلطات الفيدرالية والولاتية والمحلية بشأن الأمن الإلكتروني”.

وتضيف: “كما يجب على الكونجرس إصلاح ما أفسدته المحكمة العليا في قانون حقوق التصويت، وذلك عن طريق استعادة كافة أشكال الحماية التي يحتاج إليها المصوتون، والتي يستحقونها، وحقوق التصويت للأمريكيين الذي قضوا فترات عقوبة بين جدران السجون، فسددوا بذلك ديونهم تجاه المجتمع”.

وتؤكد كلينتون أن العملية الانتخابية لا تزال بحاجة إلى التصويت المبكر والتصويت عبر البريد الإلكتروني في جميع الولايات الأمريكية، إضافة إلى التسجيل التلقائي للناخبين في جميع أنحاء العالم حتى يتمكن كل من له حق التصويت من أداء هذا الحق. إضافة إلى ذلك، يجب أن تتخلص الولايات المتحدة من منظمة Citizens United التي أقرتها المحكمة العليا في عام 2010. والمذهل حقا هو أن كلينتون ترى أن الوقت قد حان لإلغاء الهيئة الانتخابية ذاتها.

وتشدد كلينتون على أن أحكم القواعد وأشد الضوابط لن تكون كافية لحماية الشعب الأمريكي ما لم يجد لنفسه وسيلة لرتق نسيجه الاجتماعي المهترئ وإذكاء روحه المدنية الخابية. من أجل ذلك تقترح كلينتون حزمة من الحلول العملية، مثل توسيع نطاق برامج الخدمة الوطنية وإعادة التثقيف المدني والتربية الوطنية إلى المدارس، وإجراء إصلاحات اقتصادية منهجية تحد من عدم المساواة وتغل يد السلطة المطلقة للشركات، وتدعم الأسر العاملة.

في النهاية – وفقا لكلينتون – سيعود التئام الجرح الأمريكي بالرفاهية على كل الأمريكيين الذين يحاولون رأب الصدع الإثني والطبقي والسياسي، والذين يرون بعيون الآخرين الذين يختلفون عنهم تمام الاختلاف. “عندما نفكر في السياسة ونقيم أداء الزعماء لا ينبغي أن يكون السؤال: ’هل أنا أفضل حالا اليوم من أربع سنوات مضت؟‘، وإنما: ’هل نحن أفضل حالا وأشد قوة وأكثر عدلا؟‘؛ فالديمقراطية لا تعمل إلا عندما نتشارك جميعا هذا الشعور”.

في عام 1787، وفي أعقاب المؤتمر الدستوري في فيلادلفيا، أوقفت امرأة بنجامين فرانكلين في الشارع خارج قاعة الاستقلال، وسألته: “حسنا، يا دكتور، ماذا لدينا.. جمهورية أم ملكية؟”، فأجابها: “جمهورية، إذا كان بمقدورك المحافظة عليها”. تقول كلينتون: “لطالما طرقت ذهني هذه الإجابة مؤخرا، كم هي هشة تلك التجربة التي خضناها في الحكم الذاتي، عندما ننظر إليها في ضوء تيار التاريخ البشري المتدفق، نجدها مجرد ومضة عابرة في أفق الزمان.

وهنا تخلص كلينتون إلى ما تراه مفتاح عبور الأمريكيين من هذا المأزق: الديمقراطية هي حقنا الأصيل كأمريكيين، لكنها ليست حقا مسلما به يُؤدى إلينا عن طيب خاطر، إنما يتعين على كل جيل أن يقاتل من أجله، وأن يدفع بنا خطوة صوب هذا الاتحاد الأكثر كمالا. لقد استدار الزمان دورته، وآن أوان الكفاح من جديد”.

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock