منوعات

«حسد السوشيال ميديا».. هل من سبيل للإفلات منه؟

خلقت وسائل التواصل الاجتماعي عالمًا وهميًا، يبدو فيه الجميع – ما عدا أنت- سعداء، تتصفح “فيسبوك” فيطالعك منشور لأحد الأصدقاء يزف فيه خبر حصول على منحة دراسية في دولة أجنبية، فتشعر بالإحباط وكأن أحدهم لكمك للتو في معدتك، على الرغم من إنك لم تسع أبدًا للحصول على منحة من قبل، كما أن السفر للخارج ليس أحد طموحاتك، لكن الأمر يبدو رائعًا حقًا الآن بعد ما رأيت كل تلك التعليقات الإيجابية، مع رسوخ الاعتقاد داخلك أن صديقك ليس أفضل منك في شيء، دون أن تأخذ في الاعتبار حجم معاناته في سبيل استكمال دراسته.

صحيفة “الجارديان” البريطانية نشرت تقريرا مثيرا يسعى لاستكشاف ما طرأ من تغيرات على أسلوب الحياة في زمن السوشيال ميديا، ويحاول أن يقدم النصح حول سبل بلوغ الرضا والسعادة.

التقرير يكشف كيف فتحت مواقع مثل “فيسبوك”، “إنستجرام”، “سناب شات” وغيرها، أبواب الحسد على مصراعيها، وبدلًا من مقارنات الماضي المحدودة ما بين الجيران والأصدقاء، أصبحت المقارنات الآن عالمية، ما بات يشكل ضغوطا نفسية غير مسبوقة على الناس، وزيادة ملحوظة في أعداد من يذهبون طلبًا للاستشارات النفسية لشعورهم بالإحباط من رؤية آخرين يعيشون أسلوب الحياة الذي يتمنونه ولا يمكنهم تحقيقه.

مقارنات ظالمة

وتقول الطبيبة النفسية “رايتشل أندرو” إنه بفضل الإقبال غير المسبوق من الجميع على مواقع التواصل الاجتماعي، أصبحت المقارنات بين الجميع شائعة، يكاد لا يسلم منها أحد مهما كان موقعه، وغالبًا ما تكون مقارنات غير واقعية.

يحسد الناس بعضهم البعض على وظائفهم، أطفالهم، أجازاتهم، شكل أجسادهم وحتى الطعام الذي يأكلونه، كل شيء الآن مصدر مقارنة، وعلى الرغم من أننا نعرف دون شك أن الناس ينشرون أفضل صورهم بعد إضافة مؤثرات ومحسنات لها، وأن حياتهم ليست بهذه المثالية، إلا أن إغراء تفحص هواتفنا على مدار اليوم بداية من استيقاظنا وحتى نومنا، يجعلنا على المستوى العاطفي نشعر بالإحباط، خاصة عندما نرى الآخرين يمتلكون شيئًا لطالما حلمنا بالحصول عليه.

تكمن مشكلة الحسد في تعريفه، فهو لا يعني فقط الرغبة في الحصول على ما عند الغير، وإنما تمني زوال نعمته، ما يولد في نفس الحاسد أحاسيس عميقة من الكراهية قد تفضي في النهاية إلى إيذاء الآخرين. ووفقًا للطبيبة النفسية “باتريشيا بوليدري” فإن الحسد ليس شعورًا فطريًا، وإنما يتولد عند تعرض الأشخاص للحرمان في مراحل مبكرة من طفولتهم، أو عندما يكون هناك مشاكل متعلقة بتقدير الذات.

الخاملون والنشطون

صمم “إيثان كروس” أستاذ علم النفس بجامعة ميتشيغان دراسة لمعرفة العلاقة ما بين الاستخدام الخامل لموقع “فيسبوك” بمعنى التصفح فقط دون كتابة شيء، والاستخدام النشط بمشاركة الأفكار والصور الشخصية وخلافه، فوجد أنه كلما أمضى الناس أوقات أكبر في التصفح، كلما زادت مشاعر الحسد لديهم، مما يؤثر على مزاجهم وكيف يشعرون تجاه أنفسهم.

وعلى الرغم من أن الاستخدام الخامل هو الأكثر شيوعًا بين الناس، والأكثر ضررًا أيضًا، إلا أن الاستخدام النشط لم يخل من الأضرار، حيث أن الناس التي تنشر أخبارها، تستقي بمرور الوقت تقديرها لذاتها من عدد ما يحصلون عليه من إعجاب وتعليقات ومشاركات، فيما يفقدون خصوصيتهم وتصبح حياتهم مباحة للجميع، ما يعرضهم لأن يكونوا موضع حسد من الآخرين.

وفقًا للطبيبة “أندرو” لا يوجد فئة عمرية أو اجتماعية محصنة من الحسد، حيث ترى في غرفة استشاراتها فتيات مهتمات بمظهرهن، يبدأن في متابعة بعض الحسابات على “انستجرام” لمعرفة أحدث صيحات الشعر وتقنيات وضع مساحيق التجميل، وينتهي بهن الأمر بحسد صاحبات تلك الحسابات، وشعورهن بالسوء تجاه أنفسهن، ولا يفرق الأمر كثيرًا بالنسبة لرجال وسيدات الأعمال الأكبر سنًا، الذين يتابعون الناجحين على “تويتر” لأخذ النصائح، فينتهي بهم الأمر وهم غارقون في الاحباط لشعورهم بأنهم أقل نجاحًا.

الحسد الذاتي

وترصد عالمة النفس “شيري توركل” أنه مع الوقت يصبح لدى الناس مشاعر أخطر من حسد الآخرين حيث يحسدون أنفسهم، ينظر الناس إلى الحياة المثالية التي خلقوها لأنفسهم على مختلف المواقع، ويشعرون بأنهم لا يرقون إلى مستوى الحياة التي يحكوا للآخرين عنها: “نريد هذا الجسم الرائع الذي نشرناه، وليس ذلك الذي يشعر بالتعب والألم صباحًا، نرغب أن نرى أنفسنا في المرآة بنفس شكلنا بمساحيق التجميل، دون تلك البثور والهالات السوداء المزعجة، مما يجعلنا ننفصل عن ذواتنا، و يولد لدينا حسدًا ذاتيًا، فنتمنى أن تكون حياتنا الواقعية بنفس مستوى تلك الافتراضية”.

يرى المعالج السلوكي والإدراكي “ويندي درايدن” أن التعامل مع مشاعر الحسد يكون من خلال إدراكنا أنه من الطبيعي أن يمتلك الآخرين أشياء تنقصنا والعكس، وأن عدم امتلاكنا لها لا يجعلنا أقل قيمة كأشخاص، وأننا قادرون على أن نحيا دونها، كما يرى أننا يمكننا استغلال تلك المشاعر السلبية بشكل إيجابي، فإذا رأيت أحدهم يمتلك شيئًا ترغب فيه بشدة، يمكنك أن تضع خطة وتبدأ في العمل للحصول عليه أيضًا، فبدلًا من تمني زوال نعمة الآخرين، يمكن أن توجهنا تلك المشاعر للطريق الذي نرغب في السير فيه في الحياة.

هذه المادة مترجمة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock