منوعات

مراجعات شباب الإخوان في السجون.. شهادة «عماد علي»

على غرار المراجعات الفكرية السابقة التي أجرتها قيادات الجماعة الإسلامية في السجون عام 1997 وانتهت إلى إعلان تخليها عن العنف والعمل المسلح والتوبة عن كل ما ارتكبت من جرائم في حق الشعب المصري، شهدت السجون المصرية مؤخرا مراجعات جديدة أبطالها من شباب الإخوان الذين جرى حبسهم على خلفية الضلوع في تأييد جماعة إرهابية عقب الإطاحة بحكم الإخوان في منتصف عام 2013، وما تبعه من تداعيات. 

وفي محاولة لتحري ما وصلت إليه هذه المراجعات، ومن هم شخوصها، والأجواء التي أحاطت بها، وهل ثمة أمل يرجى منها، كان لنا هذا الحوار مع “عماد علي” أحد العناصر الفاعلة في هذه المراجعات، والذي تم إطلاق سراحه مؤخرا بعد حصوله على حكم بالبراءة في قضية التظاهر المتهم فيها، وتعود علاقة عماد بالإخوان إلى مرحلة الدراسة الجامعية، عبر مشاركته النشطة في العديد من أقسامها، ومن أبرزها أقسام الطلاب والتربية، ثم اضطلاعه بدور بارز في لجنة الشباب بحزب الحرية والعدالة، الواجهة السياسية للجماعة فيما بعد.

عماد علي

وهنا نص الحوار:

حدثنا عن كواليس المراجعات الفكرية لشباب الإخوان في السجون؟

نحن كنا كأعضاء في جماعة الإخوان كنا مقتنعين بفكرها منفذين لسياستها حتى تكشفت لنا متأخرا الكثير من الأمور التي كانت خافية عنا، وكشفتها ملابسات سقوط حكم الجماعة في الثالث من يوليو 2013، وما أعقبها من تداعيات اهتز معها الكثير من القناعات الراسخة لدى العديد من شباب الجماعة جراء فشل قادتها في إدارة المشهد منذ بداية الأحداث.

في السجن كانت الفرصة أكبر لإعادة قراءة المشهد والاطلاع على كتابات وأفكار لم نتطرق لها من قبل، ولم تقنعنا تفسيرات الجماعة بشأن ما وقع، بمحاولة تصويره باعتباره صراعا بين الحق والباطل وابتلاءٌ لابد منه لأصحاب الدعوات، وغيرها من التأويلات التي اعتادت الجماعة ترويجها لإظهارها في ثوب المظلوم جراء دفاعه عن الدين وصاحب الحق الذي لا يخطئ أبدًا، وهو ما لم يلق قبولا من شباب الإخوان في السجون.

فترة السجن أتاحت لنا فرصة التأمل والتدارس في مشوارنا مع الجماعة، ما أتاح لنا النفاذ إلى عيوب كبيرة وجذرية داخل الجماعة تسببت بشكل أساسي في التدهور الذي وصلت إليه، ومع المزيد من المناقشات والقراءة وإعادة التفكير انتهى عدد كبير منا إلى أن ما وقع لا يمكن إرجاعه فقط إلى خلل في الممارسات السياسية أوالجوانب الإدارية للجماعة ولكنه يكمن بالأساس في الأفكار الكبرى المؤسسة للجماعة ومشروعها، الذي بات بحاجة ماسة إلى التفكيك وإعادة الصياغة.

كم عدد المنضمين للمراجعات؟

هذه المراجعات ضمت ثلاث شرائح: 

الأولى: فريق البحث، وهم عكفوا على البحث عن أسباب الخلل التي أدت إلى ما وصل إليه الإخوان، وذلك عبر تقييم أداء ومواقف الإخوان السياسية ومراجعة الأفكار الرئيسية التي تقوم عليها الجماعة والاطلاع على وجهات نظر أخرى لمفكرين فندوا أفكار البنا بشكل موضوعي.

والثانية : مجموعة الشباب التي راجعت ما تم الانتهاء إليه من أفكار واستوعبتها جيدًا.

والثالثة : رأي عام مساند يرى أن ما حدث كان بسبب أخطاء الإخوان بشكل رئيسي، ونستطيع أن نقول أن نسبة المقتنعين بالمراجعات بشكل إجمالي يمثل نحو 20 بالمائة من إجمالي شباب الجماعة في السجون.

ومن أشهر قادة هذه المراجعات؟

عدد كبير من الشباب خاضوا هذه المراجعات، وكان لهم دور أساسي في ما تم التوصل إليه من خلاصات، كنت أحدهم إلى جانب آخرين مثل عمرو عبد الحافظ، وأحمد حميدة، وحمزة محسن، وغيرنا كثير من شباب الإخوان الذي قرر أن يفكر.

هل جاءت هذه المراجعات جراء ضغوط أمنية؟

بالعكس هذه المراجعات تمت بشكل ذاتي مائة بالمائة وبناءً على قناعات جاءت بعد رحلة بحث وتفكير.

ما أبرز ملامح هذه المراجعات؟ 

كما ذكرت أن المراجعات لم تتوقف عند حد المواقف والممارسات السياسية للجماعة ولكنها قفزت إلى الأفكار والقناعات الراسخة والحاكمة التي تنطلق منها تلك المواقف والممارسات، وبالتالي فمراجعاتنا شملت الجماعة من عدة جوانب؛ من حيث بعض المفاهيم الخاطئة أولًا مثل مفهوم الجماعة عن الدولة ومبدأ التمكين، ومن حيث هدفها الرئيسي المتمثل في استعادة الخلافة، ومنهجية التغيير التي وضعها البنا، وشكل الجماعة ذي الطابع الشمولي الذي أثبت عدم جدواه، بل وتسببه في الكثير من الأزمات والصدامات.

ما الكتب التي ساعدتكم على تغيير فكركم في الإخوان ؟

أبرز المفكرين الذين كانت كتبهم الركيزة الأساسية لهذه المراجعات هم: د. جاسم سلطان وكتابه “أزمة التنظيمات الإسلامية.. الإخوان نموذجًا”، ود. سعد الدين العثماني بكتاباته العديدة مثل “الدولة الإسلامية .. المفهوم والإمكان”، “التصرفات النبوية السياسية”، “الدين والسياسة.. تمييز لا فصل”، ود. خالص جلبي وكتابه “ضرورة النقد الذاتي للحركات الإسلامية”، ود. أسامة الأزهري وكتابه “الحق المبين في الرد على من تلاعب بالدين”، وغيرهم من المفكرين.

ما خلاصة المراجعات؟

أبرز نتائج المراجعات أن الجماعة لا تحتاج إلى الإصلاح بقدر ما تستوجب التفكيك، فالإصلاح يفيد مع بناء يقوم على أسس سليمة، لكن إذا كان الأساس الذي تقوم عليه الجماعة نفسه والمتمثل في أهداف كبرى غير واقعية وتصورات خاطئة ومنهج صدامي وهيكل تنظيمي يخلق أفراد منعزلين عن مجتمعهم، تابعين دون وعي لقيادات تحركهم كدمى في أيديهم، متعصبين لرأي جماعتهم إلى أبعد حد؛ حينئذٍ تكون مثل هذه التنظيمات عبئًا على المجتمع وعلى الدين ذاته، وبالتالي تظل جزءً أساسيًا من المشكلة لا جزء من الحل، وهنا يتعين البحث عن صيغة بديلة تكون سببًا في نهضة المجتمع والأمة لا في عثرتها.

كيف كان رأي الجماعة في المراجعات؟ وهل عرفها بها المرشد؟

الجماعة لا تتقبل النقد بكل أشكاله ومصادره، فهي ترى نفسها دائمًا صاحبة الحق المطلق، وبالتالي جاء رد فعلها على تلك المراجعات عنيفًا، وسعت لمحاربة المجموعة القائمة عليها بكل الوسائل ، بمحاولة الاحتواء أحيانًا وبالتهديد أحيانًا وأخيرًا بالاعتداء اللفظي والبدني والتشويه المعنوي، وقد أحدثت المراجعات زخمًا كبيرًا داخل السجن ووصل صداها إلى سجون أخرى ولاقت استحسانا واسعا بين العديد من الأفراد الذين أبدوا تشجيعهم ودعمهم لها، لكن لا أدري إلى أي مستوى قيادي وصلت أخبارها.

هل خرجت من السجن بسبب هذه المراجعات؟

أنا خرجت بناءً على حكم قضائي بالبراءة، ولا يزال العديد من فريق المراجعات داخل السجن.

كيف ترى الجماعة الآن بعد انشقاقك عنها؟ 

الجماعة في أصعب فترات حياتها، وهذه الأزمة التي تعيشها هي الأصعب على الاطلاق، يرجع ذلك إلى أسباب عديدة منها أنها تأتي بعد فشل الجماعة في تجربة الحكم بعد وصولها إليه، ما أدى إلى فقدان الثقة في مشروعها وأهدافها التي ظلت تروج لها على مدار 90 عامًا.

كذلك فإن الأزمة الداخلية التي تحياها الجماعة تسببت في إضعافها بدرجة كبيرة، وزاد من ذلك ممارسات الجماعة وردود فعلها في الخمس سنوات الأخيرة عقب خروجهم من الحكم، والتي اتسمت بغياب الرؤية وعدم العقلانية وعدم المسئولية، ما أفقدها الكثير من أنصارها وأدخلها في واقع مضطرب ومستقبل شديد الغموض. بالتأكيد لن تعود الجماعة كما كانت، ربما تحافظ بالكاد على وجود رمزي دون فاعلية أو تأثير، فأسباب فشلها ذاتية، ولذا تكرر الفشل أكثر من مرة، وأرى أن الجماعة انتهى دورها إلى هذا الحد .

كيف يرى شباب الإخوان في السجون جماعتهم حاليا؟

الإخوان في حالة يرثى لها حقًا، فهناك شباب وجد نفسه مرة واحدة في أتون صراع لا يعرف لماذا دخل فيه ولا كيف سيخرج منه، تتراقص أمام عقله أسئلة كثيرة لا يجد لها إجابات، ثم يسمع كلام قيادات دأبت على تخدير قول أتباعها بخطاب عاطفي قائم على إدعاء الكمال واتهام الجميع بالتآمر عليها، وأن ما تعانيه هو نتيجة حتمية لصراع الباطل أمام الحق الذي تمثله، لكن هذا الخطاب بات محل أسئلة وشكوك كثيرة لدى من سبق أن صدقوه وأفضى بهم إلى حال يدور ما بين يأس من واقع متأزم لا يجد له حلا، وتوهم بانفراجة تأتي دون أسباب ولا مقدمات.

وما هي نصيحتك لشباب الجماعة الآن؟

لن أقول لهم اتركوا الجماعة، فالجماعة تحتوي أفرادها وتعزلهم داخل أسوار عالية من قناعات وتصورات تجعل مفارقتهم لها أمرا عسيرا، وبالتالي يظلون أسرى خيار وحيد لا بديل له، وهؤلاء أقول لهم إن ما وقع من أحداث جدير بأن يوقظ النائمين ويحيي الموتى، فلا تعتمدوا على ما رسّخته الجماعة في عقولكم من أفكار وحاولوا أن تبحثوا عن قناعات جديدة عن طريق التفكير والقراءة والتدبر والتحرر من التلقين دون إعمال العقل، ووقتها ستعرفون ما ينبغي فعله إذا امتلكتم الجرأة عليه.

أحمد الجدي

باحث في شئون الإسلام السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock