الحدث

حروب الإرهاب.. توسع أم انحسار؟

كتب: دانيال بيمان

ترجمة وعرض: تامر الهلالي

أحد أصعب تحديات مكافحة الإرهاب هو تحديد الصراع الدولي التالي الذي قد يؤجج نزعات التطرف لدى المتشددين من الحركات الإسلامية الإرهابية ويقود عشرات الآلاف من الأجانب للانضمام إليهم، على غرار ما شهدنا في الحرب الأهلية في سوريا التي ولدت موجات هائلة من الإرهاب بمشاركة مقاتلين أجانب.

ظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا والتدفقات الضخمة من الأجانب للقتال في صفوفها جاء نتيجة أحداث غير عادية أفضت إلى ميلاد التنظيم من رحم ما كان يعرف في السابق باسم تنظيم القاعدة في العراق، الذي ظهر هناك بعد سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، بهدف محاربة الولايات المتحدة والحكومة العراقية التي كان يقودها الشيعة.

وعندما نشبت أحداث الحرب الأهلية في سوريا في عام 2011، اعتبرها مقاتلو القاعدة في العراق فرصة سانحة لتوسيع عملياتهم لتمتد إلى الأراضي السورية، واستفاد التنظيم من القمع المتزايد الذي مارسه النظام العراقي ضد السنة وقيامه بتهميشهم وحتى قتلهم بما في ذلك أولئك الذين كانوا مستعدين للتعاون مع الحكومة.

وفي سوريا اعتمد التنظيم على التعاطف الدولي مع المتمردين السوريين والعداء لنظام الأسد وسماح دول مجاورة مثل تركيا بحرية الوصول نسبيا إلى ساحة المعركة، ما ساعد التنظيم على تمديد نفوذه على مساحة أراضي بحجم بريطانيا وعدد سكانها يفوق عشرة ملايين نسمة، فضلا عن نجاحه في نشر رسالته في جميع أنحاء العالم عبر وسائل الإعلام الاجتماعي.

عوامل القلق

للوهلة الأولى، قد يبدو الوضع اليوم أسوأ حتى بالنسبة لأعداء التنظيم، حيث إنه على الرغم من طرد مقاتلي التنظيم ودفعهم إلى التشتت بعد أن فقدان كل الأراضي التي كانت في حوزتهم تقريبًا، إلا أنه  لم يتم هزيمتهم على نحو قاطع، فالآلاف من أعضاء التنظيم لا يزالون جاهزين لخوض معارك أو حروب جديدة.

الأسوأ من ذلك أن تنظيم الدولة الإسلامية وغيرها من الجماعات مثل القاعدة لا يزال لها حضور ليس بالهين في دول مثل مالي وباكستان والصومال وأجزاء أخرى من العالم الإسلامي. وعلى الرغم من أن تدفقات المقاتلين الأجانب من سوريا لم تكن ضخمة، إلا أن أعداداً صغيرة شقّت طريقها إلى ليبيا وأفغانستان وغيرها من ميادين الجهاد.

وما يعزز المخاوف من إمكانية عودة التنظيم لمسرح صراع عالمي جديد هو أن تلك الشبكات المتطرفة لا تزال تتمتع بالقوة، وعادة ما تعتمد في كل موجة من العمليات القتالية على ما انتهت إليه العملية السابقة، وبالنظر إلى حجم التيارات المؤيدة لمثل هذه الحركات وقدرتها الكبيرة والمتطورة على الحشد والتجنيد، ثمة مخاوف أت تكون قد نجحت بالفعل في اجتذاب عددًا أكبر من المتطرفين والمقاتلين الأجانب من أفغانستان والعراق، ما يعني أن تكون الجولة القادمة من حروب التنظيمات الإرهابية محل جذب لحجم كبير من القوة والعتاد، خاصة مع ما تتمتع تلك التنظيمات من آلة إعلامية هائلة يسهل توظيفها في نشر أفكارها وربط المقاتلين وتسهيل حركتهم وانتقالهم، فضلا عن أن الأسباب التي سبق أن اعتمدت عليها في كسب تأييد مناصريها، مثل الطائفية والكراهية للتدخل الأمريكي تظل قوية ومتماسكة وجذابة.

وثمة عامل آخر أكثر إثارة للقلق في الولايات المتحدة وأوروبا على حد سواء، يكمن في اتساع موجة العداء المتزايد والعنف تجاه المسلمين، التي يؤججها خطاب يميني متطرف معادي للأجانب ينذر بخطر تحويل المسلمين غير المتطرفين إلى متطرفين محتملين نتيجة شعورهم المتزايد بعدم قبولهم في المجتمعات الغربية التي يقيمون بها.

ظروف مغايرة

في المقابل ثمة عوامل أخرى من شأنها أن تقلل المخاوف من إمكانية استعادة تنظيم الدولة الإسلامية وغيره من الحركات الإرهابية المشابهة نفوذها السابق، وذلك بسبب اختلاف الظروف العالمية الراهنة عن تلك التي سبق أن وفرت فرصة سانحة لظهور التنظيم واتساع نفوذه. ومن مظاهر ذلك ما أقدمت عليه دولة مثل بلجيكا كانت أحد أهم مصادر تجنيد المقاتلين الأجانب، إلا أنها انتبهت مؤخرا إلى أهمية تطوير أجهزة استخباراتها وأجهزتها الأمنية لمواجهة مثل هذه التهديدات في الوقت المناسب.

كما أن ما سبق أن سمحت به السلطات في تركيا من تسهيل عبور المقاتلين من حدودها، يبدو حاليا أمرا غير قابل للتكرار في ظل تشديد إجراءات حراسة الحدود التركية. كذلك فإن ما تم اتخاذه مؤخرا من تدابير احترازية للحيلولة دون استخدام العناصر المسلحة لباكستان كبوابة لأفغانستان جعل الأمر هناك أكثر صعوبة وكلفة. على صعيد آخر، فإن شركات التكنولوجيا والسلطات الحكومية المعنية كثفت مؤخرا جهودها في مكافحة التجنيد عبر الانترنت وحجب المحتوى المرتبط بالجماعات الإرهابية.

ويرى خبراء في مكافحة الإرهاب أن كل هذه التطورات حال استمرارها من شانها أن تجعل تكرار ما سبق أن نجح تنظيم داعش وغيره من الحركات الإرهابية في تحقيقه في سوريا والعراق أمرا بالغ الصعوبة.

دانيال بيمان

تعريف بالكاتب:

دانيال بيمان، باحث في مركز سياسة الشرق الأوسط في معهد بروكينغز، متخصص في شؤون مكافحة الإرهاب وأمن الشرق الأوسط، وهو أيضا أستاذ في كلية الشؤون الخارجية بجامعة جورج تاون الأمريكية.

تامر الهلالي

مُترجم وشاعر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock