منوعات

أحمد بهاء الدين(1-3): بدايات مبكرة وانحياز حاسم لمسيرة التنوير

منذ 92 سنة ولد «أحمد بهاء الدين» (11 فبراير 1927)، ومنذ 23 سنة رحل عن دنيانا (24 أغسطس 1996) ،لكنه لا يزال باقياً بيننا، وسيبقى من بعدنا، ليس لأنه كان كاتباً صحفياً كبيراً، ولكن لأنه كان بالأساس صاحب مشروع تنويري كبير، بدأ العمل عليه من أول مقال له وهو مازال تحت العشرين، وظل يعمل من أجله حتى آخر عمود صحفي كتبه وهو يقترب من الخامسة والستين، وبعدها توقف قلمه عن الجريان على صفحات الورق.

رحل «بهاء الدين» بجسده وبقيت كتاباته كأنها مصباح «ديوجين» دائم البحث عن الحقيقة، لينير ظلام العتمة بشعاع الحكمة. كان يعمل بالصحافة كمفكر له رؤية، وكاتب صاحب مشروع، ولهذا يبقى ما خطه قلمه طازجاً كأنه كُتب اليوم، وصالحاً لمعالجة هموم وتحديات لا تزال مفروضة علينا، وهو الأمر الذي يلفت نظر أي قارئ للميراث الثقافي والفكري الذي خلّفه لنا الأستاذ «بهاء».

وقد تنبه إلى هذه الحقيقة نجله الصديق «زياد بهاء الدين»، حين قدّم لكتاب «مقالات لها تاريخ» الصادر عن «مؤسسة روزاليوسف» من إعداد الكاتب الصحفي «رشاد كامل»، حيث أبدى «زياد» دهشته وربما انزعاجه، من قدر ملاءمة كتابات الأستاذ «أحمد بهاء الدين» بشأن قضايا: القانون، والدستور، والعدالة الاجتماعية، والمرأة، والحرية، والفن، والإبداع، والعروبة، والنمو الاقتصادي، وغيرها، لعصرنا وظروفنا الراهنة، وكأنه كان يكتب وهو جالس بيننا ،يتابع ذات الأخبار، ويسمع ذات الوعود، ويُنصت للناس ويشعر بهم.

رشاد كامل                           أحمد بهاء الدين                       زياد بهاء الدين

منبع الدهشة لدى مطالعة كتابات «بهاء الدين» أنها مازالت طازجة رغم مرور السنوات الطوال، ومصدر الانزعاج أنها تبدو صالحة ليومنا هذا، كأننا لم نبارح أماكن تخلفنا، ولا نزال منذ رحل عن دنيانا نراوح في المكان نفسه، وهكذا هم أصحاب الرؤى الثاقبة والمشاريع الكبيرة، لا تموت كلماتهم ، بل تلمع وتضيء وتنير على مر العصور.

«أحمد بهاء الدين» واحد من جيل تشكل وعيه وسط أجواء وأنواء الردة على ثورة 1919، ومن بعد تنوعت مصادر التأثير في تكوين وعيه عبر أتون حرب عالمية وصلت نيرانها قبل أن تصل انعكاساتها إلى الأرض المصرية. وكانت قد استهوته علاقة الانسان بالقانون، كما جذبته منذ البداية قراءة التاريخ ،وكان يدرك مبكراً أن التاريخ هو الفرق بين الانسان الواعي وغير الواعي، وهو واحد من الذين رأوا مبكراً أن أمةً تجهل تاريخها لا يمكنها أن تصنع مستقبلها، تنظر إلى الماضي لتتعلم منه ما يصلح لها حاضرها، ويفتح الأبواب أمام أن تمسك مستقبلها.

وفي خضم الحياة صار «أحمد بهاء الدين» واحداً من أهم حملة مشاعل التقدم والتنوير، واستطاع بفكره وانحيازاته أن يكون واحداً من أبرز أبناء الجيل الذي أنجبته مصر الحديثة، ذلك الجيل الذي شارك بفاعلية كبرى في حسم كل القضايا الجوهرية التي ظلت معلقة ربما منذ بدأنا تاريخنا الحديث، جيل حسم القضية الوطنية، وهزم الإمبراطورية البريطانية قائدة الإمبريالية الأوروبية وأغرقها في خليج السويس.

هو واحد من الجيل الذي شارك بوعيه وكتاباته وانحيازه الفكري ، في حسم قضية العدل الاجتماعي وقوَض دعائم الاستغلال، وتطلع إلى بناء مجتمع اشتراكي تتحقق فيه أرقى صور الكفاية والعدالة. وقد كان من أبرز أبناء هذا الجيل متنوع الكفاءات والقدرات، الذي وضع قضية الهوية في موضعها الصحيح ، وأكد حقيقة أن مصر يجب أن تكون في طليعة وقيادة أمة عريقة ذات عقيدة وحضارة وتاريخ وتراث، وأنها يجب أن تحتل مكانها الذي يليق بها على خريطة العصر والعالم ،وأن لها دورا لابد أن تقوم به.

هذه هي قيمة «أحمد بهاء الدين» الحقيقية، وهذه هي مكانة جيله الذي كان واحداً من أبرز رجالاته.

 

كل شيء بدأ مبكراً في حياة «أحمد بهاء الدين»، ذاق مرارة اليُتم مبكراً، ماتت أمه فجأة وهو في العاشرة، وكانت بالكاد قد تخطت الثلاثين من عمرها القصير، وتشكل وعيه مبكراً جداً، كان أهل بيته يطلقون اسم «غاندي» على هذا الصبي صغير الجسم، الأسمر، النحيل، المنطوي الذي تعلو  وجهه نظارة سميكة، والمنكب على القراءة أغلب الوقت، وقد انكمش في سريره تحيطه الكتب والمجلات من كل جانب، وهو السمت الذي ظل لصيقاً به طول الوقت.

في الجامعة كان يصرف كل وقته بين الدراسة والقراءة، يقول: “كنت أترك كتب الدراسة لأقرأ كتب السياسة، ووقتي في الجامعة أقضيه بين محاضرات كلية الحقوق، ومحاضرات كلية الآداب، أستمع إلى مواد لن أمتحن فيها قط، وبين مكتبة الجامعة أقرأ قصصاً ودواوين شعر”.

تنوعت مصادر المعرفة لدى «أحمد بهاء الدين»، فلم ينقطع وهو شاب يافع عن الذهاب إلى المكتبات العامة، خاصة مكتبة دار الحكمة، وتمكن في هذه السن المبكرة أن يطلع على معظم الأعمال الأدبية لكبار الأدباء والكتاب مثل «طه حسين»، و«توفيق الحكيم»، وغيرهما، والمثير للدهشة والاعجاب أن هذا الشاب الصغير انكب في هذه السن الصغيرة على قراءة جميع الصحف المصرية التي صدرت في مصر في غضون الخمسين سنة السابقة.

توفيق الحكيم                                     طه حسين

حصل «أحمد بهاء الدين» على ليسانس الحقوق من جامعة «فؤاد الأول» (1946) ، وهو لا يزال في التاسعة عشر من عمره، وكان أصغر من السن اللازمة للاشتغال بالمحاماة، وعُين في وظيفة حكومية في «النيابة الإدارية» وكانت تسمى وقتها «إدارة التحقيقيات» بوزارة المعارف (التربية والتعليم)، وتعرف فيها على اثنين سيصبحان فيما بعد من نجوم عالم الكتابة والأدب والشعر، ومن أهم وأكبر الكتاب الصحفيين، تعرف على الأستاذين: «عبد الرحمن الشرقاوي»، و«فتحي غانم».

فتحي غانم                                               عبد الرحمن الشرقاوي

ولا شك أن دراسته للقانون كانت نتيجة طبيعية لموقع كلية الحقوق في ذلك الزمان أوائل الأربعينيات، فقد كانت الكلية التي يتخرج منها القضاة وقادة الحكم وزعماء السياسة والفكر والقانون، ولكن أغلب الظن أن نوعية الدراسة نفسها كانت أقرب إلى طبيعة تكوينه وطريقة تفكيره، لأنها دراسة شديدة العقلانية، شديدة المنطقية، لكن هذا لم يمنعه من السياحة بين الكليات الأحرى، ينهل من كل منها ما يشبع نهمه إلى التعلم والمعرفة.

  وقد تنبه «أحمد بهاء الدين» مبكراً إلى أن حصيلته من اللغات الأجنبية متواضعة شأن أي طالب جامعي، ووجد أمامه عشرات الكتب الأجنبية المؤلفة عن مصر والخارج، وقد عزَّ عليه أن يُعرض عن قراءتها، فأصر على تعلم اللغة الإنجليزية، وتمكن من إجادتها بمجهود فردي خلال ثلاث سنوات قضاها في ممارسة اللغة والتدريب عليها والمثابرة على إجادتها، حتى يتمكن من تحسين أدواته وتوسيع مدى اطلاعه على كل جديد في عالم المعرفة.

Image result for ‫أحمد بهاء الدين‬‎

إذا أردت أن تضع عنواناً لمشوار حياة «أحمد بهاء الدين» فلن تجد أفضل من أنه بدأ كل شيء في حياته مبكراً جداً، فقد بدأ في سن مبكرة مشواره المهني في بلاط صاحبة الجلالة، لم يكن قد تجاوز العشرين من عمره، حين اتجه إلى الكتابة الاحترافية عام 1947، وكانت تجربته الأولى في مجلة «الفصول» التي أصدرها ورأس تحريرها الكاتب الكبير الأستاذ «محمد زكي عبد القادر»، في يونيو سنة 1944، وسرعان ما صارت واحدة من أهم المجلات الثقافية والفكرية في مصر، وكان يستكتب فيها مشاهير الكتاب والأدباء.

Image result for ‫محمد زكي عبد القادر‬‎

محمد زكي عبد القادر

في عام 1947 كانت الذكرى الخمسين لوفاة أحد قادة ورواد التنوير وهو المفكر الإسلامي الكبير «جمال الدين الأفغاني» (توفي في 1897)، وقد وجدها «أحمد بهاء الدين» فرصة مناسبة للكتابة عن الرجل خاصة أن «بهاء» كان يكن للأفغاني احتراما شديدا، ويقدر أفكاره ودوره وأثره في إثراء الحياة الفكرية في العالم الإسلامي ومنه مصر.

Image result for ‫جمال الدين الأفغاني‬‎

جمال الدين الأفغاني

كتب «بهاء» دراسته المعمقة حول «الأفغاني» وانطلق بها إلى مجلة «الفصول» التي كان يطالعها ويجد فيها ما يوافق أفكاره وآراءه. ذهب إلى مقر المجلة، بعد أن وضع المقال في مظروف مغلق باسم رئيس تحريرها، ليتركه مع بواب العمارة، وبعد أسابيع قليلة وجد مقالته منشورة، وحين تواصل مع الأستاذ «محمد زكي عبد القادر» طلب منه الاستمرار في الكتابة المنتظمة للمجلة، ولم يلبث طويلاً  حتى آنس إليه الأستاذ فأفسح له الكثير من الصفحات، وحين تزايدت مسئوليات الأستاذ في رئاسة تحرير جريدة «الأهرام» ترك مجلة الفصول تحت رعاية التلميذ وأصبح «بهاء الدين» يقوم بأكثر العمل فيها، من موقع مدير التحرير، ولم يكن قد تجاوز الثانية والعشرين من عمره.

ولك أن تلاحظ ـ أولاً ـ ارتباط اسمه بالتنوير منذ اللحظة الأولى لبداياته مع مشوار الكتابة بل مع أول مقال ينشر له. وهو ما سيصبغ مشواره المهني عبر أربعين سنة من الكتابة المستمرة دون انقطاع إلا في الفترات التي غضب فبها عليه الرئيس الأسبق أنور السادات. وعليك أن تلاحظ ـ ثانياً ـ أنه بدأ مسيرته في الصحافة والكتابة الراقية بإقبالٍ وتفانٍ ظلا يلازمانه إلى نهاية المشوار، حتى أنه عمل في مجلة «الفصول» من دون أجر. وعن ذلك يقول صديقه المقرب الأستاذ «أكرم ميداني»: (قال لي بهاء بعد أن أصبحت من كتاب المجلة أن أضع في حسابي أنه ليست هناك أجور تدفع للمحررين، حتي هو كمسئول عن التحرير لا يتقاضى أجراً عن عمله، ولم أناقش هذا الأمر معه كثيراً، لأنني اقتنعت برأيه وهو أن المجلة لها سمعة جيدة بين المثقفين، والكتابة فيها تتيح مجالاً لتعلم المهنة، ودار في خاطري أن هذا ما جعل «بهاء» يعطي جهده ووقته دون أجر، فقد كان دؤوباً في كتابته، ومجدّاً في إدارة التحرير كي يتعلم المهنة).

Image result for ‫أنور السادات‬‎

أنور السادات

على صفحات مجلة «الفصول» كتب «أحمد بهاء الدين» وناقش وتصدى لأعقد وأصعب الموضوعات في بساطة مذهلة، ولعل عناوين مقالاته تدل على ذلك، وأنا هنا أنقل ما كتبه الزميل «رشاد كامل» في مجلة «صباح الخير»، في تلك الفترة كان بهاء الدين يكتب عن: «هذه الضرائب التي ندفعها» ويكتب عن : «دعاة النفوذ الأمريكي في مصر وبرنامج النقطة الرابعة»، ولأول مرة يطالب كاتب مصري بفكرة «تأميم القطن يعود بالفائدة على الدولة والفلاحين»، ويؤكد في مقال آخر «قبل إقرار الميزانية: «الاقتصاد في خدمة السياسة» ويناقش «التيارات الخفية وراء المعركة»، ويتحدث عن: «النظم الرجعية في الشرق»، ويكتب واحدًا من أهم وأجرأ مقالاته في زمن الملكية وعنوانه: «ارحموا الاشتراكية» وغيرها من المقالات التي لفتت انتباه القراء إلى مولد كاتب قدير ولم يكن يتجاوز عمره العشرين عاما.

Image result for ‫مجلة الفصول‬‎

 وقبل أن يبلغ الرابعة والعشرين من عمره ، قرر هذا الشاب العشريني صاحب البدايات المبكرة، الذي جاء كل شيء في حياته مبكراً جدًا، أن يصدر أول كتبه وعلى نفقته الخاصة. والأغرب هو موضوع الكتاب الذي جاء تحت عنوان جديد لم يسبقه إليه أحد: «الاستعمار الأمريكي الجديد أو برنامج النقطة الرابعة» ولهذا الكتاب قصة.

حين أعيد انتخاب الرئيس الأمريكي هاري ترومان لفترة رئاسية جديدة أعلن في خطاب في 20 يناير 1949عن الأهداف الأربعة للسياسة الخارجية الأمريكية، وقد كانت النقطة الرابعة هي الأهم  والأكثر تأثيرًا في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، حيث تضمنت أفكارًا ووسائل جديدة مكنت  واشنطن من زيادة نفوذها وتدخلها في دول العالم المختلفة من خلال سلسلة من برامج المساعدات الغذائية والصحية ومشاريع البنى التحتية كالمياه والطرقات وغيرها، وقد أْقر البرنامج من قبل الكونجرس الأمريكي في 5 يونيو 1950، وخصص له مبلغ 25 مليون دولار أمريكي للسنة المالية 1950/1951، كما شُكلت لجنة في وزارة الخارجية الأمريكية تحت اسم مجموعة المساعدات التقنية أشرفت على البرنامج.

Image result for ‫أحمد بهاء الدين الاستعمار الجديد أو برنامج النقطة الرابعة‬‎

تصدى «أحمد بهاء الدين» لإلقاء الضوء على  المشروع الأمريكي الذي تقدمت به الولايات المتحدة الى حكومة الوفد في مصر، وكتب ضده في مجلة «الفصول» ،وكان ضمن ما قاله إن مشروعات المساعدة الأمريكية خطر على كياننا الاقتصادي والسياسي، وإن النفوذ الاقتصادي يستتبع خلفه تدخلاً سياسياً فقد أثبت التاريخ القريب والبعيد أنه بديهية لا شك فيها، فالسياسة تجري خلف الاقتصاد.

 ثم أصدر كتابه «الاستعمار الجديد أو برنامج النقطة الرابعة» وقام بطبعه على نفقته الخاصة، وربما لم يكن الكاتب الشاب ليسارع بإصدار كتاب يناقش فيه أثر هذا البرنامج على دول العالم الثالث ،وخاصة مصر إلا بعد أن قبلت الحكومة المصرية برنامج النقطة الرابعة، الذي كانت حكومتا الأردن وإسرائيل قد وافقتا عليه، ووقع وزير الخارجية المصرية اتفاقية بذلك مع الحكومة الأمريكية في 5 مايو 1951، حيث بادر «بهاء الدين» إلى نشر الكتاب بعد تلك الموافقة بحوالي شهر ( يونيو 1951) .

في هذ ا الكتاب دق أحمد بهاء الدين ناقوس الخطر القادم من جراء تلك السياسة الجديدة التي تستهدف إعادة تشكيل عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، عبر غزو البلدان المتخلفة بالمال بدلاً من السلاح، ليحل الاستثمار الأمريكي محل الجيوش المحتلة. كما قدم فيه دراسة تحليلية نقدية لبرنامج النقطة الرابعة، ونجح في هذا الوقت المبكر في كشف تحولات القوي الدولية وانتقال مركز ثقل الرأسمالية إلى الولايات المتحدة التي سعت حثيثا لتحل محل القوي الاستعمارية القديمة، وحذر من مغبة قبول هذا البرنامج وتأثيره السلبي علي استقلال مصر. وأوضح بكل الحجج المقنعة أن برنامج النقطة الرابعة ظاهره تقديم مساعدات للدول النامية، وباطنه يستهدف السيطرة على اقتصاديات وسياسات تلك الدول التي كانت قد كافحت طويلاً من أجل الانعتاق من نير الاستعمار القديم.

بعد قيام ثورة يوليو 1952 استعانت الثورة بالأستاذ «أحمد بهاء الدين» لإلقاء بعض المحاضرات، في عدد من الوحدات العسكرية بغية إيضاح الاهداف الامريكية من جراء طرح مشروع «النقطة الرابعة»، ويذكر الأستاذ «بهاء» أن تلك كانت المرة الاولى التي يلتقى فيها برائد صغير في الجيش، أصبح بعد ذلك وزيرا للثقافة، ورائداً للنهضة الثقافية والفنية التي قامت في مصر، هو «ثروت عكاشة».

Related image

حين غيّب المرض الأستاذ «أحمد بهاء الدين» عن متابعة ما يجري في العالم وفي منطقتنا العربية ،كتب محمد حسنين هيكل: “اعترف أنني طوال أزمة وحرب الخليج لم أفتقد رأيا كما افتقدت رأي أحمد بهاء الدين. وفي وسط الطوفان العارم الذي ساح فيه الحبر على الورق أكثر مما ساح من الدم في ميادين القتال، كانت كلمة «أحمد بهاء الدين» هي الشعاع الوحيد الغائب في وهج النار والحريق. كان الكل حاضرين، وكان وحده البعيد ،مع أنه كان الأقرب إلى الحقيقة والأكثر قدرة على النفاذ إلى جوهرها وصميمها. ولم يكن ابتعاده الاضطراري مجرد خسارة للعقل المتوازن في أزمة جامحة، ولكن الخسارة كانت أكبر لأن معرفته ببؤرة الصراع  كانت أدق وأعمق بحكم أنه قضي خمس سنوات من عمره مهاجرا بعمله وقلمه للكويت، ومن هناك أطل علي الخليج كله ورأي ودرس وفهم بعمق كما هي عادته”.

محمد حسنين هيكل

صورة الغلاف: بريشة الفنان سعد الدين شحاتة

الفيديو جرافيكس

نص: بلال مؤمن

تحريك ومونتاج: عبد الله إسماعيل

محمد حماد

كاتب وباحث في التاريخ والحضارة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock