ثقافة

الروائية الشابة نهلة كرم: أكتب لأحقق انتصاراً ساذجاً على الموت

بمجموعتين قصصيتين (أن تكون معلقا في الهواء- الموت يريد أن أقبل اعتذاره) وروايتين (على فراش فرويد- المقاعد الخلفية) جاءت تذكرة مرور «نهلة كرم» كروائية وقاصة واعدة، تحمل مشروعها في سرد العالم عبر كتاباتها. البعض يرى أن نهلة كرم تنتمي لكتابة الصدمة، وآخرون يرون أنها تسرد وقائع ما يجري عبر كتابة مختلفة وعابرة، لمعالجة ما تشهده أو تعايشه من صراعات حياتية يومية، بلغتها الخاصة وعبر صوت أنثوي محتج وغاضب ومتمرد.

 عن تجربتها الابداعية وكتابتها المتمردة حاورنا نهلة كرم…

فى حضرة فرويد

 في روايتك «على فراش فرويد» تستدعين «سيجموند فرويد» عالم النفس الشهير، فما هو سر اختيارك لهذا العالم صاحب نظرية تفسير السلوك الانساني تفسيرًا جنسيًا ؟

-اخترت فرويد لأن أفكاره وتفسيره للسلوكيات، كان قريبا جدًا من شخصية بطلة الرواية، وقد ساعدتني قراءته كثيرًا  في الدخول لأعماق الشخصية كلما تقدمت في الكتابة.

 كيف جاء عنوان هذه الرواية، وإلى أي حد ترين أنك كنت موفقة في اختياره؟

دائمًا ما أترك مدى التوفيق في اختيار العنوان وفي الكتابة بشكل عام لآراء القراء، وبعد  أربع سنوات من نشر الرواية، لا أتخيل عنوانًا آخر لها، فالعنوان به شيء مخادع جعل البعض يسألني عن سر اختيار «فرويد» ومن على فراشه، ما جعلني أنتبه  إلى أن العنوان الذي اخترته ببساطة ليعبر عن «لعبة» ابتكرتها بطلة الرواية تتخيل فيها أنها تتحدث إلى فرويد يوميًا، لتتخلص من مشكلاتها سيتحول في أذهان البعض إلى شيء آخر وربما يكون ذلك مصدر جذب للقراء لم أكن أقصده.

الفكرة التي قامت عليها الرواية تبدو، وكأنها مواجهة للفعل الذكوري عبر السرد.. إلى أي مدى ترين أنك واجهت ذكورية مجتمعاتنا؟

-أنا مثل كثيرات ولدن في مجتمع يُفرّق كثيراً في المعاملة بين الرجل والمرأة، ويمكن النظر إلى مدى البؤس الذي وصلنا إليه عندما يتحرش أحدهم بفتاة في الشارع، وتحاول أن تدافع عن نفسها، فنجد أن كثيرين يقفون دون أن يدافعوا عنها وأحيانًا يتدخلون ليطلبوا منها أن تذهب لحال سبيلها بكلمات مثل «خلاص معلش، إنتي كدا بتهيني نفسك»، وللأسف عندما نتكلم عن حقوق المرأة يُقال بسخرية «ما أنتم ليكم عربيتين في المترو»، وكأن الحقوق أن نأخذ أماكن منفصلة عن الرجال، هذه مصيبة وليست حقوقًا، لأن المجتمع لو كان طبيعيًا وتأمن فيه النساء على نفسها من الرجال فلن يكون هناك ضرورة لتخصيص عربتين للنساء.

بعد أن نشرت «على فراش فرويد» وصلتني رسائل كثيرة من فتيات يخبرنني أنهن «نورا» في الرواية، وأن حياتهن تشبه حياتها إلى درجة كبيرة، وحكين عن مدى الذكورية التي يعانين منها من اخوانهن ومن آبائهن، ومن أمهاتهن أيضًا، فكثير من النساء يكُنَّ أكثر ذكورية من الرجال في أحيان كثيرة.

ربما عندما كنت أضعف من ذلك كنت أتعاطف مع رسائلهن كثيرًا، لكني الآن وبعد أن صرت أكثر قوة وتحررًا لا أكتفي بالتعاطف فقط، بل أشجعهن على المواجهة لأني اكتشفت أن بعض الحقوق الطبيعية التي من المفترض أن تتوافر لدينا بشكل تلقائي ليست موجودة وعلينا انتزاعها.

هل ترين أن صوت المرأة المختلف تحقق في كتاباتك أم أنك تكتبين بصوت المرأة ولغة الرجل؟

-أترك الحكم في ذلك للقارىء، فلا يمكنني إبداء رأي كذلك في شيء كتبته بنفسي.

المسافة التي قطعتِها من «على فراش فرويد» إلى «المقاعد الخلفية» كيف ترينها.. أقصد مسافة التغيير والنضج مسافة حرية الاختيار والانفتاح على عوالم آخرى؟

-عندما أنهيت «على فراش فرويد» كان عمري وقتها 23 عامًا تقريبًا، وعندما أنهيت «المقاعد الخلفية» كان عمري 28 عامًا تقريبًا، وأعتقد أن خمس سنوات مسافة كبيرة كانت قادرة على تغيير أفكاري ورؤيتي للحياة، وأكون سعيدة جدًا عندما يخبرني من قرأ العملين بأن النضج كان واضحاً في «المقاعد الخلفية» وطريقة الكتابة كانت مختلفة كثيرًا، فأي مبدع يسعى لتطوير ذاته، وسيواجه مشكلة حقيقية إذا مرت السنوات دون أن يتطور أسلوبه أو أفكاره وإذا ظلت كتاباته متشابهة.

 في «الموت يريد أن أقبل اعتذاره».. ماذا عن ذاتك ومواجهتك لوطأة الموت؟

-للأسف لا مفر من الموت، هذه هي الحقيقة التي يعرفها الجميع، ويحاول كل شخص مواجهتها بطريقته، وأنا ممتنة كثيراً لأن لدي الكتابة لأعبر بها عن خوفي وكرهي للموت، ومحاولة تحقيق انتصارات ساذجة عليه ولو بالكتابة، ربما لم أكن أتخيل أن القصة التي كتبتها بعد وفاة والدي ستكون بداية لمجموعة قصصية تتحدث عن الموت وتشفيني وتنقذنى من أثره عليً، هذه المجموعة تعبر عن حالتي النفسية في فترة كنت أشعر فيها بالانكسار بعد وفاة أبي، وبالرعب والخوف من أن يأخذ الموت عزيزًا آخر.

نميمة المثقفين

كان لك رأى حول فكرة إيمان المثقف بالحرية.. هل ما زلتِ تصرين عليه؟

-نعم معظم المثقفين يدعون التحرر والإيمان بالحرية المطلقة، لكنهم على الجانب الآخر يتعاملون مع كتابات المرأة باعتبارها جزءأ من حياتها الشخصية أو حتى مرادفا لها، وبعضهم يكوّن فكرة أخلاقية عنها وفقًا لكتابتها ويبدأون في التعامل على أساسها.

هل يعني ذلك أن ثمة ازدواجية فكرية وثقافية يعيشها المثقف العربي؟ وهل هذا يعنى الفصل بين الكاتب وما يكتبه؟

-هذا ما يحدث على أرض الواقع للأسف، فقد كنت محظوظة بوجود أستاذي مكاوي سعيد رحمه الله إلى جانبي في بداية حياتي، وأقول بصراحة إنه حماني كثيرًا من سخافات كان من الممكن أن أتعرض لها من مثقفين، وعلمني كيف أتعامل مع سخافات أخرى، فقد كان يعيش وسطهم ويعرف جيدًا أن البعض ممن ينادون بحرية المرأة هم أنفسهم من يهينون تلك الحرية، بمجرد أن تترك تلك المرأة مقعدها وترحل عن جلستهم.

ربما فيما مضى كنت اتأثر بالربط بين شخصيتي وما أكتب، لكنني الآن لا أهتم كثيرا بهذا الأمر ،لأني مهتمة جدًا بمشروعي في الكتابة، وأعلم جيدًا أن ما يبقى هو الكتابة الجيدة، وأن الموهبة تحافظ على صاحبها من نميمة  المثقفين، فالموهوبون ليس لديهم وقت لإضاعته على أحاديث فارغة.

 في محبة مكاوي سعيد

هل تستطيع الكتابة التغيير في محيط  بائس؟

-لا يمكن قياس التغيير الذي تحدثه الكتابة، ولكن يكفي أن تؤثر في بعض الأشخاص حتى ولو كانوا قليلين، فأنا أعرف من تغيرت شخصيته تمامًا بعد أن قرأ «عمارة يعقوبيان» لعلاء الأسواني، وبالنسبة لي وعلى مستوى شخصي تغيرت حياتي بعد أن قرأت «نزار قباني» وأنا صغيرة لأنني قررت حينها أن أكون شاعرة، وذلك جعلني أقرأ أكثر ومررت بإحسان عبد القدوس وخيري شلبي ونجيب محفوظ حتى وصلت إلى «تغريدة البجعة» لأستاذي مكاوي سعيد، وشعرت أنني أريد كتابة الرواية فكانت البداية، وبعيدًا عن كونها ساعدتني كقارئة على التحول إلى كاتبة فهي تهذب سلوكي أنا شخصيًا، ففي الوقت الذي أقرأ فيه أكون أكثر هدوءاًواتزاناً وعقلاً.

مكاوي سعيد

بمن تأثرت «نهلة كرم» خلال مشوارها الإبداعي؟

-سيظل «مكاوي سعيد» أبي الذي علمني كل شيء وبفضله صرت هنا، كما لن أنسى فضل «صنع الله إبراهيم» ودعمه لي في نشر «على فراش فرويد» وفي كتابته على ظهر غلافها، فكثيرون تعرفوا عليً وعلى فراش فرويد بفضل كلمته على الغلاف.

صنع الله إبراهيم

كتبت القصة القصيرة والرواية أي منهما أقرب اليك؟

-يتوقف الأمر على الأفكار التي تأتيني ،فبعضها يصلح لقصة قصيرة والبعض الآخر يصلح لرواية، ومن خلال أي منهما أعبر عما أريد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock