منوعات

استراتيجية «داعش» الجديدة.. من المركز إلى الأطراف

في أعقاب الانهيار الكامل لدولة الخلافة، التي أعلن «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) قيامها على أرض سوريا، والتفجيرات التي اجتاحت سريلانكا في يوم 21 أبريل الماضي بالتزامن مع احتفالات عيد الفصح، ظهر مجددا أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم الدولة الإسلامية، في مقطع فيديو لم يتجاوز 18 دقيقة، ليطمئن من خلاله أنصاره على أنه لا يزال على قيد الحياة، وأنه لا يزال يستمسك بعقيدة الجهاد، برغم الهزائم العسكرية التي مني بها التنظيم في نهاية مارس الماضي.

في هذا الفيديو، الذي بثته «شبكة الفرقان الإعلامية»، التابعة للتنظيم، يستنسخ البغدادي طريقة سلفه، أسامة بن لادن، مؤسس تنظيم القاعدة، حيث يفترش الأرض متربعا، وقد صبغ لحيته، وأسند إلى جدار على مقربة منه بندقية من طراز كلاشنكوف (AK-47 K 47). يقيم البغدادي هزيمة التنظيم في «باغوز» باعتبارها مجرد معركة في حرب طويلة الأمد لم تضع بعد أوزارها، ويحث أنصاره على إعداد أنفسهم لجهاد طويل. يؤكد البغدادي أيضا أن مقاتلي الدولة الإسلامية قد أبلوا  بلاء حسنا في باغوز، وأظهروا لعدوهم شجاعة وجلدا، كما يعلن قبوله بيعة جماعات مسلحة في كل من بوركينا فاسو ومالي، في إشارة واضحة إلى أن خلافته لا تزال قائمة، وأن تنظيمه يتمدد ويكسب أرضا جديدة.

داعش لم تمت بعد

في مقال بعنوان ISIS Announces It Will Keep Fighting In A New Video: ISIS isn’t Dead Yet  (تنظيم الدولة الإسلامية يعلن أنه سيواصل القتال في فيديو جديد: داعش لم تمت بعد) يلفت عبد الباسط، الباحث في «المركزالدولي لبحوث العنف السياسي والإرهاب»، التابع لكلية «س. راجارتنام للدراسات الدولية» في سنغافورة، إلى دلالات هذا الفيديو على مستويات عدة. فعلى المستوى التكتيكي، يهدف الفيديو إلى إزالة  أية هواجس – لدى الأنصار أو الأعداء على السواء – تتعلق بالقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، أو شائعات حول مقتل زعيمه، أو حتى إصابته بجروح خطيرة، كما أشيع في أعقاب هروب التنظيم من باغوز. وفيما يتعلق بالتوقيت، يلفت  الباحث إلى أن هذا الفيديو يبث في الوقت الذي دعا فيه تنظيم الدولة كوادره في نهاية الشهر الماضي إلى تصعيد هجماتهم.

أما على المستوى الاستراتيجي، فإن الفيديو يمثل محاولة لإنتاج سردية جديدة تتعلق بتدشين “حملة انتقام” لهزيمة دولة الخلافة. ويلفت الباحث إلى أن هذه الحملة لا تمثل استراتيجية دفاعية، وإنما تحركاً هجوميا للمحافظة على وضع التنظيم كأكبر شبكة إرهابية تثير الذعر في العالم، وكتنظيم يتربع علي عرش الحركة الجهادية العالمية. فبغض النظر عن الانتكاسات الأخيرة، نجح تنظيم الدولة في تنفيذ 3670 هجوما في عام 2018، وهو أكبر رقم قام به تنظيم إرهابي في العالم.

صورة ذات صلة

وعلى المستوى التنظيمي، ينتقل تنظيم الدولة من طور شبه الدولة إلى طور جماعة إرهابية متمردة، حيث يصبح التنظيم ضعيفا في المركز بينما يقوى في الأطراف. وينقل عبد الباسط عن بروس هوفمان، الباحث في شئون الإرهاب، قوله إن  تنظيم الدولة «يعيد بؤرة اهتماماته من التنظيم المركزي إلى الفروع؛ بما يمًكنه من البقاء على قيد الحياة من جانب، والتمدد من جانب آخر». وبالمثل، تتحول سردية الدعاية الداعشية من الانضمام إلى دولة الخلافة وحمايتها إلى الانتقام لخسائرها. وفي الفضاء السيبراني، يتحول المجتمع الداعشي من المنصات الإعلامية الاجتماعية المفتوحة إلى المنصات المشفرة والشبكة المظلمة.

ظهور البغدادي.. الشجاعة واليأس معا

من ناحية أخرى، ينطوي هذا الفيديو على قدر غير قليل من الشجاعة واليأس في آن. فمنذ مبايعة أنصاره له خليفة للمسلمين في مسجد النوري بالعراق في يونيو 2014، لم يظهر البغدادي في مقطع مصور سوى في مناسبة واحدة بخلاف هذه المناسبة، برغم إصداره العديد من البيانات الصوتية. وبينما يمثل هذا المقطع عملا شجاعا ينطوي على رسالة إلى الأعداء بأن البغدادي لا يزال على قيد الحياة وبأن هجماتهم لم تفلح في النيل منه، وأخرى إلى الأنصار بأنه لا يزال يقود التنظيم وأنه يتمتع بسلطاته كاملة، إلا أن هذه الخطوة قد تمنح الأجهزة الاستخباراتية التي لا تألو جهدا في البحث عنه إشارات مهمة قد تساعدها على تحديد مكانه وتتبعه والقبض عليه، لا سيما أنه يقف بجدارة على رأس قائمة الإرهابيين المطلوبين في العالم، وتصل مكافأة الإرشاد عنه إلى 25 مليون دولار.

وعلى عكس أغلب الفيديوهات الخاصة بتنظيم القاعدة «التي كانت جميعها مجرد كلام لا ينطوي على مضمون عملي»، يخرج البغدادي بهذا الفيديو في أعقاب واحدة من أكثر الهجمات دموية في تاريخ العنف في منطقة جنوب آسيا. من هنا يبدي عبد الباسط تخوفا من أن «هذا الفيديو سيساعد تنظيم الدولة في سعيه من أجل التمدد عالميا، وسيشجع شبكته الدولية على الاحتفاظ بولائها للتنظيم المركزي وتنفيذ مزيد من العمليات باسمه».

ويحذر الباحث من أن تداعيات هذا الفيديو ستكون «واسعة النطاق». فعلى المدى القريب، سيساعد هذا المقطع على وقف النزيف الذي عانى منه تنظيم الدولة مؤخرا، وسيمنحه فرصة جيدة للتعافي. كما قد يؤدي إلى طفرة في العمليات التي يلهمها، أو يديرها التنظيم، فضلا عن أنه سيشجع الشبكات الجهادية الراديكالية، مثل «جماعة التوحيد الوطنية» في سريلانكا، على الارتباط به والقيام بعمليات باسمه. كما يحذر الباحث من أن تنظيم الدولة يتمتع بمهارات فائقة في الاستفادة من خطوط الصدع الطائفية والمجتمعية للتمدد في المساحات الخارجة عن هيمنة الحكومات في الدول الهشة مثل سريلانكا وباكستان وأفغانستان والصومال ونيجيريا والعراق وسوريا.

ويشير الباحث إلى أنه وبعد الانتكاسات الأخيرة  للتنظيم، ستتزايد توقعات تنظيم الدولة من فروعه الرسمية الثمانية في آسيا وأفريقيا، وشبكاته العشرين الممتدة حول العالم. ويعتبر «تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان» هو التنظيم الأكثر دموية وقوة في فروعه الثمانية. فمنذ تأسيسه، نجح هذا التنظيم في تنفيذ العديد من العمليات المهمة في أفغانستان وباكستان. كما أن أغلب كوادر هذا التنظيم أعضاء سابقون في «حركة طالبان باكستان». ومن ثم، فإنه من المتوقع أن تزداد الهجمات الإرهابية التي سينفذها هذا التنظيم، خاصة في ظل تصاعد احتمالات انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، وما سينتج عن ذلك من فراغ أمني وسياسي.

صورة ذات صلة

 ويخلص  الباحث في ختام مقاله إلى أن الوقت لا يزال مبكرا للغاية للحديث عن أي هزيمة لتنظيم الدولة الإسلامية، الذي لا يزال يشكل التهديد الأكبر للسلام والأمن العالميين. وسيتطلب الأمر مزيدا من التعاون الاستخباراتي والتنسيق العملياتي ووضع استراتيجية واعية ومحكمة لمكافحة الإرهاب عن طريق تفكيك ما تبقى لدى تنظيم الدولة من قدرات عملياتية تسمح له بالارتباط بشبكات إسلامية أخرى، وإجهاض أي هجمات مستقبلية.

ويرى الباحث أن خسارة تنظيم الدولة للمناطق التي كان يسيطر عليها لم تترك تأثيرا عميقا على قدراته على تنفيذ هجمات إرهابية. ومن الآن فصاعدا، سيصبح تفكيك الأيديولوجيا الداعشية على ذات القدر من الأهمية لزعزعة قدراته العملياتية  والتنظيمية.   

*يمكن مطالعة النص الأصلي للمقال باللغة الإنجليزية من هنا

 

  

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock