منوعات

يعقوب صنّوع.. مسيرة إمام الصحافة الفكاهية وزعيم المسرح المصري (2)

قص علينا يعقوب صنّوع الصحفي والأديب والمسرحي المصري في الحلقة السابقة من حلقات «مسيرة إمام الصحافة الفكاهية وزعيم المسرح المصري»، كيف ولد وكيف دخل بيوت العظماء ينشر فيها ألوانا من الفنون الرفيعة، وروى لنا أنه كتب شعرا ونثرا في الصحف السيارة، وبشر فيما كتب بحضارة الشرق وعظمتها، وشرح كيف تمكن من خلق مدرسة من المدنيين والعسكريين الذين كان لهم في تاريخ مصر فيما بعد تاريخ.

وتحدث يعقوب صنّوع في أوراقه ووثائقه التي حققها الدكتور إبراهيم عبده المؤرخ الأبرز في تاريخ الصحافة عن بدايات مسرحه وعروضه التي أراد بها إشباع نفسه المطبوعة على الحكاية والرواية والنقد المباح، فكان نجاح عروضه المسرحية الإيطالية الثلاثة حافزا له على المضي فيما أهّله له طبعه، فعزم على أن يقيم مسرحا قوميا مصريا، وهو عمل فني لم يسبقه إليه أحد في مصر.

وفي هذا يقول الدكتور إبراهيم عبده «لم يكن إنشاء مسرح مشروعا سهل التنفيذ، لكن صنّوع توكل حين عزم، متشجعا بما يبديه الخديوي إسماعيل من تأييد للمسارح الفرنجية وفي مقدمتها الأوبرا الإيطالية والكوميدي فرانسيسز..كان ذلك سنة 1869 حين فكر يعقوب في تأسيس مسرح للوطنيين تعرض على خشبته  مسرحيات عربية، وكان ذلك حدثا جديدا، فإلى ذلك الحين لم يكن أحد قد كتب أو مثّل على مسرح وطني أمام نظارة أو متفرجين».

الخديوي إسماعيل

أول «فودفيل» مصرية

ويروي يعقوب صنّوع (1839- 1912) عن بدايات مشروعه المسرحي فيقول: «ألفت حينئذ فودفيل قصيرة (عروض مسرحية من فصل واحد يتخللها حوار فكاهي وحركات هزلية) تضمنت أشعارا ملحنة تلحينا شعبيا، عُرضت تلك الفودفيل في القصر أمام الباشوات والبكوات فضحكوا لها من أعماق قلبوهم وشجعوني على عرضها في حديقة الأزبكية».

تمكن صنوع من تكوين فرقته المسرحية خلال أسبوعين من بعض تلاميذه الذين تترواح أعمارههم بين السادسة عشر والعشرين، وهم جميعا من الذكور، وتخصص واحد منهم في تمثيل أدوار النساء، ثم أقيمت الحفلة الأولى وحضرها رجال البلاط والوزراء وأقبل معهم أكثر من ثلاثة آلاف مشاهد بين أوربي مقيم  ووطني أصيل ليشاهدوا هذه البدعة الجديدة «مسرح باللغة العربية».

ويحدثنا أبو نظارة عن عرضه المسرحي الأول فيقول: «حفظ الممثلون الشبان أدوارهم عن ظهر قلب، لكنهم كانوا يرتعدون خوفا قبل رفع الستار ،فرأيت أن أشجعهم، ووقفت على خشبة المسرح، وقدمتهم للجمهور وطلبت منه أن يغض الطرف عن الهفوات التي تصاحب التجربة الأولى لأول فرقة تمثيلية عربية في مصر، وأكملت خطابي عن فوائد ومباهج المسرح وختمته بمدح الخديوي».

أعادت تلك الخطبة الثقة في قلوب الممثلين فأدوا أدوارهم كما لو كانوا أهل خبرة، ويذكر يعقوب «أن حماس الجمهور في ذلك اليوم لم يكن يوصف، فطلبوا منه إعادة ثلثي مناظر الفودفيل وحملوه على أكتافهم فبكى لأول مرة من الفرح».

اضطهاد «موليير مصر»

وبعد فترة تمكن يعقوب من تكوين فرقة مسرحية محترفة ضمت العنصر النسائي ليقوم بالتمثيل بدلا من الرجال المتنكرين في ثياب النساء، حيث عثر على فتاتين فقيريتن ودربهما على التمثيل في شهر واحد، وأديا لأول مرة أدوارا قصيرة خصصها لهما في المسرحية، وقد كان لظهورها بالغ الأثر في نفس الجمهور الذي استقبلهما بالتشجيع والتاييد.

ويقول الدكتور إبراهيم عبده أن «إنشاء مسرح عربي في عهد إسماعيل كان مجازفة تعرض فيها صاحبها لتزمت المتزمتين وخصومة الرجعيين ومحاربي البدع، وما أعجبها من بدعة تصرف الناس عن العمل الصالح في عرفهم، وتبيح وقوف الأنثى إلى جانب الرجل تطارحه علانية الغرام ويطارحها الحب والهيام، لذلك يعتبر نجاح يعقوب في مسرحه انتصارا رائعا للفن وهزيمة مروعة لأهل الرجعية وهم كثيرون».

ظل مسرح صنوع يعمل لعامين، عرض فيهما على خشبته 32 مسرحية من تأليفه، منها الملهاة ذات الفصل الواحد والمأساة ذات الفصول الخمسة، إلى جانب كثير من المسرحيات التي ترجمت عن الفرنسية، «بعد مضي أربعة شهور على تأسيس مسرحي، دعاني الخديوي إسماعيل وفرقتي لأمثل على مسرحه الخاص في القصر، وقد مثلت ثلاث روايات وهي (آنسة على الموضة) و(غندور مصر) و(الضرتان) وكانت كلها من نوع الملهاة الأخلاقية، وبعد أن شاهد الملهاة الأولى والثانية استدعاني الخديوي وقال لي أمام وزرائه ورجال حاشيته أنت مولييرنا وسيخلد التاريخ اسمك»، يقول صنوع.

ويضيف: «بيد أنه عندما شاهد الملهاة الثالثة (الضرتان) وكانت تكشف مساوئ تعدد الزوجات، وأنه سبب التصدع الذي يحدث في الأسر بل سبب الجرائم التي تغشاها، تحول سرور الخديوي إلى غضب وأرسل يطلبني قائلا بلهجة تهكمية «سيدي موليير مصر إن كانت بنيتك لا تحتمل إرضاء أكثر من أمرأة واحدة فلا تجعل الغير يفعل مثلك»، وقد وجد رجال الحاشية كلام سيدهم في محله فنصحوني بأن أشطب هذه المسرحية من قائمتي على الرغم من تقديمي إياها للجمهور ثلاثا وخمسين مرة، ولكنني اضطررت إلى الرضوخ إبقاء على حياة مسرح».

وبعد أكثر من مائتي عرض، طلب الخديوي من صنوع أن يمثل ثلاث قطع في حفلة ساهرة كبرى، وقد نال إعجاب الحضور، وعلى رأسهم إسماعيل الذي صفق لها كثيرا، غير أن كبار الجالية الإنجليزية الذين حضروا العرض لاحظوا سخرية صنوع اللاذعة من الشخصية الإنجليزية التي جُسدت في العرض باسم جون بول، فحفظوها له ومضوا يدسون له عند الخديوي حتى أقنعوه بأن مسرحيات أبو نظارة تتضمن تلميحات وإيماءات خفية ضد سياسته وسياسة الحكومة، وفيها خطر عاجل على نظام الحكم ومقدرات البلاد، فما كان من إسماعيل إلا أنه أمر بإغلاق المسرح.

ومنذ تلك الواقعة بدأت محطات اضطهاد يعقوب صنوع من قبل الخديوي وحكومته، «رأت الحكومة أن ضحكات يعقوب مثيرة للخواطر ودموعه مهيجة للأفكار»، يقول محرر جريدة «saturday review» في مقال نشره عن مسيرة يعقوب نهايات القرن التاسع عشر.

  أغلقوا مسرحه وضيقوا عليه

كان إغلاق مسرح صنوع مفرق الطرق بينه وبين إسماعيل، فبعد إغلاق المسرح أغلقت أبواب الوظائف العامة أمامه وتعقبه المسئولون في الصحف القليلة التي كانت تصدر في ذلك الوقت، وأشهروا عليه حربا حالت بينه وبين الكتابة فيها، لكنه صمد وبحث عن نشاط ثقافي وطني يلائم ذوقه وحسه، فأسس جمعيتين علميتين أدبيتين، سميت الأولى «محفل التقدم» والثانية «محفل محبي العلم»، وهما جمعيتان تعتبران في رأي البعض نواة الحزب الوطني القديم.

ويروي أبو نظارة عن المتاعب التي صادفته في الجمعيتين ودور الإنجليز في القضاء عليهما ويقول: «كان تاريخ فرنسا وآدابها من الموضوعات الرئيسية لمحاضراتي مما ضايق الإنجليز الذين كانوا يريدون أن أدعو لنفوذهم، فقرروا الانتقام مني، ونجحوا بوسائلهم الوضيعة في أن يلقوا في روع الخديوي أن هاتين الجمعيتين مركزان للثورة، فما كان منه إلا أن منع التلاميذ والطلبة والعلماء من حضور اجتماعاتنا وأضطرت الجمعيتان إلى إغلاق أبوابهما»، وهكذا أغلق إسماعيل المتنفس الثاني أمام صنوع عام 1874.

«قضي على المتنفس الأول وهو مسرحه الذي كان يعبر على خشبته عن لواعج نفسه، وقضى على الجمعيتين اللتين كان يتردد عليهما الكثير من الساخطين المتبرمين، وظن إسماعيل أنه قضى على كل ناد للأحرار، وأنه تغلب على المعارضة أفرادا وجماعات، وكان الناس إذا تحدثوا برأي جديد أو نقدوا فكرة من أفكار الحاشية الطائشة نالهم من غضب الخديو الشئ الكثير، وفي مقدمة ما نال معارضي إسماعيل مصادرة أملاكهم، ولم يسلم منهم حتى عمه حليم الذي صادر أملاكه ونفاه، وجعله بذلك قبلة الأحرار من المصريين»، يصف المؤرخ إبراهيم عبده الحالة العامة في مصر في ذلك الوقت وما صحابها من تضييق على الحريات.

لم يمنع الخوف والذعر عامة المصريين من التحدث عن الفساد الذي استشرى في البلاد، فكانوا يتتبعون الأخبار السياسية والأقتصادية من الأجانب المقيمين أو الوافدين، ويقبل بعضهم على قراءة تلك الأخبار في الصحف الأجنبية أو برقيات وكالات الأنباء، مما دفع إسماعيل إلى منع طبع البرقيات التي تأتي من أوربا أو ترجمتها إلى اللغة العربية، مع ذلك أخذ البعض على عاتقهم ترجمة ونشر برقيات الوكالات ومقالات الصحف الأجنبية.

هدنة قصيرة بين صنوع والخديوي

ويضيف إبراهيم عبده في كتابه المرجع الصادر عام 1953 «يعقوب صنوع إمام الصحافة الفكاهية وزعيم المسرح العربي»: «مضى أبو نظارة مساهما في ذلك كله، عائلا لأمه وشقيقته متحملا مصابع الحياة واضطهاد الحكومة، حتى استفزت أقواله وأفعاله غضب الخديو فقال: إن هذا الموليير المعتوه بخطبه وأشعاره يفتح أعين رعاياي أكثر مما يجب، وان لم أقض عليه فلن أستطيع الحكم ولن يطعني أحد».

ومع تصاعد الخلاف تدخل أحد رجال الحاشية وهو الأديب أحمد خيري باشا «مكتوبجي الحضرة الخديوية» والذي كانت تربطه صلات برجال الأدب منذ أن كان محررا لـ«الوقائع المصرية». تمكن خيري باشا من تهدئة الأجواء، واشترط الخديوي أن يعتدل يعقوب في كتاباته وخطبه وهو ما قبله صنوع، «هكذا عدت إلى ما كنت عليه من قبل، أي شاعر للبلاط وكنت أبعث بشعري في مناسبات الأفراح وأعياد الميلاد».

 أتاح قرب أبو نظارة من القصر من أن يشاهد، كما يقول، «جميع جرائم إسماعيل عن كثب، وإن عشت فلسوف أنشر أفعاله الوحشية التي سترتعد لهولها فرائص العالم أجمع»، ولما أتيحت له الفرصة بدأ في مهاجمة الخديوي، وذهب إلى المحافل يخطب ناقدا سياسته وإسرافه في فرض الضرائب على المصريين، وسوء إدارته الاقتصادية للبلاد والتي ضاعفت الديون، وحكي أنه نشر العديد من المقالات في هذا الموضوع، فتصاعد الخلاف، وأغلقت في وجه أبواب المحافل وهددت الصحف بالتعطيل أن أعطته فرصة للكتابة.

شعر شريف باشا ناظر الخارجية بخطر الحملة التي يشنها صنوع على الخديوي، فأشار على مولاه بأن يصحح الوضع ويلتمس لهذا التصحيح وسيلة ترضي أبو نظارة، فأجابه الخديوي قائلا: «إن لم يسكت هذا المغرور فإني سأعرف كيف أسكته، وإن ضايقني أكثر مما ينبغي فأني سأسحقه بين أصابعي كما يسحق البرغوث».

رحلة «أبو نظارة» مع صحافة الفكاهة

ولما وجد أبو نظارة أن الصحف قد أوصدت أبوابها أمامه، قرر أن ينشئ صحيفته الخاصة، فتواصل مع القنصلية الإيطالية فنال حمايتها وأصدر صحيفة هزلية باللغة الفرنسية سمّاها «البعوضة»، ثم أسس أخرى باللغة الإيطالية سماها «النظارة»، ثم أصدر بعد ذلك صحيفة بثماني لغات وهي «الثرثار المصري»، وكانت تلك الصحيفة هي أوسع الجرائد انتشارا في هذا العصر ولقيت رواجا في جميع الأوساط، بحسب وصفه، حتى تنبهت لها الحكومة فقررت إغلاقها.

مرة أخرى وجد يعقوب نفسه من غير قلم، واعتكف في منزله، حتى نصحه بعض أصدقائه القريبين من القصر أن يخفف من حدة خصومته للخديوي، فاستمع لهم، وتمكن بعد تلك الهدنة من إصدار مجلة «أبو نظارة» وخرج عددها الأول في 1878، واتخذ لها شعارا «جريدة مسليات ومضحكات».

ويقول الدكتور إبراهيم عبده إنه لم يجد للعدد الأول من «أبو نظارة» ولا من الأعداد التالية التي صدرت في مصر وعددها 15 عددا في أي مكتبة في العالم أي نسخة حيث حرقت كلها في عهد إسماعيل ولم يحتفظ بها أحد، وهو ما فتح الباب بعد ذلك للتشكيك في رواية صنوع. ويشير عبده إلى أنه حصل على أعداد «أبو نظارة» من مخطوط كتبه صنوع مطابقا للأصل الذي صدرت به تلك الأعداد.

ويحكي صنوع عن الظروف التي أوحت له باسم مجلته، فيذكر أنه اجتمع طويلا بالسيد جمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده لاختيار الاسم المناسب، وبالرغم من هذا الاجتماع الطويل فإنه ترك بيت الأفغاني صفرا من أي اسم، فأحاط به المكارية – أصحاب الدواب التي كانت تستخدم في التنقل- وكل واحد منهم يريد أن يختار حماره ويقول له «تعالى يا ابو نظارة» وهكذا وجد يعقوب اسم صحيفته.

       محمد عبده                                           جمال الدين الافغاني

وقياسا على ما كان يتبعه الصحفيون في ذلك العهد، قدم يعقوب لصحيفته بافتتاحية دعا فيها الجمهور إلى نبذ التعصب والتمسك بالعلم والعمل حتى يتمكنوا من إصلاح هذا البلد بـ«أنوار المعارف التي قد نالوها في عهد خديويهم المعظم».

وضع صنوع في تلك الافتتاحية رسالة الجريدة وخطتها، ووصفها الدكتور إبراهيم عبده بإنها ركيكة بل أنها أضعف ما كتبه يعقوب أسلوبا وعبارة، «لم يترك أبو نظارة في عدد من أعداد صحفه إلا ويذكر لنا شيئا من ذكرياته ومشاهداته، ومضي في ذلك نحو ثلاثين عاما، فإذا فرغ من ذلك شغلنا بمحاوراته الفكاهية التي جرت بينه وبين (أبو خليل) و(أبو الشكر) و(الصدفجي) أو غير ذلك من أسماء التي صنعها ليحاورها، وأحيانا يختفي أبو نظارة من هذه المحاوارت ويتركها على لسان آخر، فكثيرا ما وجدنا مستر بول يحاور أبي الشكر المصري في موضوعات شغلت معظم الخمسة عشر عددا التي صدرت في مصر».

قدم أبو نظارة في الأعداد الاولى فصولا تمثيلية فيها نقدا للحياة الاجتماعية والسياسية في مصر، لكنه تجنب عدم الإساءة للخديوي وحكومته وبطانته، ثم مع الوقت صور يعقوب في محاوراته مدى الظلم والعبث بحياة الأفراد والجماعات في عهد إسماعيل وإن أرجعها إلى تاريخ قديم، ثم يمضي بعد ذلك في أعداد تالية حاملا على الفساد، مستدعيا من الماضي قصص وحكايات بها إسقاط نقدي على الواقع.

عودة إلى الهجوم على «شيخ الحارة»

من العدد السادس بدأت الجريدة تعبر تعبيرا صريحا عن الساخطين على الحكم وأساليبه، الرافضين لتدخل الإنجليز في شئون البلاد. ويقول المؤرخ إبراهيم عبده أن صنوع: بدأ ينزل إلى ميدان السياسة سافرا بعد عدة أعداد من مجلته ولم يتورع عن مهاجمة الموظفين الفرنجة والأتراك، بل لم يتورع عن مهاجمة الوزراء والأمراء والخديوي نفسه بأسلوب ساخر فيه التواء مستخدما اسم مستعار وهو «شيخ الحارة» الذي يمثل الظلم والجور.

وبدأ العامة والخاصة يعرفون الأسماء المستعارة التي يستخدمها يعقوب في مجلته فـ«شيخ الحارة» هو الخديوي، و«أبو الغلب» هو الفلاح المصري و«شيخ التمن» هو الخليفة العثماني و«كريم حليم» هو الأمير حليم عم الخديوي القريب إلى قلب يعقوب وسائر المصريين والذي اُتهم بأنه يدس لابن أخيه ويثور الناس ضده.

وفي العدد الخامس عشر انتقد أبو نظارة قسوة الحكومة واضطهادها له، وسجل ذلك المعنى في رده على «أبو خليل» إحدى شخصيات محاوراته حين سأله عن صحة ما أشيع عن سفره إلى الخارج فقال: «أعمل إيه هنا، بس أسمع كلام بارد يغم القلب أديني ضحكت إخواني بخمستاشر نمرة وعشمي أنهم ماينسونيش لكوني محب لهم وأفديهم بالروح».

«وهكذا عبر يعقوب صنّوع عن واقع حاله في تلك الكلمات القصار التي ذكرها في العدد الخامس عشر، وهي كلمات فيها من الصدق الشئ الكثير، فقد كانت مجلته صوتا رقيقا حينا، ومدويا حينا آخر.. كانت صوتا رقيقا بما احتوته من نكات وصور باسمه وأزجال لطيفة وبيان للحياة الاجتماعية بمباهجها ومفاتنها، وكانت صوتا مدويا بما اشتملت عليه من رواية الحقائق السياسية المرة وعرض لمساوئ الحكم ومظالم الأمراء والموظفين، وتبصير للمواطنين بحقوقهم وتشجيعهم على الجهر بالشكوى إن لم يستطيعوا الثورة على الظالمين»، يقول المؤرخ إبراهيم عبده في كتابه.

  • كم مرة تعرض أبو نظارة للاغتيال على يد رجال الخديوي؟ وكيف أغلقت مجلته؟ ولماذا انتقل إلى باريس؟

«أصوات أونلاين» تعرض في الحلقة القادمة المحطة الأخيرة من حياة يعقوب صنّوع في مصر، وقصة نفيه إلى باريس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock