مختارات

العنف والمجتمع في مؤتمر الجمعية التاريخية المصرية

عقدت الجمعية المصرية للدراسات التاريخية أخيراً مؤتمرها السنوي تحت عنوان «العنف والمجتمع عبر العصور»، وناقش 18 ورقة بحثية، حاولت سبر أغوار هذه الظاهرة. ففي محور التاريخ القديم قدم الباحث حندوقة إبراهيم فرج ورقة بحثية بعنوان «العنف في عصور ما قبل التاريخ بإفريقيا الرسوم الصخرية نموذجاً». سعى من خلالها الباحث إلى الاستفادة من الرسوم ذات الموضوعات المختلفة، التي خلَّفها سكان إفريقيا القدماء- في عصر سبق عصر الكتابة- للتعرف على أشكال العنف في العصور القديمة، وبخاصة العنف المسلح، كما بذل الباحث الجهد الأكبر للوصول لأسباب ظاهرة العنف المسلح في إفريقيا القديمة.

كما أوضحت الباحثة هند عبد المجيد الفقي في ورقتها حول «مظاهر العنف الديني في مصر والسودان القديم» أن التعصب الديني لم يكن من سمات الحضارة القديمة في مصر والسودان، لكن وجدت بعض الحوادث بشكل عرضي في مصر كما حدث لفترة قصيرة بعد عصر الأسرة الأولى خلال فترة الفوضى السياسية. أما في السودان فقد وجدت الظاهرة بشكل واضح خلال الفترة الكلاسيكية 1700 إلى 1500 قبل الميلاد، ومن مظاهر العنف خلال تلك الفترة في السودان ما عرف بالقتل الطقسي للإنسان كنوع من العقوبة أو التقرب من الآلهة أو مقاومة التغيير، وفي مصر تعرض أتباع ديانة التوحيد للإبادة بمجرد وفاة اخناتون.

ومن البحوث التي ألقيت ملخصاتها في محور التاريخ الوسيط ورقة الباحث محمد أحمد إبراهيم بحثه بعنوان «استخدام العنف في الصراع السياسي في العصر الفاطمي»، تعرضت الورقة لأسباب العنف ذي الطابع السياسي خلال العصر الفاطمي ومراحله وأثرها، كما ألقت الورقة أضواء كاشفة على أشكال العنف وممارساته ودور نساء القصر وتدخلهم في هذه الصراعات بأشكال مختلفة.

وكانت الورقة التالية حول «وسائل التخلص من المعارضين في العصر العباسي» حرق الأحياء نموذجاً للباحثة شيماء أحمد صالح، أوضحت فيها أسباب التوسع في استخدام هذه العقوبة البشعة للتخلص من معارضي الدولة للحد من خطورة المعارضين فكرياً أو سياسياً، وفي أحايين كثيرة تمت تصفية الخلافات الشخصية تحت مسمى معارضة الدولة، وخاصة إذا كانت هذه الخلافات مع أحد أفراد الأسرة المالكة.

واهتمت ورقة الباحثة هدى محمد التونسي بموضوع «اغتيال وزراء العراق في عصر النفوذ التركي 232-334هـ» والتي دارت حول محاور أربعة: مفهوم الاغتيال وأبعاده السياسية، تبعه أحوال الخلافة العباسية في عصر النفوذ التركي ثم عمليات الاغتيال التي تعرض لها الوزراء وأخيراً هذه الظاهرة على المجتمع، وأكدت الباحثة أن هذه الظاهرة واحدة من تبعات ضعف سلطة الخلفاء العباسيين وتنامي نفوذ القادة الأتراك منذ عصر المعتصم بالله حتى صار الوزراء ألعوبة في يد القادة الأتراك للجيش العباسي.

كما اكتوت أسوان الجميلة بنار العنف وظهر ذلك في ورقة «أسوان ميدان للعنف السياسي من بداية الفتح الإسلامي لمصر حتى نهاية العصر المملوكي» للباحث محمد خليفة ركابي، الذي أوضح أثر موقع أسوان الحدودي في جعلها ميدان للعنف ذي الطابع السياسي من قبل قبائل البجاة والنوبة الرافضة للسلطة المركزية في القاهرة، حيث جرت الدماء أنهاراً، نتيجة هذا العنف خلال فترة الدراسة وبخاصة في الفترات الانتقالية بين الدول، حيث لجأ إليها المغامرون أملاً في اتخاذها موطئ قدم ينطلقون منه لتشكيل كيانات سياسية في ظل انشغال السلطة المركزية في فترات الاضطرابات والتحول.

وفي محور العنف في التاريخ الحديث قُدّمت العديد من الأوراق منها «العنف والمجتمع في دلتا مصر العثمانية» للباحثة ناصرة عبد المتجلي إبراهيم التي اهتمت بدراسة هذه الظاهرة وبخاصة في مصر العثمانية في ظل ضعف سلطة الدولة وتصاعد نفوذ العربان الذين توسعوا في الهجوم على قرى الدلتا بشكل فردي أو جماعي بغرض السلب والنهب وترتب على هذا العنف خراب كثير في القرى وبعض المدن بجانب كثير من المتوفين، ما أدى على نطاق واسع لتغير التركيبة السكانية لساكني الدلتا في العديد من المناطق مثل: المنصورة ودمياط والبحيرة والاسكندرية.

أما عن «عنف جامعي الضرائب وأثره في السودان في عهد الخديوي إسماعيل قراءة في محافظ أبحاث السودان» فقد جاء البحث المشترك بين الباحثة صفاء علي إبراهيم والباحث بدوي رياض عبد السميع، أوضح الباحثان خلال هذه الورقة جوانب من وسائل جمع الضرائب في السودان إبان حكم الخديوي إسماعيل وما شابها أحياناً من عنف من قبل الموكلين بجمع هذه الضرائب، سواء كانوا من شيوخ القبائل السودانية الموكلة بجمع الضرائب المشهورين باسم باشبوزق أم عن طريق قوة عسكرية تجبر من تقاعس على دفع ما عليه من ضريبة، وقد أدت شدة جامعي الضرائب لردود فعل عنيفة من قبل الأهالي في بعض المناطق، وترتب على ردود أفعال الأهالي موقفاً مختلفاً من الحكومة الخديوية بعضها اتجه للتخفيف عن الأهالي وبعضها استخدم القوة العسكرية لإجبارهم على الخضوع للحكومة ولجامعي الضرائب.

وقدّم الباحث العراقي جبران إسكندر رفيق ورقة بعنوان «العنف السياسي في حكومة نوري السعيد»، تناول البحث بالدراسة كيفية ممارسة حكومة نوري السعيد للعنف السياسي والذي هدف من ورائه إلى إضعاف الحركة الوطنية العراقية في منتصف الخمسينات المتأثرة بثورة يوليو المصرية، تلك الحركة التي حققت بعض الانتصارات في أعقاب انتفاضة عام 1952، وقد تجلت إجراءات نوري السعيد في صورة عدد من المراسيم التي نفذت بشكل عنيف لإخماد صعود الجماهير العراقية المنادية بالعدل والحرية.

وحول العنف في إثيوبيا دارت ورقة «عصابات الشفتا الإثيوبية وأثرها على المجتمع الأرتري» للباحث بدوي رياض عبد السميع، الذي أوضح أن عصابات الشفتا كانت أداة عنيفة في يد الحكومة الإثيوبية زمن هيلاسلاسي لإجبار الشعب الأرتري لقبول خضوعهم للحكومة الاثيوبية في وقت كانت فيه قضية أرتريا معروضة على الأمم المتحدة، وبدءاً من عام 1951 تم حصر 130 عملية قامت بها عصابات الشفتا ضد الزعماء الأرتريين وقادة الرأي. وعلى رغم اعتراف رئيس وزراء إثيوبيا بأن عصابات الشفتا عصابات إرهابية تحت الضغط الدولي إلا أن وسائل الإعلام الإثيوبية كانت تصف الشفتا بالوطنيين الذين كوفئوا بعد صدور قرار الأمم المتحدة عام 1950 بالكونفيديرالية بين إثيوبيا وأرتريا بمنحهم الجنسية الإثيوبية.

أما ورقة «العنف والمجتمع في إثيوبيا الأورومو في عهد مانجستو هايلامارم نموذجاً» للباحثة شرين مبارك فضل الله، فقد ألقت الباحثة الضوء على ما تعرضت له قومية الأورومو الإثيوبية من عنف ممنهج من قبل الدولة بغرض حرمانها من كثير من الامتيازات التي تتمتع بها قومية الأمهرا، ومن ضمن مظاهر العنف التي تعرضت لها قومية الأورومو سياسة الاستيعاب القسري من قبل الحكومة وحرمان أبنائها من الوظائف العليا وكثير من مظاهر الرفاهية، ولم يقف الأورومو مكتوفي الأيدي بل قابلوا العنف الحكومي بعنف مضاد، ما كبَّد الطرفين خسائر فادحة.

ومن الأوراق المهمة «العنف والإرهاب ضد العرب العمانيين في زنجبار خلال ثورة 1964» للباحث أحمد عبد الدايم حسين. يرصد الباحث أسباب ثورة الأفارقة ضد الحكام العرب في زنجبار عام 1964 وما واكب هذه الثورة من عنف رهيب حيال العرب العمانيين والأطراف المتورطة في عمليات الإبادة والطرد والتشريد ونتائج هذا العنف بشكل عام. ومن الجدير بالذكر أنه خلال هذه الثورة شرد 15 ألف عماني ناهيك عن الجرحى والفارين بأنفسهم لا يمكن حصرهم.

أما عن «العنف في العراق 1958- 1963» فقدمها الباحث العراقي أحمد راشد جريزي، الذي سلط الضوء على توابع الانقسام في الرأي العام العراقي الذي تبع ثورة 14 تموز (يوليو) 1958 بين حركة القوميين العرب وبين الحزب الشيوعي ومن انحاز له، نتج عن هذا الانقسام نوع من الاحتقان بين الطرفين نتج عنه موجات من العنف والإرهاب، ومن مظاهره سحق الحكومة لانتفاضة الموصل عام 1959 وكركوك لسحق الأكراد.

نقلا عن: الحياة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock