منوعات

حلمى شعراوى..سيرة مصرية أفريقية(2): مصر والطريق إلى قلب القارة السمراء

«شمال إفريقيا بلادنا، حريتها حريتنا .. بتلك العبارة اعتادت إذاعة صوت العرب، من قلب القاهرة، أن تطلق في الثامنة مساء كل يوم برنامجها الخاص بصوتها الجهوري، دعما لثورة الجزائر».. هكذا يواصل حلمي شعراوي عبر رواية سيرته الذاتية المعنونة، «حلمي شعراوي.. سيرة مصرية إفريقية» عرضه لرحلة علاقته بإفريقيا، والدور الذي لعبته مصر الناصرية في دعم حركات التحرر الوطني في القارة السمراء.

يشير شعراوي إلى أن علاقته مع إفريقيا بدأت منذ سنوات شبابه الأولى، حين اصطحبه أحد رفاقه إلى «الرابطة الإفريقية» بحي الزمالك بالقاهرة، ذلك المكان الذي شهد بداية معرفة شعراوى بالواقع الإفريقي بكل تفاصيله وتعقيداته الاجتماعية والسياسية.

إقرأ أيضا:

حلمي شعراوي.. سيرة مصرية إفريقية(1): صفحات من حياة عاشق إفريقيا

 

من العمل التطوعي «بالرابطة الإفريقية» إلى الإشراف على بيت الضيافة الخاص بالأفارقة في القاهرة والذي عرف بـ«بيت شرق إفريقيا»، ينتقل شعراوى حيث التحق بدائرة الشئون الإفريقية برئاسة الجمهورية، في أكتوبر 1959، ليصبح مسئولا عن متابعة دول شرق إفريقيا، في الوقت الذي أصبح فيه محمد فائق (وزير الإعلام الأسبق) مديرا لمكتب الرئيس جمال عبد الناصر للشئون الإفريقية.

محمد فايق

لتبدأ جولات حلمي بالقارة السمراء حيث كانت أولى رحلاته إلى «تنجانيقا» (تنزانيا حاليا) للمشاركة ضمن الوفد المصري، باحتفالات استقلالها عام 1961. وعن تلك الرحلة، يشير حلمي إلى أنه اكتشف أن هناك الكثير من المبالغة فيما يتعلق بأثر اللغة العربية على اللغة «السواحيلية» التي يستخدمها أهالي «تنجانيقا»، إلا فيما ندر من كلمات مثال «جمهور وعسكري»، و«خباري» ومعناها «ما أخبارك»، و«أسنتو سانيا»، ومعناها «أحسنت».

أما رحلته الثانية فكانت إلى «زنجبار» للمشاركة في وفد مصر للاحتفال باستقلال «زنجبار» وذلك عام 1963، وبمشاركة العديد من الرموز المصرية، وكان من بينهم أنور السادات (الرئيس الراحل)، والقارىء الشيخ محمود خليل الحصري، وفرقة رضا للفنون الشعبية، وهنا يشير حلمي إلى أن زعيم زنجبار «الشيخ على محسن» آنذاك، أراد بهذا الاحتفال أن يُطبق المقولة الشائعة: «إن عزف المزمار في زنجبار، يرقص عليه الأفارقة على ساحل فيكتوريا».

الشيخ «على محسن» زعيم زنجبار

إلى قلب إفريقيا

«الخرطوم طريقي إلى قلب إفريقيا» هكذا يصف حلمي شعراوي علاقته بالسودان التي انتقل اليها للتدريس بجامعة جوبا، وذلك بعد إحالته إلى المعاش من عمله برئاسة الجمهورية عام 1975، وهو لم يزل في التاسعة والثلاثين، وتعرضه للكثير من الأزمات على يد نظام السادات، ليبدأ بذلك مرحلة جديدة من علاقته بإفريقيا.

رحلته إلى السودان شكلت نقلة نوعية في تشكيل وعي وفهم حلمي شعراوي لشعوب القارة السمراء، فهناك تعرف على المثقفين السودانيين بمختلف أطيافهم واتجاهاتهم، ومن خلال جامعة الخرطوم تعرف على مجال دراسات «الوحدة مع التنوع» التي يصفها شعرواوي بأنها مدرسة علمية تتبنى دراسة قضايا الطائفية والمذهبية والقبلية، وهو التنوع الذي لم تتم مراعاته من قبل حكام السودان والذين فشلوا في الحفاظ عليه موحدا نتيجة ذلك .فحكام السودان الإسلاميين، كما يرى شعراوي،  لم يكن مكان لديهم لأي تنوع أو تعدد.

عاصر حلمي بدايات الإقتتال بين جنوب وشمال السودان، وذلك عامى 1981/1982، حيث  كان يخرج شباب جوبا ممن يقولون «نحن ذاهبون للغابة»، أي لبدء القتال ضد الشمال، و حيث تطور الصراع وصولا لما أصبح «ثورة مسلحة» بقيادة الراحل «جون جارانج ». ورغم أن محاولات شعراوي، كما يشير، للتهدئة والمصالحة بين الطرفين، لم تنجح ، إلا أن علاقته بالجميع ظلت قوية، «تتسم بالثقة».

مصر وحركات التحرر الإفريقية

يروي حلمي شعراوي خلال الكتاب، الكثير عن دور مصر البارز في دعم ومساندة حركات التحرر الوطني بإفريقيا، وتشكيل سكرتارية تضامن الشعوب الإفريقية الآسيوية الدائمة بالقاهرة، في ربيع عام 1958، وكيف أن جمال عبد الناصر، قد أمر بتوفير مقر مناسب لها يليق بدور مصر في هذه الحركة، وكان قد تم إختيار يوسف السباعي أمينا عاما لهذه المنظمة.

مع تشكيل سكرتارية تضامن الشعوب الإفريقية الآسيوية الدائمة بالقاهرة، بدأ العديد من الزعماء الأفارقة يتوافدون على مصر، بشكل متكرر وشبه منتظم، وبهذا بدأت رحلة مصر في لعب الدور الأبرز في دعم حركات التحرر الوطني الأفريقية. وفي هذا الإطار يؤكد شعراوي أن زيارات الزعماء الأفارقة للقاهرة أعطت معنى خاصا ومباشرا لدور مصر على الساحة الأفريقية، بالإضافة لمعنى وجود حركات التحرير في مجملها.

زيارة عيد الناصر لإفريقيا

 ويشير حلمي شعراوي في كتابه إلى أن إهتمام عبد الناصر بالقارة الافريقية وقضاياها بدأ مبكرا، حيث دعا لتأسيس لجنة عليا تمارس عملها تحت مظلة مجلس قيادة الثورة، في يناير من عام ١٩٥٦، وهي اللجنة التي أطلق عليها اسم «اللجنة العليا للإشراف على الشئون الإفريقية» وضمت في عضويتها زكريا محيي الدين، وعبد المنعم القيسوني ومحمد سيف اليزل خليفة.

زكريا محي الدين

ويستعرض شعراوي وثيقة تأسيس هذه اللجنة التي يرى أنها كانت تحمل في طياتها رؤية القيادة المصرية لآليات العمل في مجال دعم ومساندة حركات التحرر الوطني بمختلف البلدان الإفريقية، وهي الرؤية التي حكمت علاقة مصر بتلك الحركات على إمتداد حكم الرئيس عبد الناصر. وتتضمن تلك الرؤية عدة محاور واليات لتعزيز علاقات مصر الأفريقية بعضها له جانب سياسي والبعض الآخر يتعلق بالأهداف الاقتصادية، إلى جانب البعد الثالث المتعلق بالتوجهات الثقافية.

 وقد كان من بين تلك الآليات، الاتفاق على إقامة مؤتمر إفريقي سنوي يعقد بالقاهرة لمناقشة أهم مشكلات القارة، مع التأكيد على أهمية تأسيس معهد للدراسات الإفريقية من شأنه القيام بدور فاعل في مجال الدراسات الخاصة بالواقع الإفريقي، والعمل على إقامة خدمات القنصلية عند إستقلال أي من البلدان الإفريقية، إضافة لنشاط البعثات ذات الطابع الاقتصادي والثقافي والفني على حدا سواء، مع دعم الإذاعة المصرية وإنشاء إذاعة متخصصة بها تحمل اسم «صوت إفريقيا» على غرار إذاعة «صوت العرب».

ويشير شعراوي، في هذا الصدد، إلى أن الثورة الجزائرية شدت إنتباه القيادة المصرية بشكل خاص، وذلك حرصا منها على تأكيد أهمية مواجهة فرنسا في الجزائر وشمال إفريقيا، بعد عدوانها على مصر عام 56، فتم تكريس كامل الجهود المصرية على المستويين الرسمي والشعبي لدعم نضال الشعب الجزائري. ولم يكن النداء اليومي المتكرر لإذاعة صوت العرب، «شمال إفريقيا بلادنا، حريتها حريتنا» إلا تأكيدا لهذا الدعم. وفي ذات السياق جاء إنتاج فيلم  «جميلة بو حريد» للمخرج يوسف شاهين، تعبيرا عن ذلك الدعم المصري للشعب الجزائري. 

جزء من فيلم جميلة بوحريد

 لكن شعراوي يقول إنه، وبشكل شخصي، كان يولي إهتماما خاصا بالدكتور فليكس مومي زعيم الكاميرون، الذي كان يقاوم الفرنسيين في الجبال مثله مثل الجزائريين، وكان هدفه ضرب نفوذ عملاء فرنسا كما كان ذلك هدف مصر، إلا أن الإعلام لم يكن يعطي إهتماما يذكر لمثل هذا الرجل، الذي كان يحتل مكانة خاصة بين الأفارقة، والذي مثل تهديدا حقيقيا للمصالح الفرنسية، لذا قتل مسموما في سويسرا.

 ويستعرض شعراوي في كتاب سيرة حياته، كيف رحبت مصر قيادة وشعبا بخروج غينيا على النفوذ الفرنسي، معلنة إستقلالها من جانب واحد في أكتوبر ١٩٥٨، حيث أعقب هذا الإعلان إرسال العديد من الوفود المصرية إلى غينيا لتحية هذا الإستقلال وإبداء الرغبة في تقديم مختلف سبل الدعم والمساندة للدولة الوليدة.

ويضيف أنه وبموجب النفوذ العروبي والإفريقي لجمال عبد الناصر، بدأت مصر تعالج أزمة الكونغو لتواجه بذلك سيطرة الغرب على الأوضاع بها، وذلك عبر «مجموعة الدار البيضاء» التي كانت تضم إلى جانب مصر، المغرب وحكومة الجزائر المؤقتة وغانا وغينيا ومالي.

زيارة جميلة بوحريد لمصر

منظمة الوحدة الأفريقية

 وفي إطار هذه الرؤية المصرية  لأفريقيا ، فقد سعت مصر عبد الناصر،إلى جانب غينيا وإثيوبيا  لإنشاء «منظمة الوحدة الإفريقية» بأديس أبابا عام ١٩٦٣، كتنظيم إقليمي يضم حوالي ثلاثا وثلاثين دولة، أصبحت الآن خمسا وخمسون دولة، وقد ظل نفوذ مصر بهذه المنظمة كبيرا حتى نكسة ١٩٦٧. وكان تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية نقطة إنطلاق مهمة في مسار حركات التحرر الوطني بإفريقيا، وقد استجاب قادة العالم الإفريقي لدعوة مصر بأن تكون القاهرة هي العاصمة التالية لاجتماع وصف بأنه  اجتماع القمة الأول لمنظمة الوحدة الإفريقية وذلك في مايو عام ١٩٦٤. وتأكيدا لدور وفعالية المنظمة في مواجهة الإستعمار شكلت القمة «لجنة التنسيق لتحرير المستعمرات» ومقرها دار السلام كأقرب نقطة للمناطق المستعمرة والاستعمار الاستيطاني، حيث قررت مساعدتها بالسلاح والتدريب من الدول الإفريقية.

 كانت تلك الأيام كما يصفها حلمي شعراوي «أمجد أيام النشاط الإفريقي» بالقاهرة. ومن ثم أصبحت مكاتب حركات التحرر الإفريقية بالزمالك موضع إهتمام أكبر من قبل الإعلام المصري والعالمي.

وللحديث بقية..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock