منوعات

واشنطن وصناعة التطرف: حين التقت مصالح اليمين الأمريكى مع أهداف داعش

ماكس بلومينثال- كاتب صحفي أمريكي

*ترجمة وعرض أحمد بركات

«تنظيم القاعدة يخدم مصالحنا في سوريا».. كانت هذه هي النصيحة التي تلقتها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون عبر رسالة بالبريد الإلكتروني في فبراير 2012، من نائب رئيس هيئة الأركان في الجيش الأمريكي. تلك أيضا هي العبارة التي اختار الكاتب الصحفي ماكس بلومينثال أن يستهل بها كتابه الأخير The Management of Savagery: How America’s National Security State Fueled the Rise of Al Qaeda, ISIS and Donald Trump (إدارة التوحش: كيف غذت دولة الأمن القومي الأمريكية صعود القاعدة وداعش ودونالد ترامب)، الذي صدر عن دار نشر «فيرسو» في بداية هذا العام.

 

ماكس بلومينثال

إدارة التوحش

تكشف هذه العبارة بجلاء عن العلاقة الوثيقة بين سياسة التدخل العسكري التي تنتهجها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وصعود بعض القوى الراديكالية الإسلامية، مثل تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام. كما تشتبك العبارة أيضا مع أحد محاور هذه الدراسة التي تَتَتَبَّع عقودا من الأحداث في أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا.

يتمثل الطرح الرئيس في هذا الكتاب في أن انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصعود القومية البيضاء المعادية للإسلام  في كل من أوربا والولايات المتحدة، هما نتيجة مباشرة للتدخل الأمريكي في أفغانستان في الفترة من عام 1979 إلى عام 1989 من خلال تسليح المجاهدين، وما تبع ذلك في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 على مركز التجارة العالمي، من غزو لكل من أفغانستان والعراق.

دونالد ترامب

يستعير بلومينثال عنوان الكتاب من بحث مهم صدر في عام 2004 بعنوان The Management of Savagery (إدارة التوحش) كتبه أحد المُنظّرين الجهاديين (اختار لنفسه اسما مستعارا «أبو بكر ناجي») ويقوم على رؤية صفرية تدعو إلى العنف. في هذا البحث، يؤكد ناجي أن الطريق إلى إقامة دولة إسلامية في المنطقة يمر عبر بوابات استغلال حالة الفوضى التي خلفتها حروب التغيير الأمريكية. ففي ظل هذه الفوضى، يستطيع الجهاديون تأسيس «إدارات التوحش» في المناطق النائية واستخدام تلك البؤر لمهاجمة مؤسسات الدولة.  

أبو بكر ناجي

في كتابه يؤكد بلومينثال أن ما ذهب اليه أبو بكر ناجي، «يتطابق مع أجندة تغيير الأنظمة التي وضعها  المتشددون في مؤسسات الأمن القومي الأمريكي في واشنطن»، وأن هذا البحث «يلفت إلى العلاقات التكافلية بين المتشددين (الأمريكيين) والجهاديين (الإسلاميين)». وهنا يرى المؤلف أن هذا التكافل تجاوز حدود الأيديولوجيا، و«ترسخ من خلال التعاون المباشر»، خاصة في ليبيا وسوريا، حيث وفرت الولايات المتحدة وقوى خارجية أخرى أسلحة وغطاء جويا للجهاديين.

 ولتعزيز هذا الطرح الذي يقدمه عن العلاقة الوطيدة بين المحافظين اليمينيين في مؤسسات الأمن القومي الأمريكي وبين المتشددين الجهاديين في الشرق الأوسط، يستدعي بلومينثال في أحد فصول الكتاب، مذكرات الجنرال الأمريكي السابق ويسلي كلارك التي يروي فيها تفاصيل لقائه في عام 1991 بالخبير الاستراتيجي في البنتاجون، وأحد رموز المحافظين الجدد، بول وولفويتز.

ويسلي كلارك                                           بول وولفويتز

في هذا اللقاء يخبر وولفويتز الجنرال كلارك بأنه «أما وقد وضعت الحرب الباردة أوزارها، فيمكننا الآن استخدام قواتنا العسكرية دون رادع من عقاب. لن يتدخل السوفيت لمنعنا، ولدينا الآن خمس سنوات، وربما عشر، لإزالة تلك الأنظمة السوفيتية القديمة بالوكالة، مثل العراق وسوريا، قبل صعود قوة عظمى جديدة تستطيع مجابهتنا».

ويضيف بلومينثال: «هكذا دارت رحى ’الحرب الأبدية‘، حيث لا تزال الفرق العسكرية والمساعدات العسكرية الأمريكية تقوم بدور مهم في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن والصومال».

ولا تتوقف انتقادات بلومينثال عند استراتيجيي المحافظين الجدد من الحزب الجمهوري، وإنما تتناول أيضا ما يسمى بـ «النزعة الإنسانية العسكرية» أو «سياسات التدخل الليبرالي» التي ينتهجها الديمقراطيون، خاصة سياسات إدارة الرئيس السابق باراك أوباما التي حولّت ليبيا إلى دولة فاشلة تتنازعها حكومات متصارعة وأحزاب متطرفة، وهو الوضع الذي وصفه  أوباما نفسه في عام 2016 بأنه “الخطأ الأفدح” الذي ارتكب في ولايته . وقد أدت تدخلات مشابهة في سوريا إلى تفاقم أزمة الحرب الأهلية

باراك أوباما

في هذا السياق يؤكد بلومينثال أنه «إذا كانت العناصر اليمينية المتطرفة في دولة الأمن القومي، مثل مجموعة المحافظين الجدد، التي مثلت حضورا طاغيا وتأثيرا عميقا في ولاية الرئيس جورج بوش الابن، تمتلك خطة لتغيير الأنظمة في بلدان الشرق الأوسط، فإن الأمر لا يختلف كثيرا لدى من يطلق عليهم «المنظرون العسكريون الإنسانيون». 

جورج بوش الابن

 ويشير بلومينثال، في هذا الصدد، إلى أن الكاتب البارز بصحيفة بصحيفة نيويورك تايمز، توماس فريدمان، يجسد هذه المقاربة بوضوح، عندما نصح إدارة ترامب بالتخلي عن مهاجمة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا حتى يتحول التنظيم الإرهابي إلى «صداع» في رأس الرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه في إيران وروسيا وحزب الله، «فهي ذات المنهجية التي دفعتنا إلى دعم وتشجيع المجاهدين لاستنزاف روسيا في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي»، كما يقول بلومينثال الذي يضيف. «وبتبنيه لهذه المقاربة، يستنسخ فريدمان مشروع مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق زبيجنيو بريجنسكي الذي دافع بقوة عن فكرة تحويل أفغانستان إلى فيتنام الاتحاد السوفيتي».  

بشار الأسد

أداة مفيدة

  يعتبر بلومينثال أيضا أن نصيحة فريدمان لإدارة ترامب تتطابق أيضا مع آراء مؤسسة الأمن القومي الإسرائيلية. ففي بحثه المعنون The Destruction of Islamic State is a Strategic Mistake (تدمير الدولة الإسلامية خطأ استراتيجي)، يؤكد إفرايم إنبار، مدير مركز بيجن – السادات للدراسات الاستراتيجية، أن تنظيم الدولة يمثل «أداة مفيدة» ضد النفوذ الإيراني في سوريا. ويكرر موشيه يعالون وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق الطرح ذاته حيث يقول «إذا كان الخيار في سوريا بين إيران وتنظيم الدولة الإسلامية، فسأختار تنظيم الدولة دون تردد».

إفرايم إنبار

 ويرى بلومينثال أن انتهاج هذه السياسة الواقعية من قبل قوى عالمية وإقليمية على كافة جوانب الصراع، أدي إلى كوارث إنسانية هائلة، وقتل مدنيين وأطفال، وإجراءات عقاب جماعي، وتعذيب، وخطف، وسجن، وأزمة لاجئين، وأزمات إنسانية بأبعاد وعلى نطاقات غير مسبوقة.

ربما تعرضت دراسات أخرى لنتائج تلك السياسات، مثل كتاب الصحفي الأيرلندي المتخصص في شئون الشرق الأوسط، باتريك كوكبورن، الذي حمل عنوان Chaos & Caliphate: Jihadis and the West in the Struggle for the Middle East (2016) (الفوضى والخلافة: الجهاديون والغرب في الصراع على الشرق الأوسط). لكن ما يجعل كتاب بلومينثال مختلفا هو دراسته المتعمقة لردة الفعل العكسية التي أحدثتها هذه السياسات الخارجية في السياسات الداخلية في أوربا والولايات المتحدة، خاصة ترسيخ مبدأ «أمريكا أولا» الذي أرساه ترامب والحركات القومية البيضاء المناهضة للإسلام في كلتا القارتين.  فكتاب بلومينثال ، يشتبك تحديدا مع الطريقة التي تبنت من خلالها هذه القوى اليمينية المتطرفة الأيديولوجيا الصهيونية  لدولة إسرائيل لإخفاء جذورها المعادية للسامية، في الوقت الذي تروج فيه لشعوبية معادية للمهاجرين ومعادية للإسلام ،وغير قادرة على إخفاء طابعها الأبيض العنصري البغيض.

باتريك كوكبورن

يمثل كتاب «إدارة التوحش» الكتاب الرابع لبلومينثال، فقد كان كتابه الأول بعنوان Republican Gomorrah: Inside the Movement that Shattered the Party داخل الحركة التي مزقت الحزب) (2009)،وقد حظي بإشادات كبيرة من قبل المحللين والمعلقين، وتربع على قائمة «كتاب نيو يورك تايمز الأكثر مبيعا». أما كتابه الثاني Goliath: Life and Loathing in Greater Israel (جالوت: الحياة والكراهية في إسرائيل الكبرى) (2013) فقد تعرض لتجاهل كبير من قبل وسائل الإعلام الرئيسية برغم حصوله على «جائزة مؤسسة لانان للحرية الثقافية» في عام 2014.

 ويُخشى أن يلقى كتاب «إدارة التوحش» مصيرا مشابها من الصمت الإعلامي، لا سيما أنه يفضح التقارير الإعلامية الزائفة والمنحازة عن الحرب الأهلية في سوريا. ففي هذا الكتاب يستند بلومينثال في تناوله للأزمة السورية، إلى دراسة أجراها ماكس أبراهامز، أستاذ العلوم السياسية بجامعة نورث إيسترن، والتي اعتمدت بدورها على مقابلات مهمة مع لاجئين سوريين تبين أن أغلبهم ترك البلاد خوفا من كلا الطرفين في الحرب السورية. كما أنه يشير  في الكتاب إلى تجاهل وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية بشكل كامل للتعاون بين من يطلق عليهم الثوار المعتدلون الموالون للولايات المتحدة في سوريا، وبين متطرفي تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية، برغم أن أحد تقارير صحيفة نيو يورك تايمز في أكتوبر 2012، كشف عن أن أغلب الأسلحة التي يتم إرسالها إلى هؤلاء الثوار ينتهي بها المطاف في أيدي المجاهدين المتشددين. ويخلص بلومينثال خلال قراءته المتوازنة للحرب الأهلية في سوريا، إلى أن الثورة الشعبية السورية أفسحت الطريق أمام «حرب أهلية ضروس غذت أوارها قوى خارجية خبيثة وسارت على أقدام طائفية بغيضة».

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا:

 

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock