مختارات

رحيل المفكر إمام عبدالفتاح.. الهيغلي الأخير

رحل أستاذ الفلسفة المصري إمام عبدالفتاح إمام، عن عمر ناهز 85 عاماً، بعد فترة مرض قصيرة. ونعى الفقيد عدد من أساتذة الفلسفة، وأبرزهم المفكر المصري حسن حنفي، الذي وصفه بـ«الصديق الجليل».
وقال الكاتب إبراهيم عبدالمجيد: «يحزنني حتى البكاء وفاة المفكر الفيلسوف إمام عبدالفتاح إمام أستاذي الذي لم أقابله وأستاذ الأجيال ومترجم هيغل أصعب الفلاسفة وصاحب كتاب «الطاغية» و«نساء فلاسفة» وشارح ودارس كيركغارد أصل الوجودية وغير ذلك كثير جدا». 

وكتب الناقد شعبان يوسف «الهيغلي الأخير، وداعاً أستاذ الفلسفة دكتور إمام عبد الفتاح إمام». وعبّر الشاعر زين العابدين فؤاد، عن حزنه قائلاً: «زميل قسم الفلسفة الدكتور إمام عبدالفتاح إمام غيّر عنوانه وسكن في كتبه وقلوب محبيه».

وعُرف الراحل بدراساته وترجماته حول أعمال الفيلسوف الألماني هيغل، منذ أن نال درجة الماجستير من آداب القاهرة، وموضوعها «المنهج الجدلي عند هيغل» بتقدير ممتاز العام 1968، كما نال درجة الدكتوراه من آداب عين شمس وموضوعها «تطور الجدل بعد هيغل» بمرتبة الشرف الأولى العام 1972. 

وكتب ذات مرة مقالاً بعنوان «تجربتي مع هيغل» قال فيه: 

«مريرة وممتعة في آن واحد، بدأت منذ فترة مبكرة، فكيف وصلت إلي هيغل؟ تخرجت من قسم الفلسفة العام 1957 – أنهيت التمهيدي العام 1958 وسجلت العام 1959 بدأت من عبارة لراسل يقول فيها أنه رغم الشروح الكثيرة ابتداء من أرسطو حتى كانط وهيغل على مصطلح المقولة، فأنني لم أفهم معناها علي وجه الدقة.

وما يقال عن مصطلح المقولة يقال عن مصطلح الجدل، بالغ الأهمية منذ أن ظهر مع بدايات الفلسفة الأولى، فهو مصطلح استخدم فيها قبل سقراط وما بعده – وفي الفلسفة اليونانية ثم العصر الوسيط ثم العصر الحديث، وبفضل الوجودية. والماركسية في الفلسفة المعاصرة كانت له أهم خاصة فأصبح هناك جدل الطبيعة وجدل المجتمع، وجدل للذات، وجدل للعلم، وجدل للعواطف، وجود للأفكار …

ومع ذلك فإذا تساءلنا ما الجدل؟ كانت الإجابة مستحيلة من دون دراسة للتاريخ الطويل الذي مرت به كلمة الجدل من أفلاطون حتى يومنا الراهن، في ما يقول سيدني هوك. فأعددت خطة لدراسة هذا الموضوع في بحث لدرجة الماجستير كان عنوانه «منطق الجدل» سرت معه من بدايته الأولى عند اليونان حتي وقتنا الراهن. ووافق عليه مجلس القسم ورفضه مجلس الكلية، وطلب مني اختصاره. ولما كان هيغل بما له من عمق واتساع وشمول ونفاذ، يصلح نقطة التقاء يصب عندها تيار الجدل القديم وينبع منها تيار الجدل المعاصر، فقد جعلت من الجدل الهيغلي موضوع بحثي للماجستير الذي كان عنوانه: «المنهج الجدلي عند هيغل …».

وهكذا بدأتُ أدرس هيغل. بدأت أجمع مؤلفاته من ثلاثة مصادر. مكتبة جامعة القاهرة وعين شمس، والزملاء من الخارج، وشراء ما أجده – وأدرس اللغة الألمانية.. كان أول كتاب عثرت عليه «ظاهريات الروح» – من الإنكليز أميركيين وشرعت أقرأ في نصوص هيغل لمدة عامين من دون أن أفهم شيئا – فلجأت إلى التفسيرات والشروح لكني لم أتقدم خطوة واحدة. ولم تكن صعوبة الفهم راجعة إلى وعورة المصطلحات، وهي وعرة فعلاً، ولا صعوبة الفلسفة الهيغلية وهي صعبة فعلاً، ولا إلى اللغات وكنت أقر بها فحسب. وإنما كانت تعود إلى عامل لم أتبينه بوضوح إلا بعد فترة طويلة وهو أنني أقدمت علي قراءة هذا الفيلسوف بعقلية أرسطية. بمعنى أنني كنت أفهم جميع المصطلحات الفلسفية التي استخدمها هيغل علي نحو ما فهمها المعلم الأول – ومعاجمنا الفلسفية مدينة للفلسفة اليونانية ولأرسطو خصوصا بالشيء الكثير».
وإمام عبد الفتاح إمام من مواليد القاهرة في يناير 1934، مفكر وباحث مصري متخصص في الفلسفة والعلوم الإنسانية، درس بجامعة عين شمس وعمل في العديد من الجامعات المصرية والعربية وله مؤلفات وترجمات غزيرة. هو أبرز تلاميذ الفيلسوف المصري زكي نجيب محمود، وأحد من تولوا التعليق على فكره في الفكر العربي المعاصر. له مساهمات فكرية ذات أثر واسع في الأوساط الثقافية المصرية، وقدَّم للمجتمع الثقافي عدداً كبيراً من المترجمين والباحثين، وهو صاحب مواقف فلسفية-سياسية بارزة، ويعرف بتبنيه منهجاً وسطيا في السياسة، إلا أن هذا الموقف يميل كثيراً باتجاه اليسار عندما يتعلق الأمر بالأوضاع السياسية في العالم العربي.

ويمكن إيجاز أهم آراء الراحل السياسية على النحو التالي: أن الحكم لا يستقيم أبداً طالما تداخلت معه أمور من قبيل (الدولة الدينية، والمستبد العادل)، ضرورة الفصل التام بين السياسة والأخلاق، فلكل منهما مضماره، أن التاريخ الإسلامي قد حفل بمفارقات فساد السلطة، لا سبيل للتقدم العلمي أو الاجتماعي أو الإنساني في الوطن العربي سوى بتربية أجيال قادرة على التفكير النقدي ومتمكنة من أدوات العقل. 

ونالت مؤلفات الراحل الكثير من الاهتمام وأبرزها كتابه «الطاغية» الذي ظهر في سلسلة «عالم المعرفة» التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون بالكويت. 

مؤلفاته

– أشرف على سلسلة «أقدم لك» بالمجلس الأعلى للثقافة وقد صدر منها حتى الآن ما يقرب من سبعين عدداً. أشرف على ترجمة موسوعة كوبلستون في تاريخ الفلسفة الغربية وترجمة بعض أجزائها. 

– أصدر ما يقرب من 100 كتاب ما بين تأليف وترجمة ومراجعة. 

ومن أشهر مؤلفاته:

1. المنهج الجدلي عند هيغل
2. مدخل إلى الفلسفة
3. أفكار ومواقف
4. تطور الجدل بعد هيغل (3 أجزاء)
5. الديمقراطية والوعي السياسي
6. كيركجور، رائد الوجودية، جزءان
7. هوبز فيلسوف العقلانية
8. الطاغية عدة طبعات
9. الأخلاق والسياسة
10. معجم ديانات وأساطير العالم
– تطور هيجل الروحي. – دراسات في الفلسفة السياسية عند هيجل. – سلسلــة الفيلسـوف والمرأة (سلسلة من تسعة أعداد حتى الآن الفيلسوف .. والحيوان – المنطق – وكتاب ميتافيزيقا أرسطو – وحياة مشاهير الفلاسفة لديوجينيس اللايرتي – والفلسفة المسيحية -المعتقدات الدينية لدى الشعوب…. وغيرها),

ترجماته

ترجم الدكتور إمام عبد الفتاح إمام عدداً كبيراً من الأعمال من اللغة الإنكليزية إلى اللغة العربية. كما يُعد الدكتور إمام عبد الفتاح صاحب مدرسة في الترجمة حيث قام بمراجعة ترجمات عديدة لمترجمين واعدين برزوا فيما بعد من أمثال ممدوح عبد المنعم وحمدي الجابري وكمال المصري وفاطمة الشايجي (الكويت). وقد أُثيرت شكوك بشأن صحة نسبة كل هذه الترجمات إلى الدكتور إمام عبدالفتاح، وذلك بسبب التفاوت الواضح في جودتها ودقتها ورصانتها، علاوة على نشر كم هائل من النصوص المترجمة خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً (بيد أن هذه الملاحظة الأخيرة مردود عليها بكونه متفرغ تماماً للعمل بالبحث والترجمة والتاليف ويكاد لا يرى الشارع إلا في أضيق الحدود). 

ومن أهم الأعمال التي ترجمها الأستاذ الدكتور إمام عبد الفتاح إمام ما يلي:

• فلسفة التاريخ، هيغل
• أصول فلسفة الحق، هيغل
• ظاهريات الروح، هيغل
• محاضرات في تاريخ الفلسفة، هيغل
• استعباد النساء، جون ستيوارت مل
• الوجودية، جون ماكويى
• موسوعة العلوم الفلسفية، هيغل

البحوث:

• رحلة في فكر زكي نجيب محمود
• هيباشيا فيلسوفة الإسكندرية
• مفهوم التهكم عند كيركغارد
• الديمقراطية
نقلا عن: المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock