منوعات

مصطفى العقاد: المخرج الذي سخّر موهبته السينمائية لخدمة قضايا أمته

لم يكن قد تجاوز التاسعة عشرة من عمره حين قرر مصطفى العقاد ذلك الشاب الصغير ابن مدينة حلب الشهباء، الهجرة إلى أمريكا/ أرض الأحلام، لدراسة السينما التي شغفته حبا وملكت عليه فؤاده.

 في وداعه أهداه والده تذكرة الرحيل التى ربما كانت كل ما يملكه في ذلك الحين، ونسخة من المصحف الشريف الذي كان بمثابة رسالة واضحة أراد الوالد أن يعيها ابنه الصغير، فلم تغب الرسالة عن عقل وقلب الابن النابه الذي ستزيده سنوات الغربة، ورحلة الكفاح والعمل بمعقل السينما العالمية ارتباطا بحضارته وثقافته العربية والإسلامية.

ولد المخرج السوري العالمي الراحل مصطفى العقاد في الأول من يوليو من العام 1930، وبعد إنهائه لتعليمه الأولي سافر مصطفى إلى الولايات المتحدة ليلتحق بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس لدراسة الفنون المسرحية، ثم نال الدكتوراه من جامعة جنوب كالفورنيا.

بعد تخرجه بدأ العقاد عمله الاحترافي كمساعد للمخرج الشهير ألفريد هيتشكوك، ثم انتقل للعمل التلفزيوني، حين قام بإنتاج سلسلة برامج وثائقية لصالح قناة NBC الأمريكية تتناول حياة عدد من الجماعات الإثنية ذات الأصول العرقية المختلفة في المجتمع الأمريكي، لكن المفاجأة كانت في طلب القناة عدم وضع اسمه على تتر البرنامج، وهو ما فُسر برغبة القناة في الاستئثار بنفسها كمنتج، أو إعراضها عن وضع اسم عربي على مقدمة واحد من أهم برامجها.

قصة «الرسالة»

كان العقاد لا يزال مسكونا ببيئته العربية وثقافته الإسلامية، وقد قرر أن يسخّر كل امكاناته الفنية والمادية في إخراج وإنتاج عمل سينمائي ضخم ينقل فيه للآخر الأمريكي والأوروبي فحوى الرسالة السماوية التي حملها نبي الإسلام ليغير الواقع في أرض العرب، قبل أن تسود في أصقاع الأرض وإرجائها. ومن هنا كانت فكرته في إنتاج فيلم (الرسالة) الذي جمع له نخبة من ألمع كتاب القصة والسيناريو والحوار عالميا ومحليا، حيث جاء على رأسهم الكاتب الهولندى العملاق هارى كريج، والأمريكى هارى كيجاف، وعبدالرحمن الشرقاوي، وتوفيق الحكيم، وعبدالحميد جودة السحار، ومحمد على ماهر، ليصنعوا واحدا من أروع وأهم الأفلام التاريخية في السينما العالمية.

غامر العقاد في إنتاج فيلمه بتكلفة إنتاج بلغت في نسختيها العربية والإنجليزية نحو ١٧ مليون دولار (وهو رقم ضخم للغاية بحسابات ذلك الزمان)، وقد تُرجم الفيلم إلى ١٢ لغة، ووزع فى العالم أجمع، بينما كان قلق العقاد الأكبر من رفض المؤسسات الدينية المحافظة والتقليدية في العالمين العربي والإسلامي لفحوى الفيلم، الذي عمل على تخليد وبلورة صورة  رسول الإسلام.

 وبينما دعم الأزهر الشريف كمؤسسة دينية جهد العقاد، الذي تحاشى كل ما يثير حفيظة علماء الدين، فقد واجهت المؤسسات الدينية في المملكة العربية السعودية عمله بالرفض، وضيقت عليه الخناق حتى اضطر إلى نقل التصوير من صحراء المغرب إلى الصحاري الليبية بعدما انتقل دعم الملك محمد الخامس تحت ضغوط السعودية، إلى دعم الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي.

في النهاية قُدّر للعقاد، الذي غامر بماله، وقبل تحدي المحافظين والرجعيين من رجال الدين، أن ينجح فنيا وإنتاجيا، حيث فتحت أكبر دور العرض العالمية أبوابها لعرض فيلمه الذي خرج عام 1976، وحققت النسخة الانجليزية وحدها ما يفوق عشرة أضعاف التكلفة الإنتاجية، وحاز فيلمه على جائزة الأوسكار كأفضل موسيقى عام 1978.

كان نجاح مصطفى العقاد في فيلم الرسالة مقدمة لنجاحات أخرى، ففي عام  1978 شرع العقاد في إنتاج سلسلة أفلام  (الهالوين) الشهيرة من إخراج جون كاربنتر، John Carpenter وحقق الفيلم الأول من هذه السلسلة نجاحاً كبيراً، وفي عام 1981 عاد مصطفى العقاد للإخراج بفيلم «أسد الصحراء» من بطولة أنتوني كوين، بتمويل من معمر القذافي ليخلد سيرة البطل الليبي الشهير (عمر المختار).

 لكن القدر لم يمهله لتحقيق أحد أحلامه السينمائية بتقديم عمل سينمائي ضخم يروي سيرة البطل الشعبي في العالم الإسلامي، والأسطوري في الغرب المسيحي (صلاح الدين الأيوبي). فبينما كان العقاد يجهز لانتاج هذا الفيلم بميزانية إنتاجية ضخمة قُدّرت بـ (80) مليون دولار عام 1995، انفجرت إحدى قنابل الغدر الإرهابية بالفندق الذي كان ينزل به في العاصمة الأردنية عمان، لتكتب نهاية موهبة سينمائية فذة سخّرت كل إمكاناتها لخدمة قضايا العالمين العربي والإسلامي.

بلال مؤمن

كاتب و محرر مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock