مختارات

تصاعد اليمين المتطرف يزيد مخاوف المسلمين

مع تنامي قضايا الإرهاب وتغلغل «الإسلاموفوبيا»

يتنامى في الآونة الأخيرة الشرخ ما بين الثقافات والشعوب وأزمة الهويات المختلفة، التي أدت إلى تصاعد اليمين المتطرف في أوروبا وعدد من الدول الغربية، وجنوح البعض إلى جرائم تمازج ما بين الكراهية والإرهاب، على نسق ما حدث في نيوزيلاند، حين استهدف اليميني المتطرف برينتون تارانت مسجدي مدينة كرايست تشيرش 15 مارس (آذار) الماضي.

نشر اليميني المتطرف تارانت بياناً بعد مذبحة المسجدين في كرايست تشيرش (نيوزيلندا)، ذكر فيه أن هدفه أن يقلص من معدلات الهجرة في البلاد ولكي يؤكد «للغزاة» أن بلاده لن تكون بلادهم أبداً. وتظهر الإشكالية نفسها في مناطق أخرى، مثل تصاعد أعمال العنف في سريلانكا ضد المسلمين الذين يشكلون عشرة في المائة من نسيج مجتمعهم ذي الغالبية البوذية، واستهداف مجموعات مسيحية مساجد ومتاجر لمسلمين مثل مدينة كينيياما التي تم التهجم فيها على أحد المساجد، الأمر الذي أدى لفرض حظر تجوال ليلاً في مايو (أيار) الماضي، وتعد الهجمات انتقامية في أعقاب عمليات إرهابية استهدفت كنائس وفنادق في عيد الفصح في سريلانكا، نتج عنها مقتل نحو 253 شخصا، والتي تبناها تنظيم «داعش»، فيما اتهمت الحكومة السريلانكية جماعة «التوحيد الوطنية» بارتكاب الهجمات الانتحارية التي استهدفت كنائس وفنادق فخمة، في 21 أبريل (نيسان) الماضي، رغم التحذيرات المسبقة من تخطيط جماعات أصولية لها. وعلى وجه العموم فإن الهوة ما بين المسلمين الذين يعدون أقليات في عدد من الدول تتسع سواء كان ذلك نتيجة عدم قدرتهم على الاندماج الكلي مع مجتمعاتهم أو نتيجة الشعور بخطر اجتياح الثقافات المختلفة، بالأخص مع تنامي قضايا الإرهاب وربطها بالإسلام مما عمق من تغلغل «الإسلاموفوبيا» في عدة مجتمعات.

جرائم الكراهية والإرهاب

ولا تزال الصلة ما بين جرائم الكراهية والإرهاب غير واضحة، وغالباً ما ترتبط تلك الجرائم باليمين المتطرف المفضي إلى عنصرية ضد الشعوب؛ إلا أن كلاً من جرائم الكراهية والإرهاب تنم عن وجود توتر واضطراب في النسيج الاجتماعي والسياسي، كما أن هناك عدداً من جرائم الكراهية تحمل أبعاداً إرهابية فيما تظهر عمليات إرهابية تحمل بعداً عنصرياً محملاً بالكراهية. ويفرق البروفسور والباحث الأميركي بروس هوفمان، المختص في دراسات الإرهاب، ما بين مفهوم الإرهاب والكراهية، بإيضاحه أن الإرهاب في الأصل يرتكب لأغراض سياسية، بمعنى آخر هو القيام بالتخويف والإرغام والمعاقبة أو التأثير على الآخرين باستخدام العنف والتهديد به من أجل أغراض سياسية. فيما تعرّف جرائم الكراهية حسب القانون الأميركي بأنها التسبب المتعمد بأضرار جسدية لأي شخص سواء بإطلاق النار أو استخدام الأسلحة الخطرة أو المتفجرات أو مواد حارقة، بغرض التسبب في إصابة شخص ما، وذلك عادة ما يكون بسبب عرق أو لون أو دين أو ميول أو إعاقة ما.

وعلى الرغم من وجود فروقات ما بين المفهومين؛ فإن كثيراً من جرائم الكراهية ترتكب من خلال جماعات إرهابية مثل ما قام به «داعش» من هجمات إرهابية استهدفت الشيعة والإيزيديين ووصلت لحد الإبادة الجماعية في العراق، فيما تكرر تهديد «داعش» للمسيحيين في الموصل ومناطق أخرى، فإذا لم يتحولوا إلى الإسلام أو دفع الجزية أو المغادرة فسيتم قتلهم، إضافة إلى استهداف الأقباط في الكنائس وأماكن تجمعهم في مصر.

فيما تبدو العلاقة ما بين الأقليات واليمين المتطرف علاقة سببية، كل منهما يأتي نتيجة الآخر بشكلٍ ما، حيث إن من مسببات انضمام البعض إلى تنظيمات مثل «داعش» شعورهم بالتهميش والانعزال في مجتمعاتهم.

ويظهر تصاعد اليمين المتطرف نتاجا تراكميا لزيادة عدد المهاجرين في المجتمعات الغربية وشعورهم بالتهديد، فيما تنحو الأقليات مثل المسلمين إلى الانعزال، إضافة إلى انعكاسات الجماعات المتطـرفة مثل عمليـات إرهابية لـ«ذئــاب منفـردة» في أرجـاء أوروبـا تبناها تنظيم «داعش»، الأمـر الـذي أدى إلى تخويــف العالم من المسلمين وعزز من «الإسلاموفوبيا»، لا سيما مع تزايد أعداد المسلمين في المجتمعات الأخرى، يقابل ذلك تصاعد اليمين المتطرف سواء من خلال النازيين الجدد أو القوميين البيض ممن لديهم قناعة بتفوق العرق الأبيض والتطرف والعنصرية والمعاداة للمهاجرين، على شاكلة النرويجي أندرس بريفيك الذي استلهم عدد من المتطرفين عملياتهم الإرهابية منه، وهو يميني متطرف قام بقتل 77 شخصا في النرويج عام 2011 نتيجة معاداته للمسلمين، وذكر أنه استوحى عمليته من تنظيم «القاعدة» بعد دراسته لعملياته الإرهابية.

ولا يعد الفكر اليميني المتطرف جديداً، إذ ظهرت جماعات متطرفة كثيرة مثل جماعة «الكوكلوكس كلان» المتطرفة التي نشأت في عام 1865 في ولاية تينيسي في أعقاب الحرب الأهلية الأميركية، وهي مبنية على مبدأ تفوق العرق الأبيض ومعاداة ما يخالفها مثل العرق الأسود واليهود والمهاجرين، ونشأت في طياتها عمليات إرهابية كثيرة شهيرة تستهدف «الآخر» ممن ترفضهم «الكوكلوكس كلان». ولم تنقرض هذه الجماعة إذ إن مسيرة نظمتها مجموعات من اليمين المتطرف تضمنت الكوكلوكس كلان والنازيين الجدد في 11 أغسطس (آب) 2017 في تشارلوتسفيل في فرجينيا، حيث تم رفع شعارات معادية للإسلام والسامية، وقد قام جايمس أليكس فيلدز جونيور وقتئذ بدهس أسفر عن مقتل امرأة وإصابة 19 آخرين، وقد عرف بهوسه بالنازية وبشخصية هتلر.

لكن مثل هذه التوجهات المتطرفة لا تستهدف المسلمين، وإنما الأقليات بشكل عام فيما يبدو انعكاسا لشعور البعض بتهديد الأقليات لوجودهم لمجرد اختلافهم عنهم عرقياً أو دينياً، ويظهر ذلك على وجه التحديد لدى معتنقي اليمين المتطرف الذين يتزايد عددهم كلما ازداد عدد المهاجرين إلى دولهم. على نسق ما حدث حين قام الأميركي جون إرنست، المعادي للسامية والإسلام، بإطلاق نار في سان دييغو على كنيس يهودي. وذكر أنه استلهم ذلك من حادثة إطلاق النار على مسجدي كرايست تشيرش (نيوزيلندا)، وكذلك إطلاق النار على كنيس لليهود في مدينة بيتسبرغ الأميركية مما أسفر عن مقتل 11 شخصاً، حيث إن مرتكب الجريمة روبرت باورز صاح وهو يطلق النار «يجب على كل اليهود أن يموتوا». وعلى شاكلته تظهر حادثة إطلاق النار على كنيسة تشارلستون في 17 يونيو (حزيران) 2015، مما أسفر عن مقتل 9 أشخاص، وهي من أعرق كنائس السود في الولايات المتحدة، وقد قام بالهجوم الإرهابي بها ديلان ستورم فيما يعد من جهة أخرى من جرائم الكراهية.

الإسلاموفوبيا وجرائم الكراهية

صراع الحضارات والشعور بالتهديد لا يقتصران فحسب على المتطرفين، ممن لا يترددون في القيام بعمليات إرهابية، إذ تظهر تصريحات لسياسيين معادين للثقافات الأخرى على نسق رئيس وزراء المجر اليميني فيكتور أوروبان، الذي أعرب في أكثر من مناسبة عن مخاوفه من التهديدات من حوله، مؤكدا على اتخاذه سياسات لمواجهة تزايد أعداد المهاجرين خوفاً من ضياع الثقافة والهوية المسيحية. وفي ألمانيا، قام مركز ليبزيق لدراسات وأبحاث اليمين المتطرف والديمقراطية بدراسة أظهرت أن ما يزيد على 44 في المائة من الألمان يرغبون في منع المسلمين من الهجرة إلى ألمانيا، فيما ذكرت الدراسة أن 56 في المائة، من الألمان يشعرون بأن أعداد المسلمين المتزايدة في ألمانيا تجعلهم يشعرون بأنهم أغراب في وطنهم.

وكانت الشرطة في إنجلترا وويلز أصدرت في 16 أكتوبر (تشرين الأول) 2018، إحصائيات نوهت إلى أن جرائم الكراهية قد ارتفعت فيها بنسبة 40 في المائة ضد المسلمين، كما بلغت جرائم الكراهية رقماً قياسياً يصل إلى 94098 في الفترة من أبريل 2017 إلى مايو 2018 يصنف أكثر من ثلثيها ضمن جرائم العنصرية. وتظهر أحداث أخرى مبلغ سوء الفهم والشعور بتهديد الثقافات الأخرى، مثل ما حدث عقب حريق كاتدرائية نوتردام في باريس من اتهام أليس فيدل من حزب «بديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف بأن ما حدث هو هجوم متعمد يستهدف المسيحيين وذو صلة بالإرهاب، على الرغم من استبعاد السلطات الفرنسية وجود هجوم متعمد.

وهناك أكثر من تساؤل حول ما حدث مع البريطانية الداعشية شاميمة بيغوم الملقبة «عروس تنظيم داعش» والتي سافرت إلى سوريا للانضمام للتنظيم لمدة تجاوزت الأربع سنوات، وتزوجت هناك من الهولندي ريدجيك الذي اعتنق الإسلام واتهم بانتمائه للتنظيم، وما لحق ذلك من حيثيات قرار الحكومة البريطانية نزع الجنسية منها، وعلى شاكلتها منع الرئيس الأميركي الإرهابية هدى مثنى من العودة إلى الولايات المتحدة. فعلى الرغم من أن مثل هذه القرارات تهدف لحماية الدول من شخوص لا يتوقع أن يكون هناك مجال لإعادة تأهيلهم نظراً لآيديولوجياتهم المتطرفة أو ما ارتكبوه من جرائم إرهابية؛ فإن من الممكن أن تؤدي مثل هذه القرارات الصارمة إلى تعزيز الشعور بالفروقات والعنصرية تجاه الأقليات، مثل ما أكدته الحكومة البريطانية من رفض لمقترح تحديد تعريف رسمي لمصطلح «الإسلاموفوبيا» أو معاداة الإسلام لما فيه من تقويض لجهود مكافحة الإرهاب وحق إيقاف المشتبه بهم دون الحصول على إذن سابق. فإن بعض ما يحدث من ممارسات أمنية مثل الاشتباه بالمسلمين بتورطهم بالإرهاب نتيجة لأعراقهم أو معتقداتهم الدينية يعمق من الهوة بين الأقليات ومجتمعاتهم ويشجع على تصاعد اليمين المتطرف.

نداء أبو علي

روائية وكاتبة سعودية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock