رؤى

الوهابية المرتبكة.. تحدي الصحوة(2-2): ‎من تحدي آل الشيخ إلي تحدي الدولة

بين القوسين اضافة مني للربط بين المقالين وازالة سوء فهم بين كيف ساعدت «الصحوة» الوفرة النفطية في البداية وكيف ساعدته قلة العوايد النفطية في مرحلة ثانية:

«إذا كانت الوفرة النفطية ومامنحته من موارد للفاتيكان الديني ممثلا في عبدالعزيز بن باز كأب للجميع قد ساهمت في إفراز جيل الصحوة ومكن الصحويين من الانتشار في مرحلة نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات كما أشرنا في الجزء الأول من «تحدي الصحوة» فانه من اللافت أن انحسار هذه الوفرة لعبت أيضا لصالح الصحويين وأعطتها مجالا جديدا للحركة ولتحدي المؤسسة الوهابية التقليدية بل والنظام السياسي نفسه فبرزت الصحوة في ‎النصف الثاني من الثمانينيات كتعبير عن انتفاضة اجتماعية واكبت تراجع عائدات النفط وظهور مشكلات في التوظيف سواء في البيروقراطية الحكومية أو القطاع الخاص المرتبط بالعقود مع الحكومة، كما ظهر جيل جديد لديه طموحات أكبر بسبب اتساع التعليم والانفتاح علي الغرب عبر الابتعاث، بيد إن طموحات الجيل الجديد لم يُقدر لها التحقق نتيجة احتكار المؤسسة التقليدية الدينية لكل الموارد القادمة من النظام دون أن تفسح المجال للأجيال الجديد بالتجاور معها داخل المؤسسة الدينية.. ومن ثم سعي الصحويون إلي التنافس علي موارد خارج المؤسسة مثل المساجد والمدارس والجمعيات الأهلية والخيرية وحلقات تحفيظ القرآن، بما في ذلك التنافس مع الليبراليين والعلمانيين علي المجال الثقافي والأدبي وخاصة في مهرجان الجنادرية الذي تأسس في مطلع الثمانينيات واستطاع الصحويون عبر استخدام أدوات جديدة مثل شرائط الكاسيت التي كانت توزع بعشرات الآلاف بل وبمئات الآلاف، وعبر مزاحمتهم وفرض حضورهم وطرح مناقشاتهم وحججهم في المهرجان، وأصبحوا فيما بعد بعد أن كانوا يجلسوان علي مقاعد المشاهدين والجمهور في الثمانينيات يجلسون علي المنصات كمشاركين ومدعوين في التسعينيات، بل ويقترحون أسماء مشاركين من مناصريهم من البلدان العربية كمصر والسودان وتونس.

Related image

‎لم تعد العلمانية ولا الماسونية ولا التيارات الإرجائية ولا حتي المؤسسة الوهابية هي مجال التحدي الذي توجه الصحوة سهامها إليها وإنما الآن الدولة والنظام السياسي الذي كان بعيدا عن النقد حتي مطلع التسعينيات، حيث فتح استدعاء القوات الأجنبية إلي المملكة الباب علي مصراعيه لتنتقل الصحوة من جدالها الهوياتي والثقافي والديني وبناء شرعية جديدة خارج المؤسسة التقليدية إلي توجيه سهام النقد مباشرة إلي النظام السياسي.

‎خطاب المطالب 1991

‎مذكرة النصيحة 1992

اقرأ أيضا:

‎سوف تتكون الصحوة من الدعاة الصحويين الذين أصبحوا يطلقون علي أنفسهم علماء فهم رأسا برأس مع العلماء الرسميين، ومع الفتاوي التي دعمت فيها المؤسسة الرسميه قرار «ولي الأمر» باستدعاء القوات الأجنبية وعلي رأسها القوات الأمريكية في أغسطس عام 1990، ودعم مسألة الصلح مع الكيان الصهيوني والتطبيع معه بعد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991م، ومابدا وقتها وكأنه دعوة للصلح بين الشيوعيين في اليمن الجنوبي  والشماليين وكأنه مساواة بين الماركسيين الجنوبيين والمسلمين في الشمال عام 1994، كل ذلك جعل المؤسسة الدينية والنظام السياسي معا هدفا لنقد الصحوة الهائل والتي سعت وطالبت بأطيافها المتنوعة – التي ضمت إلي جانب العلماء الدينيين مناصرين من العلماء الرسميين كحمود الشعيبي وحمود التويجري وعبد المحسن العبيكان، ومثقفين من خارج المؤسسة الدينية أطلق عليهم المثقفون الصحويون المستنيرون مثل سعد الفقيه ومحمد المسعري وسعد الغامدي وغيرهم – بمطالب بناء مؤسسات وهيئات دينية وثقافية خارج المؤسسات التقليدية فيما عرف باسم «خطاب المطالب» عام 1991 وهو خطاب من صفحة واحدة تضمن اثنا عشر مطلبا تتعلق بالعدالة الاجتماعية وبديموقراطية إسلامية ومجلس للشوري يكون مستقلا عن السلطة التنفيذية، ومسئولية الحكام أمام الشعب، والمساواة في الحقوق والواجبات، وتقوية دورالشريعة وإصلاح القضاء وإصلاح شامل لوسائل الإعلام، وتم تقديم الوثيقة التي وقع عليها ابن باز نفسه وابن عثيمين إلي الملك ووزعت بالملايين علي الناس لخلق وعي سياسي لديهم وهو ما أزعج السلطة السياسية التي دعت هيئة كبار العلماء إلي الاجتماع وأصدرت فتوي تدين المطالب وتشير إلي أن التخاطب مع ولي الأمر يكون سرا وعلي نطاق بعيد عن الجمهور، وبعد «خطاب المطالب» قام مجموعة من أساتذة الجامعة الذين أسسوا ما عُرف باسم «لجنة الجامعة للإصلاح والمناصحة» بإصدار مذكرة «النصيحة» عام 1992 والتي بلغت حجم كتاب صغير بلغ تعداد صفحاته 120، وتم تقديمها للملك فهد أيضا، بيد إن نشرها في الصحف الغربية أغضب السلطة السياسية من جديد وتم عرض الوثيقة علي هيئة كبار  العلماء من جديد وأصدرت الهيئة إدانتها بشكل أكثر وضوحا مما كان في خطاب المطالب واعتبرت أن مصدريها ليسوا علماء وأنهم مدرسون يريدون نشر الفتنة والتحزب، وهو ما وضع العلماء الرسميين ممثلي الوهابية التقليدية في مرمي ردود علماء الصحوة ومشايخها ومثقفيها وهو ما هز بقوة الصورة التقليدية لعلماء المؤسسة الرسمية بين جمهور الشعب الشعودي بحيث صارت تلحق بهم أوصاف مثل «كبار الجهلاء وكبار العملاء»، وأصدر الصحويون من بعد «لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية والإصلاح»عام 1993، واعتبرتها هيئة كبار العلماء غير شرعية كما فعلت دوما، وهو ما جعل النظام والمؤسسة التقليدية يقفان معا كتفا بكتف في مواجهة ما أطلق عليه الصحويون «المدفع العملاق» أي مواجهة الوهابية التقليدية والنظام السياسي معا بلا رحمة بما في ذلك حتي انتقاد «بن باز»نفسه.

Related image

بن باز

‎واجه النظام التحدي الصحوي بالقمع حيث تم موجات من الاعتقالات كان أكثرها اتساعا عام 1994 حيث تم القبض علي رموز الصحوة كسفر الحوالي وسلمان العودة وغيرهم والإكراه بالمنع من الخطابة والتوقيع علي محررات بعدم العودة للخوض في العمل العام وبفصل العديدمن أساتذة الجامعة وسحب الجوازات والمنع من السفر، وكانت فتاوي المؤسسة لتقليدية الوهابية  التي اعتبرت المطالبات بحقوق دستورية وبالحريات وبالشوري وبالمساواة خروجا علي ولي الأمر وتحديا له في مجتمع تصفه مضاوي الرشيد في كتابها «مساءلة الدولة السعودية، أصوات إسلامية من الجيل الجديد» بـ «الرعايا المذعنون» – السند الديني للقمع السلطوي في مواجهة الصحوة والتي بدا أنها بدأت في التراجع والانحسار منذ عام 1995 حيث شهدت البلاد أول حادث إرهابي بسيارة مفخخة قُتل فيه خمسة أمريكيين واثنين من الهنود أمام مقر الحرس الوطني بالرياض، حيث بدت السلطة السياسية وكأنها تنفذ أجندة أمريكية بإسكات وقمع الأصوات المطالبة بالإصلاح، ورغم أن الصحوة لم يكن لها علاقة بالحادث إطلاقا بل وتمت إدانته من جانبها، بيد إن الغموض والتداخل وغياب البنية المستقلة للصحوة كفاعل مستقل جعل الحادث يبدو وكأنه رد فعل علي القمع الذي تم توجيهه لرموز الصحوة من جانب أطراف غالية لم تكن جزءً من الصحوة ورأت  استغلالها لتحقيق أهدافها هي كان ذلك الطرف هو التحدي الجديد للوهابية وللسلطة السياسية وهو الأجيال الجهادية، كانت إعادة هيكلة المجال الديني والمجال الخيري التطوعي بظهور «وزارة الأوقاف الإسلامية والدعوة والإرشاد» عام، 1993 والمجلس الأعلي للشئون الإسلامية والذي ترأسه الأمير سلطان وكان أعضاؤه من أمراء الصف الأول عام 1994، وهو ما أفقد المجال الديني استقلاله ومدد نفوذ الأسرة المالكة إليه بعد أن كان مقصورا علي مجال السياسة والحكم والجيش- أحد أدوات الضبط والسيطرة لإجهاض أي شكل معارض للسلطة السياسية وللمؤسسة الدينية الرسمية، وغذت السلطة السياسية  التيارات الرافضة للتيار الصحوي وأدخلتها في صدام معه ونقاش حاد لإظهاره بصورة حزبية وأنه مشتغل بالسياسة منشغلا عن العلم والدعوة وأنه ينتقد العلماء ويتحداهم وعلي رأس تلك التيارات التيار الجامي المدخلي.

 

كمال حبيب

أكاديمي مصرى متخصص فى العلوم السياسية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock