منوعات

نحو مشهد ثقافى يتبنى قضايا المرأة ويحتفى بالإبداع النسوى

في أي مجتمع يسعى إلى التنوير والتقدم، لابد وأن تكون مناهضة العنف والتمييز ضد النساء جزءا أساسيا من عملية التنوير الخاصة به، وأن يكون دور الدولة أساسيا في تغيير الثقافة التقليدية والمحافظة تجاه المرأة وقضاياها. وفي هذا الإطار تأتي أهمية المؤسسات الثقافية، ومنها السينما والمسرح، والسؤال هنا هو هل تُسهم هذه المؤسسات في التأسيس لثقافة تقدمية ومدنية، تحتل قضية تحرير المرأة جزءا أساسيا فى قلبها؟

هذا السؤال ومحاولة الإجابة عليه كانا محور النقاش بين المشاركين في ورشة «تعزيز وحماية حقوق ومشاركة المرأة -التحديات والأولويات»، والتي نظمها المجلس الأعلى للثقافة بالتعاون مع مؤسسة وسائل الاتصال من أجل التنمية، وتضمنت محورا رئيسيا عن دور الفن والثقافة وقضايا المرأة.  

في مداخلته خلال الورشة قال أنور مغيث رئيس المركز القومي للترجمة: إنه لا أحد يستطيع أن يعود بنا إلى الوراء ويفرض علينا خطابات رجعية، تحط من شأن النساء، وتجعلنا نتخلف عن مسيرة التطور التي تجرى على مستوى العالم، مؤكدا  على أهمية دور الترجمات التي تمدنا بما يحدث في العالم في مجال الحداثة والتنوير ومنها العمل على قضايا النساء.

أنور مغيث

وأشار مغيث فى هذا السياق إلى أن المركز القومي للترجمة قام بترجمة ما بين 70 إلى 80 كتابا تناولت الاتجاهات الفكرية حول قضية تحرر النساء، ودراسات عن التحول الديمقراطي وموقع قضايا النساء في هذا التحول وتأثيره على تطور دور النساء في المجتمع.

وقد أكدت عزة كامل مديرة مؤسسة وسائل الاتصال من أجل التنمية، أهمية تلك الترجمات في دعم الجهود التي تقوم بها المنظمات غير الحكومية حيث استفادت من الترجمات التي أعدها المركز القومي للترجمة عن دساتير العالم، وتضمنت كيف تعاملت هذه الدساتير مع قضايا النساء، وتم طباعة كتاب بعنوان «النساء في دساتير العالم» واستخدمت ترجمات المركز القومي في جلسات الاستماع التي شارك فيها المجتمع المدني أثناء إعداد الدساتير بعد ثورة 25 يناير.

عزة كامل

السينما ودور الدولة الغائب

 خلال الندوة تحدثت الناقدة السينمائية ماجدة موريس عن إسهامات المبدعات الأوائل وفى الطليعة منهن عزيزة أمير وفاطمة رشدي منذ بداية السنيما من خلال انتاج الأفلام الروائية، حيث انتجت السينما فى وقت مبكر أفلاما تناولت قضايا النساء منها عمل المرأة مثل فيلم الأستاذة فاطمة وغيرها من الأفلام، وبعد ثورة يوليو تم إنشاء المؤسسة العامة للسينما المصرية، وكان القائمون على العمل بهذه المؤسسة نخبة من المبدعين والمثقفين والأدباء، بالإضافة إلى اهتمام الدولة بإنتاج أفلام تقدم صورا متعددة للنساء، ونماذج متنوعة اجتماعيا، وأرجعت موريس السبب في ذلك إلى وجود إرادة سياسية واهتمام بالثقافة، ففي ذلك التوقيت تم انشاء معهد الباليه وأكاديمية الفنون.

ماجدة موريس

وبعد الغاء المؤسسة العامة للسينما المصرية في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، بدأت مرحلة «أفلام المقاولات» التي اعتمدت على  العرى واستخدام أجساد النساء، من أجل الأرباح دون مضمون. ثم انتقلنا- تضيف ماجدة موريس – إلى مرحلة جديدة في الثمانينات أحدثت نقلة نوعية على أيدى مخرجين مثل محمد خان و داوود عبد السيد وشريف عرفة، وغيرهم ممن قدموا صورا متعددة ومضامين جادة لقضايا النساء وناقشوا بجدية قضية تحرر النساء.

محمد أنور السادات

كما تحدثت ماجدة موريس عن تراجع الإنتاج السينمائي بشكل عام، لاسيما في المرحلة الحالية شديدة الجزر والصعوبة، بسبب إغلاق الكثير من دور العرض السينمائي، فعلى سبيل المثال محافظة مثل الأقصر لا يوجد بها دور عرض، وهناك مشروع دور عرض في كل محافظة الذي اعلنت عنه وزارة الثقافة ولم ينفذ حتى الآن، ناهيك عن أزمة التمويل، مع غياب دور الدولة في دعم الانتاج السينمائي، فأصبحت الكلمة الآن للشباك.

وتساءلت ماجدة موريس قائلة: أين دور الدولة في التثقيف السينمائي، وأين دور الإعلام في تعزيز هذه الثقافة، فلم يعد التليفزيون يقدم برامج عن السينما كما كان في الستينيات حينما كانت الفسحة الاسبوعية للأسرة المصرية هي لأحدى دور العرض السينمائي، وكان هناك ما يعرف بدور العرض الصيفية، أما الآن جمهور السينما اختلف، واتسعت الفجوة الثقافية والذوق العام.

اقرأ أيضا:

أكدت موريس أن الحل يكمن في دعم الدولة للإنتاج السينمائي، والحد من قبضة الرقابة لإتاحة الفرصة للأفكار المتنوعة، وانتاج أفلام تنقل واقع النساء بمختلف أوضاعهن الاجتماعية.

تهميش المسرح

 وبدوره أيضا فإن المسرح يواجه حاليا تحديات متعددة منها عدم الاهتمام به من قبل مؤسسات الدولة، حيث وصفته المخرجة المسرحية عبير علي بأنه صار منتجا ثقافيا من الدرجة الثانية، وأنه مهمش تعبيرا عن حالة الإهمال التي يتعرض لها، وبالتبعية يعانى المسرح المستقل معاناة مضاعفة خاصة الذي يتبنى ابداعا غير تقليدي ولا يهدف للربح.

عبير علي

 و في إطار هذه البيئة غير المحفزة، تكون مهمة النساء المبدعات بالغة الصعوبة، كما تقول عبير علي، التي ترى  أن تأثير الفكر الذكوري يمتد داخل الأوساط المبدعة والمثقفة، ما يجعل الطريق ليس ممهدا أمام المرأة المبدعة صاحبة المشروع الثقافي المختلف، أو تلك التي تريد أن تقدم إبداعا مسرحيا خارج الإطار التقليدي والأنماط المعتادة.

 وتضيف عبير علي أن معاناة المبدعات في المحافظات أكثر قسوة مقارنة بالقاهرة وذلك بحكم الوضع الثقافي والاجتماعي الحاكم للنساء، فمثلا لا تقبل الأسر أن تعمل البنت في إحدى الفرق المسرحية بقصور الثقافة، ويزيد الوضع تعقيدا تدهور حال هذه الفرق نتيجة لغياب الدعم لهم، فيوجد مبدعات يبذلن جهدا من أجل تطوير أنفسهن فنيا لكنهن لايجدن فرصة، بسبب الحالة التي وصلت لها قصور الثقافة وقيود المجتمع.

 أما الكاتبة المسرحية رشا عبد المنعم فقد استعرضت في مداختلها الجهود التي تقوم بها الكاتبات النسويات من أجل تقديم مسرح غير تقليدي، يسعى إلى تغيير الثقافة الذكورية، حيث قدمت كاتبات نسويات إبداعات مختلفة تعتمد على التجارب الذاتية والواقعية

رشا عبد المنعم

وأشارت في هذا الصدد إلى أنه يتم صياغة النصوص المسرحية من خلال ورش الكتابة الجماعية، التي تُسهم في انتاج نصوص متعددة وجهات النظر، وتقدم قراءة مختلفة لواقع النساء من منظور نسوي، وتخرج بعض هذه النصوص للنور وأخرى تظل حبيسة الأدراج بسبب الرقابة.

رغم الصعوبات فإن جهود المبدعات مستمرة، كما تؤكد رشا عبد المنعم، التي أشارت إلى أنه يجرى حاليا التحضير لتأسيس مهرجان مسرح المرأة يطلق عليه اسم «إيزيس»، ومن المقرر أن تنطلق دورته الأولى في مارس 2020، وسيتضمن هذا  المهرجان عروضا مسرحية، وورشا تدريبية لفرق مسرحية من المحافظات، كما سيتضمن توثيقا لتاريخ رائدات المسرح في مصر.

منى عزت

باحثة مهتمة بقضايا العمل والمرأة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock