فن

مفيد عاشور.. في مديح ممثِّل باهر مهضوم الحقوق!

ثمة أحزان دفينة في عينيْ الممثل البديع مفيد عاشور ، هكذا تبدوان لي بوضوح منذ بدأت أتابعه على الشاشتين –التليفزيونية والسينمائية -اللتين ملأهما إبداعا، كما ملأ مجالات فن التمثيل جميعها بهاء خالصا، ولا يزال يعمل طارحا ثمارا وظلالا كأنه الأشجار.

مفيد عاشور والحزن الدفين

خُلّدت أكثر أدوار مفيد عاشور في الذاكرة التمثيلية، لكن لم ينل بطولة مطلقة يستحقها منذ أمد بعيد؛ فنسج بطولاته الخاصة من خيوط أدواره سواء كانت باللغة العربية الفصحى التي يتقنها للغاية، ويتميز في إطارها الفخم، ويصول ويجول على إيقاعها، أو بلهجة الصعايدة والفلاحين أو بلهجته القاهرية الحميمة.. أحدثكم عن ممثل محترف لا حدود لتوهج طاقته وتفجرها بالأسلوب الأدائي السلس الماتع، ولد في القاهرة يوم التاسع من مايو لعام 1966 (53 عاما الآن) وحصل على بكالوريوس الهندسة من جامعة القاهرة، ويبدو أنه أراد دراسة التمثيل لصقل موهبته، فنال شهادة المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1990.. بدأ التمثيل الاحترافي بمنتصف الثمانينيات، ومع دوره في المسلسل الشهير «رحلة السيد أبو العلا البشري»، الذي سبقته أدوار صغيرة هنا وهناك، تعرف المشاهدون عليه.. شارك في علامات درامية لا تسقط البتة.. متزوج من السيدة سحر عبد الرحمن (ابنة الفنان القدير عبد الرحمن أبو زهرة) وله منها ثلاثة أولاد: عمر، عبد الرحمن، عمرو.

قد يكمن سر الحزن الدفين في عيني مفيد عاشور، وهو حزن حقيقي لا مجازي، في إحساسه بأنه عمل أعمالا يتمناها كبار النجوم وأدى جملة ما أداه بصدق وألمعية، ومع اتساع الخبرات، بمرور السنين، تفوقت عطاءاته وعظمت تجلياته، لكنه لم ينل نصيبا كهؤلاء من النجومية الطاغية وبينهم أصغر منه سنا وأقل دراية بالمهنة، وكان من العدل أن يصبح اسمه قريبا من أسمائهم معنويا وماديا، لا أقصد أن حزنه مبعثه الغيرة والحسد؛ فهو معروف بنقاء الحال، لكن المعنى المقصود، للصورة الشجنية المدركة بالبصيرة والحدس، كثافة شعوره بالظلم الذي يلون أوساطنا بالسواد، وضمنها الوسط الفني طبعا، فيشقي ذا الرهافة، والمعنى المضاف امتلاكه غالبا لتركيبة نفسية ثائرة تأبى هذا الضيم القاتم، لكن بقوة صبرها وثقتها تتغلب على صراعاتها وآلامها الروحية.. وإن بقي حزنها واضحا لمالكي النفاذ إلى الأغوار البشرية.

مساحة إبداع عريضة

من اللافت المدهش في مشوار مفيد عاشور الطويل الحافل؛ أداؤه لدور الدكتور طه حسين ثلاث مرات (مسلسل الوسية 1990، مسرحية رحلة التنوير بالعام نفسه، مسرحية الأيام 2012) وأداؤه لدور وزير الداخلية واللواء والضابط الصغير وأمين الشرطة والقاضي وممثل النيابة، هكذا بالجملة في مسار واحد، ومما أداه بدائرة الشخصيات الثقيلة الصامدة زمنيا دور صنديد الكفر أمية بن خلف (مسلسل الوعد الحق 1993) والرئيس أنور السادات (كضيف شرف في مسلسل إمام الدعاة 2003) والموسيقار محمد الموجي (مسلسل العندليب: حكاية شعب 2006) والفقيه الليث ابن سعد (مسلسل الإمام الشافعي 2007).. بالإضافة طبعا إلى أدواره الأخرى المنوعة الرائعة، فى أكثر من مائة مسلسل تليفزيونى مثل «رأفت الهجان –الجزء الثانى-وما زال النيل يجرى- أيام المنيرة –عمر بن عبد العزيز –الحفار –هارون الرشيد، وكذلك أدواره فى أكثر من 15 فيلم سينمائى مثل «بئر الأوهام –  وعد ومكتوب – إغتيال مدرسة – تصريح بالقتل» بالإضافة إلى السهرات التليفزيونية مثل «الاستاذة فاطمة –الغريب والمجهول» والمسلسلات الإذاعية مثل «الغريب والليل –الحادثة» علاوة على اشتراكه فى بطولة عدد من المسرحيات مثل «باب الشعرية –الزير سالم- السلطان الحائر» فهو إذن ممثل يجوب كل الأدوار ويرتاد كل المحافل ويثبت حضوره فى كل أروقة التمثيل سينما كانت أو دراما تليفزيونية أو إذاعية أو مسرح.

في آخر المطاف، مفيد عاشور لا ينشغل بجائزة مستحقة غائبة أو تكريم طبيعي لا يأتي، لكنه يؤكد قدرة الفن على التوعية والتنوير وجدارته بالمشاركة في محاربة الإرهاب، ويوصي خيرا بمسرح الطفل، ويرى أن أنوار المسرح في العموم لا يصح أن تنطفئ حتى لو انطفأت شموس الدنيا كلها.. له التقدير الجماهيري الكبير مهما غفل عنه مُلَّاكُ مفاتيح الأبواب!

 

عبد الرحيم طايع

شاعر وكاتب مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock