منوعات

أمريكا و«القاعدة» في لييبا (2-2):كيف دعمت إدارة أوباما المسلحين الإسلاميين إستنادا إلى معلومات مضللة؟

آلان كوبرمان – أستاذ السياسة الدولية في كلية ليندون بينز جونسون، جامعة تكساس

ترجمة: أحمد بركات

كانت أحداث البياضة، إحدى مدن الشرق الليبي، والتي تتميز بأنها أكبر من درنة وأقرب إلى بنغازي، حاسمة في إهداء النصر إلى الإسلاميين. ففي يوم 16 فبراير، قام مئات المحتجين بالمدينة بمهاجمة أقسام الشرطة وحرقها، مرددين هتافات من قبيل «الشعب يريد إسقاط النظام».

 في تلك الليلة، جاء رد فعل قوات الشرطة عنيفا، وذكرت تقارير أن هذا العنف أسفر عن مقتل أول ثلاثة مدنيين منذ اندلاع الأحداث، بينما أشارت أدلةأخرى إلى تورط مسلحين في هذه الجريمة. ومع زيادة أعداد المحتجين، انشق بعض الضباط والجنود وانضموا إلى صفوف الثوار، وهو ما مكن المسلحين في اليوم التالي من شن هجوم مسلح واقتحام مديرية الأمن الداخلي في البياضة، حيث نجحوا في ذلك اليوم (17 فبراير) في الاستيلاء على أسلحة ثقيلة تضمنت بنادق 105 ملي مضادة للدبابات.

 هجوم الإسلاميين على الثكنات العسكرية

على مدى هذه الليلة واليوم التالي (18 فبراير) نقل مسلحو البياضة المنتصرون أسلحتهم الجديدة على مسافة 10 أميال باتجاه الشرق إلى مدينة «شحات» لمهاجمة الثكنات العسكرية في لواء «الجارح». منذ يوم 16 فبراير، كان المحتجون يلقون القنابل الحارقة والصخور على تلك الثكنات، لكنهم ظلوا خارج القاعدة العسكرية وفشلت كل محاولاتهم لاقتحامها. لكن الأمور انقلبت رأسا على عقب عندما جاء مسلحون من البياضة يحملون أسلحتهم الثقيلة وبنادقهم الآلية، مدعومين بإسلاميين مسلحين من مدينة درنة القريبة. ومن داخل الثكنات، انشق رئيس القائد المساعد وبعض جنود «كتيبة حسين الجويفي»، مما زاد من عدد الأسلحة والمقاتلين في صفوف المتمردين. في هذه الأثناء، استخدم المسلحون «اللودرات» لحفر فتحات في الجدار المحيط بالقاعدة ليتسللوا من خلالها، ثم اشتبكوا مع القوات داخل القاعدة في معركة دامية بالأسلحة النارية. في أثناء المعركة، قام المسلحون بإلقاء القبض على خمسة عشر جنديا من أصحاب البشرة السمراء، وأعدموهم في الحال ظنا منهم بأنهم مرتزقة أجانب، لكن تبين بعد ذلك أنهم ليبيين يحملون جنسيات مزدوجة.

وفي اليوم التالي (19 فبراير)، تمكن المسلحون من الاستيلاء على الثكنات بمدينة شحات، ووضعوا أيديهم على ما بها من عربات مدرعة وأسلحة ثقيلة، ثم نقل هذه المعدات الجديدة في ثلاث ساعات فقط إلى بنغازي لدعم الهجوم على قاعدة «الكتيبة». في هذا السياق أفادت وكالة «أسوشيتد برس» أنه «اقتحم حشد من الثوار قاعدة عسكرية محلية، وأجبروا جنودها على تسليم أسلحتهم، بما في ذلك ثلاث دبابات صغيرة. وتم نقل هذه الأسلحة إلى بنغازي لدعم اقتحام السور المحيط بقاعدة «الكتيبة». وقد بقيت هياكل المركبات المحترقة عالقة في الحفر التي صنعتها لمدة أيام».

رواية أمريكية

ويقول ويليام تايلور، وهو أحد الضباط في وكالة الاستخبارات الأمريكية، «كان المحتجون أيضا قد قاموا بنهب مخزن أسلحة محلية من كتيبة «حسين الجويفي»، ونقل بنادقها الآلية إلى «قاعدة الفضيل بو عمر» في بنغازي.

كما وثقت «منظمة العفو الدولية» التصعيد الذي شهدته قاعدة «الكتيبة» في يومي 19 و20 فبراير، مشيرة إلى أنه «بحلول ذلك الوقت كان المحتجون القادمون من البياضة قد اجتاحوا القاعدة العسكرية في شحات، ونهبوا ما بها من أسلحة وذخائر». وفي بنعازي أشارت وكالة أسوشيتد برس إلى أن الهجوم على قاعدة «الكتيبة» بلغ ذروته في يوم 20 فبراير، حيث «انضم إليه أفراد من مدينتي درنة والبياضة، الذين حصلوا على أسلحة من قواعد أمنية محلية».

وبالإضافة إلى المركبات المدرعة والأسلحة الثقيلة والقنابل الحارقة والأسلحة الخفيفة واللودرات، ضمت ترسانة الأسلحة الخاصة بالمهاجمين في ذلك اليوم سيارات انتحارية مفخخة. ففي وقت سابق من الأسبوع نفسه، كانت القوات المعسكِرة داخل قاعدة «الكتيبة» قد تشككت في جنازة تسير في محيطها، واعتبرتها تهديدا أمنيا، ومن ثم قام الجنود بتفريقها بالقوة؛ مما أثار إدانة دولية. وفي يوم 20 فبراير تأكدت هذه الشكوك عندما انحرفت سيارة محملة بخزانات البروبان ومتفجرات عن مسار جنازة أخرى وانفجرت بقوة في بوابة قاعدة الكتيبة مخلفة فتحة كبيرة تمكن المسلحون من الدخول من خلالها. واضطر الجنود إلى الانسحاب إلى داخل القاعدة.

السيطرة على المنطقة الشرقية

كان القذافي يعي تماما أهمية هذه القاعدة للسيطرة على المنطقة الشرقية من البلاد، ومن ثم فقد كلف وزير داخليته، عبد الفتاح يونس، بقيادة كتيبة من القوات الخاصة لدعم القوات داخل القاعدة في مساء 20 فبراير. ولدى وصوله، أدرك يونس أن المد قد تحول باتجاه المهاجمين. وعلى غرار ما فعله ضباط الإدارات الأمنية المختلفة في الأيام السابقة، آثر يونس الانشقاق عن نظام القذافي بدلا من خوض معركة دامية وخاسرة ضد المتمردين الذين أسلمهم مقاليد القاعدة. وفي اليوم التالي، 21 فبراير، سيطر المتمردون على أربع قواعد جوية في المنطقة الشرقية، وهي على التوالي قاعدة «أبرق» بالقرب من شحات، وقاعدة «بنينا» بالقرب من بنغازي، وقاعدة «آدم» بالقرب من طبرق، وقاعدة «بمبة» بالقرب من درنة. وهكذا، في غضون أسبوع واحد، سيطر المتمردون على الجزء الشرقي من البلاد بأكمله، مهيئين الأوضاع لحرب أهلية شاملة.

عانت المناطق الأخرى في ليبيا على مدى هذا الأسبوع أيضا من بعض القلاقل التي تضمنت مسيرات احتجاجية وإشعال النيران في مبان حكومية. لكن، على عكس الأحداث في الشرق، لم تكن الأحداث في سائر أنحاء البلاد تحت قيادة مقاتلي «تنظيم القاعدة»، كما لم تكن مسلحة بدرجة عالية؛ مما ساعد القذافي على إخمادها بحلول بداية شهر مارس (أي قبل أسبوعين فقط من تدخل الأمم المتحدة). ومن ثم، فإنه لولا تدخل مقاتلي القاعدة في الأحداث في المنطقة الشرقية، لما أثارت الثورة هذا العنف من قبل الدولة، الذي دفع في نهاية المطاف باتجاه التدخل الدولي.

معمر القذافي ووزير داخليته عبد الفتاح يونس

  إدارة اوباما والقراءة الخاطئة

يسلط الدور الخفي لتنظيم القاعدة في الثورة الليبية الضوء على عدد من الدروس المستفادة. أولا، يمكن أن تشكل عدم دقة التقارير الإعلامية بشأن الأزمات الناشئة خطورة بالغة. وترجع عدم الدقة في كثير من الأحيان إلى انجذاب المراسلين إلى المدن الكبرى (في هذه الحالة بنغازي، حيث كانت الاحتجاجات سلمية في البداية)، وتجاهل الأحداث الكبرى في المناطق النائية مثل تمرد الإسلاميين في المدن الشرقية. تقدم التظاهرات السلمية أيضا صورا رائعة تميل إلى الهيمنة على التغطية الأخبارية الدولية، حتى في الوقت الذي لا تكون فيه موجِهة للأحداث على أرض الواقع. إضافة إلى ذلك، يميل المراسلون الغربيون في الدول السلطوية إلى التعاطف مع المنشقين المحليين، ويعتمدون عليهم في الحصول على معلومات ربما تكون مضللة. ومن ثم، فإن مستهلكي الأخبار – خاصة من صناع السياسات – يحتاجون إلى التحقق بعناية مما تقدمه وسائل الإعلام قبل التجاوب مع الأحداث، خاصة إذا كان بحجم تدخل عسكري.

باراك اوباما

 يبدو أن المسئولين الأمريكيين رفيعي المستوى في إدارة الرئيس باراك أوباما، و الذين أيدوا التدخل – خاصة المساعد الخاص بالبيت الأبيض سامنثا باور، والمندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس، ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، ومعهم أوباما – قد عانوا من سوء إدراك للحقائق على الأرض على مستويين.. الأول: أنهم لم يدركوا أن الثورة الليبية تخضع لقيادة مسلحين إسلاميين، والثاني أنهم اعتقدوا أن قوات القذافي كانت تستهدف مدنيين أبرياء. وترجع هذه الأخطاء الجوهرية بالأساس إلى سببين محتملين، هما إساءة فهم الاستخبارات الأمريكية للأحداث، ربما بسبب الدعاية الثورية المضللة، وهو ما ترتب عليه تقديم معلومات خاطئة بين يدي صانع القرار. أما التفسير البديل فهو أن تكون وكالات التجسس الأمريكية قد فهمت الأمور على حقيقتها، لكن مسئولي الإدارة اعتمدوا على المواد الإعلامية لأنهم فشلوا في قراءة التقارير الاستخباراتية، أو لأنهم لم يثقوا فيها. وفي كلتا الحالتين، فإن المؤسسة السياسية الأمريكية بحاجة إلى أن تحدد بدقة سبب هذا الإخفاق السياسي الذريع، حتى يتسنى لها اتخاذ خطوات تحول دون تكراره.

سامنثا باور               هيلاري كلينتون                 سوزان رايس

في كتابي The Limits of Humanitarian Intervention : Genocide In Rwanda (حدود التدخل الإنساني: المذبحة في رواندا) (2001)، أكدت أن التوجه نحو التدخل السريع لتجنب حدوث مذابح أمر يمكن تبريره على المستوى الإنساني، خاصة أن عمليات قتل المدنيين يمكن أن تُرتكب بسرعة كبيرة، وهو ما قد يجعل ’فاتورة‘ التباطؤ في اتخاذ قرار التدخل فادحة. أما على المستوى السياسي، فإن القرار المتعجل أيضا يزيد من خطورة أن تؤدي المعلومات المغلوطة إلى نتائج عكسية، على غرار ما حدث في ليبيا.

*هذه المادة مترجمة.. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا ?

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock