منوعات

المرأة.. الرقم الصعب فى معادلة الانتخابات التونسية

إيمان الزيات – مدير تحرير صحيفة The Arab Weekly

عرض وترجمة: أحمد بركات

من بين أكثر من سبعة ملايين ناخب لهم حق التصويت، في الانتخابات الرئاسية القادمة في تونس، سيدلي حوالي مليون ونصف شخص بأصواتهم للمرة الأولى في هذه الانتخابات. وتشكل النساء والشباب – بحسب البيانات التي أعلنتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس – نسبة غير قليلة من هؤلاء ’المصوتين الجدد‘، ما يعني أن هاتين الشريحتين ستضطلعان على الأرجح بدور أكثر أهمية في تحديد مستقبل البلاد.

تشكل المرأة التونسية كتلة تصويتية مهمة، خاصة في حال اللجوء إلى جولة ثانية – كما هو متوقع – لحسم السباق. ففي الانتخابات الرئاسية التي شهدتها تونس في عام 2014، اضطلعت المرأة التونسية بدور حاسم في فوز الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، حيث حصل على 61% من أصوات النساء، مقارنة بـ 39% فقط لمنافسه المنصف المرزوقي.

الباجي قايد السبسي                                 المنصف المرزوقي

لكن، في هذه المرة، كما يؤكد محللون وخبراء سياسيون تونسيون، تعاني الكتلة الانتخابية النسائية في تونس من انقسامات واضحة، وهو ما سيضيف بُعدا جديدا إلى المشهد الانتخابي القادم. في هذا السياق تشير سناء غنيمة، رئيس جمعية المرأة والريادة، والمتحدث باسم الحملة الانتخابية للمرشح الرئاسي عبد الكريم الزبيدي، إلى أن «هذه الدورة الانتخابية تشهد انقساما واضحا داخل الكتلة الانتخابية النسائية بسبب الإحباط الذي أصاب المرأة التونسية في أعقاب انتخابات عام 2014». وتضيف: «نبذل قصارى جهدنا في الوقت الراهن لضمان عدم تحول هذه الانقسامات إلى سبب في إخفاق محتمل للمرشحين التقدميين».

المرشح الرئاسي عبد الكريم الزبيدي

وتتفق مع هذا الرأي إقبال الغربي، الأستاذة بجامعة الزيتونة والمتخصصة في قضايا المرأة والإسلاميات، مؤكدة «لا تشكل النساء التونسيات لوبي انتخابيا، حيث ستصوت كل منهن بحسب انتمائها السياسي والاجتماعي، وخلفيتها الشخصية، ومخزونها المعرفي والمادي».  

  وفي سبيل حشد الناخبات التونسيات، ترى غنيمة أنه يتعين على المرشحين تقديم «حجج برجماتية» تجتذب النساء وأبناءهن. وأضافت أنها تثق في أن «النساء سيظهرن في هذه الانتخابات قدرة على تحمل المسئولية السياسية في خدمة أهداف تونس ما بعد الثورة».

نموذج رائد

وبرغم التحديات الراهنة، فقد قدمت تونس نموذجا رائدا في المنطقة في مجال حقوق المرأة. فبعد أكثر من 60 عاما من صدور قانون الأحوال الشخصية في تونس، تتمتع المرأة التونسية اليوم بحريات اجتماعية وحماية قانونية قل أن تتوافر لنظيراتها في الدول العربية الأخرى. وفي ظل المقاومة التي تبديها القوى المحافظة في البلاد، تواصل المرأة التونسية المضي قدما من أجل تحقيق المساواة الكاملة بالرجل.

«إن الديمقراطية والمساواة صنوان لا يفترقان؛ إذ لا تتحقق الأولى ما لم تتمتع المرأة بالمساواة الكاملة في حقوق المواطنة ومسئولياتها. واليوم ينظر المجتمع العالمي إلى حقوق المرأة باعتبارها جزءا لا يتجزأ من حقوق الإنسان. إن تونس التي نطمح إليها لا يمكن أن تكون سوى ليبرالية وتعددية وعلمانية»، كما تقول الغربي.

وتضيف أن من أبرز مكاسب الثورة فى تونس أنها جعلت المرأة التونسية تحمل نضالها إلى الفضاء السياسي آملة في تحقيق مزيد من المكاسب. هذا النضال الذى تطور عبر تاريخ طويل سطرته العديد من الرموز النسوية اللاتي شكلن «الوعي الجمعي» التونسي، من شاكلة «’إليسا – ديدو‘، مؤسس ’قرطاج وكاهينا‘ والرمز الأيقوني لمقاومة البربر. وامتد هذا التراث التمكيني للمرأة على خط مستقيم حتى الثورة التونسية التي لعبت فيها المرأة دورا حاسما من خلال انضمامها إلى الحركات الاجتماعية والتظاهرات ونشر نماذج المقاومة على منصات التواصل الاجتماعي وتنظيم المسيرات والحملات الاجتماعية بهدف تعزيز التضامن بين مختلف فئات المجتمع التونسي».   

تاريخ من التمكين للمرأة

حصلت المرأة التونسية على حق التصويت في عام 1957، بعد عام واحد من الاستقلال. وبعد عامين، شرعت في تقلد مناصب مهمة في المؤسسات المحلية والإقليمية، إضافة إلى الحكومة والبرلمان. وفي عام 1999، خصصت تونس ’كوتة‘ للمرأة في القوائم الانتخابية، إلا أن هذا لم يصبح ملزما قانونيا إلا في عام 2011. وبعد ذلك، في عام 2014، ترشحت آمنة منصور القروي وكلثوم كنو للرئاسة في سابقة منذ إعلان الجمهورية. وتخوض القروي وكنو في هذا العام السباق الانتخابي البرلماني، الذي يعد الأهم والأقوى في نظر التونسيين.

آمنة منصور القروي                                          كلثوم كنو

ويشهد السباق الرئاسي التونسي الحالي منافسة مرشحتين أخريين، هما عبير موسي، رئيس الحزب الدستوري الحر المناهض للإسلاميين، وسلمى اللومي الرقيق، رئيس حزب الأمل. وكانت اللومي، التي أعلنت استعدادها للانسحاب من الانتخابات الرئاسية في حال توافق أحزاب الوسط على مرشح يمثل هذا التيار، قد صوتت لصالح مشروع قانون بشأن المساواة في الميراث، الذي اقترحه قايد السبسي لضمان حصول المرأة على حصة ميراثية مساوية للرجل. وعبرت موسى عن تحفظها على هذا المشروع بدعوى أن التوصية بالمساواة في الميراث بين الرجل والمرأة، الواردة في تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة، يمكن أن تخصص جزءا من التركة للأطفال المولودين خارج إطار الزواج، وأن تقنن تمرد الأفراد على المعايير الاجتماعية.

سلمى اللومي                                       عبير موسى

وفي الوقت الذي تبدأ فيه الناخبات التونسيات تقييم المرشحين، تتوقع الغربي أن يقع الاختيار في النهاية على «القادة الذين يملكون برامج سياسية ترسخ وتدعم المنجزات القانونية والاجتماعية للمرأة، والذين يمتلكون مشروعات مجتمعية تجسد أحلامها بالحرية والمساواة». وتضيف: «فكرة التكافؤ محورية للديمقراطية التونسية الناشئة، ليس فقط على مستوى المبادئ النظرية، ولكن لأن الديمقراطية التي لا تمثل المجتمع بأسره هي ديمقراطية منقوصة. ويمثل التكافؤ الحالة المثالية التي يجب تتبعها والسعي من أجل تحقيقها على الأرض». لكن، برغم الحضور النسائي في قوائم المرشحين، لا يزال تمثيل المرأة منقوصا في مواقع السلطة.

وبينما تزداد احتمالات ارتفاع نسب المشاركة في الانتخابات الرئاسية القادمة، تتعالى الأصوات المطالبة بعدم المشاركة كشكل من أشكال التصويت العقابي ضد الطبقة الحاكمة. وفي هذا السياق تقول الغربي: «تمثل عدم المشاركة في الديمقراطيات التمثيلية الحديثة شكلا من أشكال التصويت التأديبي بهدف التعبير عن حالة استياء من أداء القادة السياسيين. وفي تونس يشكل هذا التوجه خطرا على ديمقراطيتنا الناشئة. ولمجابهة هذا الخطر ووقف التوجه الانسحابي المتسلل إلى المشهد الانتخابي يتعين على القوى السياسية والاجتماعية بمختلف انتماءاتها ومشاربها العمل على نشر الوعي بين المواطنين بمزايا الديمقراطية وإبراز تعقيدات المشهد الحالي وتجذير ثقافة المشاركة».

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock