ثقافة

واقع ثقافى عربى مأزوم: حين يقف «الشعر» ذليلا على أبواب النشر

الشعر مش بس شعر لو كان مُقفى وفصيح

الشعر لو هز قلبك وقلبى .. شعر بصحيح

«نجيب سرور»

 الشعر في خطر.. ربما تبدو هذه العبارة في محلها تماما، بالنظر إلى حال ومكانة الشعر في راهننا الثقافي والإبداعي، ومقارنة بما كان عليه في السابق، حين كان نجوم الشعر الكبار يتصدرون المشهد، ويخوضون معاركهم الكبيرة حول القضايا الكبرى التي تمس الهم الجمعي الوطني والقومي.. اليوم غابت القضايا الكبرى أو ربما تم تغييبها وتهميشها، بما في ذلك تهميش الشعر والشعراء أنفسهم.. في هذا التحقيق نسلط الضوء على راهن الشعر العربي وأسباب تراجع مكانته على الساحة الإبداعية والثقافية العربية.

اقرأ أيضا: 

 فى البداية يقول الشاعر والناقد المغربي عزالدين بوركة إن الشعر فعلا هو أقل الأجناس الإبداعية التى تحظى باهتمام  من قبل دور النشر العربية، هذا الجنس الأدبي والفني الذي كان يوصف بأنه ديوان العرب ولسان حالهم، بل إن الشعوب الناطقة بالعربية كانت تفاخر بعضها بعضا بشعرائها وبما أنتجوه من قصائد وأبيات شعرية.. اليوم هناك سطوة لأجناس أخرى وجدت لنفسها طريقا نحو الإعلام، ومنه إلى القراء الجدد المتأثرين بكل ما يروجه الإعلام عبر قنواته ووسائله المتشعبة، ويأتي على رأس هذه الأجناس الرواية بالطبع.

عزالدين بوركة

ومردّ ذلك –يضيف بوركة – يعود إلى ميل الجيل الحالي نحو المعطى المباشر والسهل والذي لا يتطلب في كثير من الأحيان طاقة كبرى من التفكير. بالمقابل فقد سطا نوع شعري طيلة العقود الماضية يتسم بالغموض وتكثيف الصور وملء النص الشعري بالرمزية.  

ويشير بوركة إلى أنه ومع موت الأيديولوجيات وانهيار الأقطاب المتصارعة عالميا، لم يعد للشعر أي دور في تحريك الشارع أو نقل معنى مؤدلج أو قول حقيقة سياسية أو حزبية، وبالتالي نظرت جماهير عدة للشعر على أنه يحتضر وبينما نظرت له جماهير أخرى من زاوية غموضه و صعوبة التعاطي مع قول الشاعر. لهذا ومع نفور الجماهير من النص الشعري، غيرت دور نشر عديدة سياستها تجاه نشر المجاميع الشعرية، إذ بعضها وبعدما كانت متخصصة في نشر المنتوج الشعري أغلقت أبوابها في وجه الشعراء نهائيا، بينما أخرى قررت التعامل مع المنتوج الشعري تعاملا يكاد يوصف بالعنصرية بالمقارنة مع باقي الأجناس الأدبية الأخرى، إذ يجد الشاعر نفسه أمام خيارين في أحسن الأحوال، إما دفع نصف مستحقات الطبع أو يدفعها بالكامل. ونادرا ما يتم طبع المجاميع على حساب الدور إلا في حالة ما كان الشاعر له باعه الطويل إعلاميا أو تلقت الدار دعما من جائزة ما أو جهة معينة داعمة كوزارات الثقافة.

ويختم بوركة بالقول إن شعراء كثيرين أصبحوا الآن يتعاطون مع الواقع الجديد بالنشر الإليكترونى الذى يشهد زخما سريعا، ولذلك فالشعر لم يمت أو ينته بل يغير جلده.

أما الشاعرة مروة أبوضيف فتقول إن الشاعر يضطر لأن يدفع من جيبه للنشر و ذلك لعزوف دور النشر عن الشعر بمختلف أنواعه وانحيازهم للروايات و الترجمات، وحتي إذا وُجد منبر للنشر المجانى للشعر فتحكمه الشللية و التوجهات الثقافية أو حتى السياسية في بعض الاحيان، و بالتالي فإذا أراد شاعر أن يرى ديوانه مطبوعا و متاحا في أيدي القراء فعليه أن يدفع من ماله اللهم إلا إن كان اسما معروفا و له قراؤه و جمهوره.

مروة أبو ضيف

لكن لجوء الشعراء للنشر الإليكترونى ساهم- كما ترى أبو ضيف – فى حل كثير من مشكلات النشر، ومع ذلك يظل للديوان  المطبوع ألقه الخاص، كما يظل حلما للشاعر وحلما مشروعا تماما لولا فساد منظومة النشر.

تدجين الشعر

وتقول الشاعرة رضا أحمد: «نحن في عصر ساد فيه استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لعرض الإبداع، وصارت الخيارات محدودة لتدجين الشاعر ومنتجه، وأشعر في بعض الأحيان أنني مدينة بالفضل للفيس بوك في نشر قصائدي أنا وبعض أبناء جيلي الذين لم يحالفهم الحظ في الإنطلاق بقصائدهم من خلال الدوريات الادبية العتيقة، التي خف بريقها بسبب نشرها لمبدعين بعينهم، واعتمادها على الشكل التقليدي للقصيدة أو اسم الشاعر الكبير ومنجزه الأدبي. لذا لم نكن مضطرين لدفع شيء سوى تقديم تجاربنا في كتابة قصيدة مختلفة، ربما ينقص بعضها النضج الذي يحصل عليه الشاعر المبتدئ باشتغاله على مشروعه قراءة وتراكما معرفيا وجماليا وكتابة في النهاية.

رضا أحمد

 وتضيف رضا أحمد أن الشاعر المبتدئ يضطر غالبا لأن يدفع مقابل نشره لديوان، ونجد أن دور النشر الكبرى لا تقبل مادته دون وساطة ومحسوبية، وبعضهم يقبل على مضض لو وجد أن صفحته على الفيس بوك يتابعها الآلاف، حتى لو كان ديوانه غير جيد ويفتقد إلى المعايير والجماليات والتقييم الفني والأدبي المنصف والنقد المحترف، لكنه منطق التجارة وخطط التوزيع والمصلحة التي يفرضها واقع سوق النشر الذي يبتعد عن اصدار الدواوين حاليا لعدم رواجها تجاريا وتراجع الاقبال عليها.

أما الشاعرة الجزائرية شامة درويش فتقول: ما يعانيه الشعر مع دور النشر أكبر بكثير مما يعانيه النثر، حيث يُطلب من الشاعر دفع مبلغ كبير لتعويض دار النشر بحجة أن الشعر لم يعد له قراء، وأننا نعيش عصر الرواية بامتياز، لكني أجد في الأمر استغلالا واضحا للكاتب، لأن الرواية ليست منزهة، فبعض الروائيين يدفعون مقابل النشر كذلك. 

شامة درويش

في النهاية يبقى الشعر سيد نفسه، كما تؤكد  شامة درويش، فلا يحده كتاب ولا دار نشر، ويبقى النثر نثرا، وتبقى اللغة سيدة الوجود، تحيط كينونتنا من كل جانب، فلا نملك إلا أن ننصاع لها، أما المعنى، فهو ابن الذوق، قد يسمو وقد ينحط.

أين الدولة؟

وتلفت الشاعرة والكاتبة الصحفية سمية عبد المنعم إلى اضطرار كثير من المبدعين للإذعان لشروط دور النشر الخاصة والتي يأتي في مقدمتها دفع مقابل مادي لقاء نشر العمل، ومنهم من يرضخ لقبول نسبة ضئيلة جدا من ربح المبيعات، وذلك رغبة في تحقيق حلم النشر ،وهو ما يستغله بعض الناشرين محققين من ورائه أرباحا هائلة.

سمية عبد المنعم

وتقول سمية عبد المنعم إنها شخصيا تعرضت في بداية مشوارها الابداعي لمثل هذا الاستغلال.. الا أنني أبيت الاستسلام، وربما دفعت بالفعل لدور النشر بعض المال لكنه مبلغ ضئيل جدا لا يغطي تكلفة العمل وخروجه للنور، في مقابل مبالغ غير منطقية طلبتها مني دور نشر أخرى.

 وتضيف: «أرى أن هناك بدائل قد تكون محدودة لكنها موجودة على كل حال، تتمثل في مؤسسات النشر الحكومية مثل هيئة الكتاب وهيئة قصور الثقافة، والمركز القومي للترجمة، الا أنه يؤخذ عليها استغراقها وقتا طويلا قد يتجاوز العام حتى يخرج العمل للنور وذلك لكثرة الاعمال المقدمة إليها والتي تدخل لجان قراءة وتنقية وإجازة، وهو ما يصيب الكاتب بالملل وربما باليأس أحيانا ويدفعه للاتجاه الى دور النشر الخاصة مرغما.

 وترى أن الحل في تدخل الدولة واتحاد الناشرين لوضع ضوابط وفرض نوع من الرقابة على تلك الدور للحد من استغلالها الذي يؤثر سلبا على صناعة الثقافة بمصر، ورغم ذلك فان هناك بعض دور النشر الخاصة التي لا تتقاضى مقابلا لانتاج العمل الابداعي، لكنها قليلة جدا

  الشاعرة التونسية ريم قمري تقول: عندما بدأت في التفكير في النشر مع ديواني الأول صدمت بصعوبات النشر و العراقيل الكبيرة، لدرجة تشعر معها  بالخجل وأنت تتواصل مع دور النشر من أجل نشر ديوان شعر، لأنك ستجد نفس الإجابة تتكرر.. الشعر لا يباع و نشره يعتبر خسارة لنا، لكن اذا كنت تريد تطبع على حسابك تفضل، والطباعة على حساب الشاعر مكلفة جدا، وفي اغلب الأحيان يستدين الشاعر ليقوم بطباعة ديوان، لن تكلف دار النشر نفسها حتى بتوزيعه بشكل لائق و محترم، لتبقي النسخ مخزنة في المستودعات إلى ان يتم اتلافها لاحقا.

ريم قمري

وتعترف بأن لشعر يعاني أزمة كبيرة من حيث النشر و الاقبال على القراءة بما أنه لا يوزع بشكل جيد ولا يتم القيام بدعاية كافية له على غرار الرواية مثلا، ويبقي هاجس الشاعر أن يصل صوته وشعره، لأن ما يحركه هو حب الشعر حتى لو كلفه ذلك أموالا يتحمل نفقة تسديدها على حساب أسرته ومتطلبات حياته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock