فن

على هامش مهرجان المسرح التجريبى: شهادات حية عن الحركة المسرحية في أفريقيا

احتفى مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي في دورته ال26 هذا العام بالمسرح الإفريقي، حيث حمل المحور الفكري للمهرجان عنوان: «المسرح الإفريقي المعاصر»، والذي مثل مناسبة لفتح باب النقاش حول هوية المسرح الإفريقي وخصوصيته ومشاكله وأزماته، إلى جانب طرح سؤال الهوية الثقافية الإفريقية، ومدى قدرة صناع المسرح الأفارقة على إبراز تلك الهوية على تنوعها وثراء تجلياتها، وذلك عبر سلسلة من الندوات النقاشية التي عقدت على هامش المهرجان.

هذا الاحتفاء بالمسرح الإفريقي يأتي في اهتمام اوسع توليه مصر حاليا بإفريقيا وقضاياها المختلفة والسعي لتعزيز العلاقات المصرية مع بلدانها ثقافيا وسياسيا، وذلك في إطار رئاستها الحالية الإتحاد الإفريقي،

المسرح الكينى والتنوع العرقي

 خلال احدى الندوات التي عقدت عن واقع المسرح في إفريقيا حاليا، عرض الفنان الكيني «جون سيبي أوكومو» والذي يعمل كممثل ومخرج وكاتب مسرحي، تجربته مع العمل المسرحي في كينيا، مشيرا إلى أن «إفريقيا ليست بلدا واحدا» وبالتالي يصعب الحديث عن خصوصية المسرح الإفريقي، ذلك أن إفريقيا تضم العديد من البلدان، ولكل بلد ثقافته الخاصة التي تميزه عن غيره من البلدان، وبالتالي ما يتسم به المسرح في كينيا يختلف عما يتسم به المسرح بالبلدان الأخرى.

 وتطرق أكومو عن التعدد الثقافي الذي يشهده المجتمع الكيني، حيث توجد العديد من المقاطعات ولكل مقاطعة مؤسساتها الثقافية الخاصة بها، إضافة إلى عدم وجود سياسة ثقافية وطنية موحدة ومحددة تعبر عن كينيا كوطن لكل أبنائه، وذلك على الرغم من أن الدستور بكينيا بات ينص على عدم التفرقة العرقية إلا أن واقع الحال مازال يشهد نوعا من التفرقة والتمييز العرقي داخل كينيا.

هذا التعدد الثقافي داخل الوطن الواحد رغم ما يصحبه من أزمات تتعلق بالتفرقة العرقية إلا أنه قد منح صناع المسرح في كينيا – كما يقول أكومو- أرضية خصبة جعلتهم يبدعون العديد من الأعمال التي تتناول قضايا التفرقة العرقية وقضايا إنتهاكات حقوق الإنسان من سجن وتعذيب وإخفاء قسري وإغتصاب، إلا أن السلطات الحاكمة بكينيا كثيرا ما تضيق بتلك الأعمال الفنية إلى حد إعتقال مبدعيها ومنع بعض العروض المسرحية.

مسرح المقهورين في أوغندا

أما «جيسكا قهوة» الفنانة الأوغندية والأستاذة المساعدة بقسم الفنون الأدائية والفيلم بجامعة ماكيريري بأوغندا، فقد تناولت في ورقتها المعنونة: «المسرح المعاصر في أوغندا» الأشكال والبنى المتنوعة للمسرح في أوغندا ما بعد الاستعمار.

وأوضحت في هذا الصدد أن فناني المسرح في أوغندا قد أرتكبوا العديد من الأخطاء المتعلقة بتبني رؤى المسرح الغربي ،ربما عن غير قصد منهم في مرحلة ما بعد الاستعمار. وقد نجم عن تلك الأخطاء بروز ما عرف بأزمة الهوية في المسرح الأوغندي، غير أن الجيل الجديد من صناع المسرح في أوغندا  تنبهوا لتلك الأزمة، وهو ما جعلهم يعودون مرة أخرى كي ينهلوا من نبع الثقافة والتراث الشعبي الأوغندي.

وتحدثت جيسكا عن الدور الذي لعبه المسرح في أوغندا في نشر الوعي ضد الاستعمار وذلك رغم قمع السلطات الاستعمارية لمختلف الأفكار والأشكال الفنية ،إلا أن هذا لم يمنع وجود عدد من العروض المسرحية التي اتصفت بكونها عروضا ترفيهية تحمل النقد لبنية السلطة الإستعمارية إلى جانب تناول مختلف القضايا المجتمعية.وقد استمر صناع المسرح الأوغندي – وفقا لجيسكا- في مرحلة ما بعد الاستعمار في طرح رؤيتهم حول قضايا الفقر والتهميش، فبات المسرح في أوغندا  يوصف بـ«مسرح المقهورين».

 لكن الحكومة الأوغندية- كما تقول جيسكا- لا تقدم أي دعم لصناع المسرح، على الرغم من دعمها لبعض الفنون الأخرى، فالحكومات الأوغندية تخشى من المسرح كفن تفاعلي مع جمهور الناس.

اما الأزمة الكبرى التي يعاني منها المسرح والفن عموما في أوغندا من وجهة نظر جيسكا، فتتمثل في تلك التهم التي توجه لفناني المسرح والفنانين بشكل عام، والمتمثلة في الخروج على الدين وتهم الخيانة وعدم الإنتماء للوطن، فضلا عن الاتهامات الأخلاقية  الأخرى.

وفي هذا الصدد تروي جيسكا تجربتها مع الرقص خلال العروض المسرحية، فتقول «إنها في كل مرة تشارك فيها بعرض راقص فإنها تُتهم بالشيطنة وعدم مراعاة الأخلاق المسيحية»،رغم أنها مسيحية متدينة تؤمن بمبادىء وأخلاقيات الديانة المسيحية.

 الطريف والمدهش في تجربة وأزمة الفنانين المسرحيين في كل من كينيا وأوغندا وما يتعرضون له من إضطهاد وتضييق من قبل السلطات في كلا البلدين، هو أن مبدعي المسرح في كينيا يغادرونها إلى أوغندا حال تعرضهم للإضطهاد، في حين يرحل  مبدعو أوغندا إلى كينيا، ما يتيح لكليهما فرصا للإبداع أكبر من تلك الفرصة المتاحة لهم في بلدانهم.

وعن ذلك تشير جيسكا إلى أن عددا غير قليل من كتاب المسرح الأوغنديين حين رحلوا إلى كينيا تمكنوا من البروز في مجال الكتابة المسرحية والعكس أيضا كان صحيحا بالنسبة للمسرحيين الكينيين.

 المسرح التنموي في زيمبابوي

الدكتورة فيبيكي غلورشتاد أستاذة علم الاجتماع من النرويج طرحت في ورقة بحثية بعنوان «الديمقراطية الحديثة وصناعة العالم .. حول المجال العام للمسرح التنموي في زيمبابوي»، رؤيتها حول الدور الذي يمكن أن يلعبه «المسرح التنموي» في دعم آليات التحول الديمقراطي بزيمبابوي.وأشارت في هذا الإطار إلى أن تراجع مساحة الديمقراطية في بزيمبابوي أثّر على تناول القضايا السياسية بالمسرح، غير أن هذا الوضع لم يمنع رواد المسرح التنموي من العمل داخل المجتمعات المحلية، وكتابة مسرحيات تفاعلية تكتب باللغة المحلية مع السماح لجمهور العرض بالتفاعل والإرتجال، بما قد يغير من النص الأصلي.

تروي فيبيكي تجربة مجموعة فنية من العاملين وفق آليات المسرح التنموي قاموا بمساعدة السكان المحليين بعدد من القرى  في طرح ومناقشة بنود الدستور بزيمبابوي، والذي ينص على إحترام حقوق الإنسان، هذا إلى جانب توثيق العديد من حالات إنتهاك حقوق الإنسان من خطف وإخفاء قسري وتعذيب ومن ثم تضمين تجارب تلك الحالات عبر عدد من العروض المسرحية.

 تشير فيبيكي إلى تعرض عدد من صناع تلك العروض المسرحية للإعتقال والسجن إضافة لمنع عدد من العروض المسرحية بصفة خاصة في المناطق الشمالية بالعاصمة الإدارية لزيمبابوي، حيث يسود المسرح التقليدي الذي يفتقد لآلية التفاعل مع الجمهور.

أزمة التدوين والتوثيق والتنظير

وفي مداخلتها خلال الندوة أوضحت الدكتورة أسماء يحيى الطاهر عبد الله الأستاذ بقسم المسرح بكلية الآداب بجامعة حلوان ورئيس الندوات بالمهرجان، أن الازمة التي يعيشها المسرح في إفريقيا ترجع بالأساس إلى تأخر ثلاثية «التدوين والتوثيق والتنظير» داخل المسرح الإفريقي، غير أن تلك الأزمة لم تمنع من بروز جيل جديد من صناع المسرح تمكنوا من الإفادة من مختلف فنون الأداء التلقائية المنتشرة بالقارة الإفريقية من حكي ورقص وغناء وفنون شفاهية وغيرها من فنون الأداء التلقائية المنتشرة بالقارة.

أسماء يحيى الطاهر عبد الله

 وقد نجح هولاء المبدعون – كما تقول اسماء يحيي –في توظيف كل تلك العناصر ووضعها في قالب مسرحي مقنن يتميز بكونه شكلا مسرحيا خاصا بهم إلى جانب أنه يتسم بعدم الإنعزالية عن المسرح العالمي في آن واحد.

وأشادت دكتورة أسماء بدور «المسرح التنموي» في عدد من البلدان الإفريقية، في طرح العديد من القضايا، سواء تلك المتعلقة بمناهضة الإستعمار وسياسات التمييز العنصري، أو طرحه للقضايا والمشكلات التي تخص المجتمعات المحلية التي يتم فيها تقديم تلك العروض التنموية.

إجمالا: فإن كل المداخلات والتجارب التي عرضت خلال هذه الندوة اظهرت بشكل لافت الهموم المشتركة لكل المسرحيين في أفريقيا، إذ أن فناني المسرح في كينيا وزيمبابوي وأوغندا على حد سواء، يعانون الكثير من الأزمات المتعلقة بنقص الدعم الحكومي الموجه لفن المسرح، إضافة إلى معاناتهم من ضيق مساحات الحرية المتاحة لفناني المسرح في تناول مختلف القضايا المجتمعية، خاصة تلك القضايا المتعلقة بنقد الأوضاع السياسية بالبلاد، هذا إلى جانب تعرض بعضهم للإعتقال، ومنع بعض العروض المسرحية، خصوصا العروض التفاعلية التي يصبح فيها الجمهور فاعلا في سير العرض المسرحي وصولا للإتهام بالخروج على الدين وخيانة الوطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock