فن

سيد حجاب.. صياد الكلمات.. ومُحَرِّك أشواق العشاق

لأب شاعر بينشد قصايده للنيل وصيادين السمك.. على بحيرة المنزلة بالدقهلية كان الميلاد، في العاشرة من عمره كتب أول قصيدة عن شهيد من شهداء الوطن، كبر الفتي عاشق لصيادين السمك وعروسة البحر والوطن، قدمه صلاح جاهين لقراء «صباح الخير» بقصيدة تحمل عنوان «ابن بحر»، ولما كتب أول ديوان له كان بعنوان «صياد وجنية» قدمه بكلمات بسيطة، عذبة وثرية «بلدنا.. بحيره ومدنه.. وآلام عددنا.. وأحلام تزيد عن عددنا».. أنه شاعر العامية الجميل الراحل سيد حجاب.

 سيد حجاب محرّك الأشواق

«أنا نص قلبي في البحيرة.. ونص قلبي في البلد.. ويا البنية والولد.. وف قلبي، ياما ف قلبي، حواديت تنسرد.. ياريت عروسة البحر.. ترمي نفسها ف وسط الشبك.. وتقول: أديني جيت.. يا شاطر شدني.. قلبي انشبك»

«سيد حجاب من الشعراء القلائل الذين كتبوا بلغة الناس البسيطة، واستطاعوا أن يخترقوا جدار الصمت، لينفذوا إلى جوهر الأشياء، واستطاعوا -بكل روعة- استخدام لغة الحديث اليومي لتحريك الأشواق إلى عالم جديد، متخطين عقبات الرموز واللغة. حتى كأنك تسمعها لأول مرة. إن الطبيعة الصامتة والحزن والكلمات تستحيل -في قصائد هذا الشاعر الموهوب- إلى دلالات حية، تنبض بحرارة الخلق وبكارته» هكذا كتب الشاعر عبد الوهاب البياتي سنة 1966 عن سيد حجاب وديوانه الأول «صياد وجنية».

الدكتور إبراهيم فتحي في قراءته لأشعار سيد حجاب يصفه بأنه واحد من قلة متوهجة الموهبة والوعي من الشعراء المصريين الذين قدموا إسهاما مصريا متميزا في تطوير القصيدة العربية. ذلك أن «العامية» لديه تعني الطابع الشعبي بحيويته ومرونته وثراء قاموسه، فالأداء اللغوي لدى سيد حجاب يتسم بالطزاجة والطاقة والجدة وكلماته على مستوى المعجم أعادت للشعر التصاقه بالجذور الحية للتجربة الحسية، حيث شاركت تجربته في علاج إغتراب اللغة وتدهورها.. كما أن شعر سيد حجاب يجعل اللغة فاعلة تنبع من الحياة الإجتماعية المعاصرة، فعاميته عبارة عن حضور اجتماعي إبداعي يثري هذه اللغة، ويبرز جمالها.

 «ومنين بيجي الشجن.. من اختلاف الزمن.. ومنين بيجي الهوى.. من ائتلاف الهوى.. ومنين بيجي السواد.. من الطمع والعناد.. ومنين بيجي الرضا.. من الإيمان بالقضا.. من إنكسار الروح.. في دوح الوطن.. يجي احتضار الشوق.. في سجن البدن.. من اختمار الحلم.. يجي النهار.. يعود غريب الدار.. لأهل وسكن».

الشعر يأتى طائعا

من منا لم يتذوق معانى وصور هذا الشعر العذب الجميل فى تتر ملحمة الدراما التليفزيونية الخالدة «ليالى الحلمية» وهل  كان للدراما المصرية معنى ونكهة خاصة دون تتر المقدمة والنهاية من تأليف سيد حجاب؟ ولعل سيد حجاب كان قادرا فى كل الأوقات وكل الأشعار على أن يفرش داخل قلوبنا مساحة للشجن .. اسمعه واصغ إلى عبقريته وهو يقول فى تتر مسلسل أرابيسك:

«وينفلت من بين أيدينا الزمان.. كإنه سحبة قوس في أوتار كمان.. وتنفرط ليَّام عود كهرمان.. يتفرفط النور والحنان والأمان.. وينفلت من بين إيدينا الزمان.. الشر شرق وغرب داخل في حوشنا.. حوشوا لريح شاردة تقشقش عشوشنا.. حوشوا شرارة تطيش تشقق عروشنا.. وتغشنا المرايات تشوش وشوشنا.. وتهيل تراب على الهالة والهيلمان».

المتتبع لأعمال الدراما المصرية التليفزيونية لا يمكن أن يغفل الدور البارز الذي لعبه سيد حجاب في تقديم تلك الأعمال الدرامية، فربما يتناسى الجمهور تفاصيل العمل الدرامي لكنه أبدا لا ينسى تتر المقدمة والنهاية لتلك الأعمال التي تمكن فيها شاعرنا من غزل معالم الشخصيات والأحداث والأجواء العامة التي تدور وتتحرك فى  هذا العمل الدرامي أو ذاك.

«الأيام» واحدة من أوائل الأعمال الدرامية التي كتب أشعارها وأغانيها سيد حجاب ووضع ألحانها عمار الشريعي وشدى بأغنياتها علي الحجار، نتتبع خلالها سيرة حياة عميد الأدب العربي طه حسين منذ كان طفلا صغيرا كفيفا يتحسس خطاه الأولى بقريته الأم.

«تحت نفس الشمس.. وفوق نفس التراب.. كلنا بنجرى.. وراء نفس السراب.. كلنا من أم واحدة أب واحد دم واحد.. بس حاسين باغتراب»

تتوالى الأعمال الدرامية التي يكتب أشعارها وأغنياتها سيد حجاب: «بابا عبده.. أديب.. الشهد والدموع.. ليالي الحلمية.. أرابيسك.. بوابة الحلواني.. الوسية.. ليلة القبض على فاطمة.. وقال البحر.. المال والبنون.. أميرة من عابدين.. الليل وأخره.. عفاريت السياله» وغيرها الكثير.

أراجوز المدارس

«دا أرجوز المدارس.. دا نوارة المجالس.. فارس ولا زيي فارس.. أواجه لا أوالس.. داري بحالنا ودارس.. وعلى جروح روحنا دايس.. وهيحكي لنا حكاية.. عن واد لايص وحايس.. واحكي يابن المدارس.. الواد عواد يا هوه.. همل في أرض أبوه.. والأرض عرض وإللي يفوت أرضه يتوه.. الأرض الشابة بارت.. قام جرفها استدارت.. وفلوس تجرفها طارت.. وقعد يائس وخانس.. واحكي يا بن المدارس».

إبداع سيد حجاب لم يقتصر على كتابة أشعار وأغاني أعمال الدراما التليفزيونية فحسب بل ساهم أيضا في كتابة أغاني عدد من أجمل الأعمال السينمائية: «الأراجوز.. كتيبة الإعدام.. البداية.. حنفي الأبهة.. حكاية الفتى الشرير.. الكيت كات.. ليه يا بنفسج.. لا تسألني من أنا» وغيرها.

يا طير يا طاير

«يا طير يا طاير طير على بلدي .. بلغ سلامي لوالدي ولولدي ولأم ولدي.. ولكل أحبابي وناس بلدي.. أنا هنا في أسوان أنا عامل والسد طالع بايدي.. مهما نشيل القلب مش شايل.. غير ابتسامة وحب وأغاني»

علاقة سيد حجاب بالإذاعة المصرية علاقة ممتدة على عدة أصعدة بدأت عام 1964 بكتابة أغنية «يا طير يا طاير» التي لحنها الفنان محمد فوزي وتغنت بها المجموعة، كما قدم مجموعة من الأعمال الإذاعية كان منها «بعد التحية والسلام» بالإشتراك مع عبد الرحمن الأبنودي، ثم «عمار يا مصر» و«أوركسترا“.

 براح ممتد

بدأ سيد حجاب الكتابة للمسرح عام 1973 بالمسرحية الغنائية «أبو علي» التي عرضت على مسرح العرائس بالقاهرة، ثم توالت الأعمال فكتب مسرحية «ولد وجنينة» ومسرحية «حكاية الواد بلية» ومسرحية «المخبر».

كما كتب أشعار وأغاني العديد من الأعمال المسرحية منها: «حدث في أكتوبر.. دنيا البيانولا.. نرجس.. كلام فارغ.. علشن خاطر عيونك.. شباب امرأة.. روض الفرج.. الواد سيد الشغال.. رأس المملوك جابر.. اثنين في قفة.. حزمني يا».

المدهش في مسيرة سيد حجاب أنه لم يكتف بكتابة الشعر والأغاني والمسرح، بل أنه بالإضافة إلى هذا كله ترجم «أوبرا الثلاث بنسات» لبريخت إلى العربية، كما كتب أوبرا عربية عن رواية «ميرامار» لنجيب محفوظ، وأوبرا شعبية عن رواية «السقا مات» ليوسف السباعي، إضافة لكتابة ثلاث أوبرات قصيرة عن قصص قصيرة ليوسف إدريس: «فوق حدود العقل.. حالة تلبس.. مسحوق الهمس».

أما الأكثر مدعاة للدهشة فقد تمثل في كتابته للأطفال بمجلة «سمير وميكي» إلى جانب العديد من القصص والمسلسلات والأشعار وتعد تجربته مع عمار الشريعي بآلبومي الأطفال «أطفال أطفال» و«سوسة» من أنجح التجارب الغنائية التي قدمت للطفل.

كما كتب سيد حجاب الكثير من الأغنيات لعلى الحجار وعفاف راضي  ومحمد الحلو منها ألبومات: «تجيش نعيش.. زي الهوي.. سوسة.. وبتسأل يا حبيبي» إلى جانب ألبومات فرقة الأصدقاء وفوازير «حاجات ومحتاجات» للفنانة الإستعراضية شيريهان.

و كتب سيد حجاب مقالات نقدية لمجلة «الآدب» البيروتية وجريدة «المساء» ومجلة «صباح الخير» ومجلة «روزاليوسف».

 رحيل المغرد

وكان لحجاب دور وإسهام فى الحركة الثقافية فقد شارك في تأسيس مجلة «جاليري 68» التي تأسست في أعقاب نكسة 1967، وقد ضمت إدوار الخراط وغالب هلسا وإبراهيم فتحي و حسن سليمان وغيرهم، لتكون بشارة كتابة جديدة مختلفة سعت لتغيير مناخ الكتابة الأدبية ومن ثم قدمت العديد من أدباء السبعينيات والثمانينيات.

حين اندلعت ثورة 25 يناير 2011، كتب سيد حجاب عن الثورة وشبابها، كما شارك بلجنة الخمسين التي كتبت دستور 2013.

جاء رحيل سيد حاجب المولود في 23 سبتمبر عام 1940 عن عمر يناهز السابعة والسبعين عاما في الذكرى السادسة لثورة 25 يناير عام 2017، مخلفا وراءه نبعا لا ينضب من الإبداع المتجدد.

«خايف يا صاحبي بموتك يبتدي موتي.. مهي ناس توصل في ناس وكلنا مروحين.. بس إحنا حتى إن رحلنا برضو مش رايحين.. هنعيش في ريم وفي مراد وفي دندنات الولاد.. بغنوة فارشة على ممشى الشقى رايحين».

صورة الغلاف

تصميم: عبد الله محمد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock