منوعات

18 عاما على أحداث سبتمبر(2).. أمريكا بين الظواهري والبغدادي

دانيل بايمان – مدير مركز دراسات السلام والأمن وأستاذ مشارك في مركز سابان لسياسات الشرق الأوسط

عرض وترجمة: أحمد بركات

يمكن أن تُلقي رؤية كل من أيمن الظواهري وأبو بكر البغدادي لما يحدث في العالم الضوء على المكاسب والخسائر التي حققتها الجهود الأمريكية لمكافحة الإرهاب؛ فالقادة الجهاديون يشعرون بالارتياح إزاء كل ما من شأنه أن يعرقل المساعي الأمريكية على جميع المستويات المحلية والإقليمية والعالمية، مثل انتشار أفكارهم وحركاتهم في العالم الإسلامي، وزوال شرعية كثير من أعدائهم المحليين الموالين لواشنطن، والإرهاق المتزايد في أوساط القادة والعامة في الولايات المتحدة، الذين يعارضون بقوة الحروب الأمريكية الأبدية ويحشدون ضدها. ومع اندلاع ثورات الربيع العربي في عام 2011، ظن الظواهري أن لعبة «الدومينوز» السياسي التي أسقطت أعداء الحركة الجهادية التقليديين، مثل نظام على عبدالله صالح في اليمن والقذافي في ليبيا  وغيرهما يمكن أن تقدم لهم فرصة سانحة لتحقيق أهدافهم.

 اقرأ أيضا:

محاربة العدو البعيد

في الواقع، تعتبر مقاومة الجهاديين للحملة العالمية التي قادتها الولايات المتحدة شأنا مثيرا للإعجاب. ففي رسالته التي بثها في سبتمبر 2018 تحت عنوان «كيف نواجه أمريكا»، دعا الظواهري إلى ضرورة «ضرب أمريكا بيد من حديد، واستنزافها حتى الموت على المستويين الاقتصادي والعسكري، “حتى ترحل عن أرضنا صاغرة حسيرة بإذن الله، كما رحلت من قبل عن فيتنام وعدن والعراق والصومال».

وفي فيديو نادر في عام 2019، امتدح البغدادي «الأخوة في سريلانكا» على هجمات عيد الفصح، التي أثبتت وجود وفعالية تنظيم الدولة بعد هزيمته وسقوط دولته في سوريا، رغم أن الهجوم لم يكن – على الأقل ظاهريا – موجها بشكل مركزي من قبل التنظيم. بهذه الطريقة يثبت التنظيمان مرارا قدرتهما الفائقة على تجاوز الخسائر، والتمسك بالبقاء، والتعافي، والعودة. ومن المرجح أن يوسع التنظيمان نطاق عملياتهما الإرهابية إذا توقف الضغط.

يجد الجهاديون أيضا ارتياحا عميقا في الانتشار الواسع والدعم القوي اللذين تحظى بهما أفكارهم اليوم، وهو ما لم يكن متاحا من قبل. فعند وقوع أحداث 11 سبتمبر، لم تكن فكرة محاربة «العدو البعيد» (الولايات المتحدة الأمريكية) تحظى بأي قبول أو دعم سوى من قلة قليلة داخل الدائرة الجهادية، بينما تركز اهتمام غالبيتهم على الأنظمة المحلية «القريبة» في بلادهم. لكن بحلول عام 2017، أكدت استطلاعات رأي موسعة أن أقليات مؤثرة في نيجيريا وتركيا ودول أخرى لديها وجهة نظر إيجابية حيال جماعات من قبيل تنظيم الدولة الإسلامية.

قبيل أحداث 11 سبتمبر أيضا تبنى بعض الجهاديين فكرة «عهد الأمن» مع أوروبا عندما فتحت لهم دولها أبوابها، وأمدتهم بالحماية اللازمة من الاضهاد والملاحقة التي كانوا يتعرضون لها في بلدانهم الإسلامية، ومن ثم، آل الجهاديون الذين قبلوا بالحصول على تأشيرة سفر إلى الدول الأوربية والعيش فيها على الالتزام بالسلام في مقابل الأمان. لكن مشاركة بعض الدول الأوربية بعد ذلك في الحروب في أفغانستان والعراق، أثارت حفيظة الجهاديين، واعتبروا أن هذه الدول قد نكثت عهدها معهم. وعكف تنظيم القاعدة تحديدا على تحويل الشبكات التي طورها لتصدير مقاتلين أجانب من أوربا للقتال في حروب في العالم الإسلامي إلى بؤر عملياتية لتنفيذ عمليات في قلب أوربا.

ثم أسهم إخفاق السياسات الأوربية في دمج مواطنيها المسلمين في المجتمع في اقتياد هذه العلاقة نحو مزيد من التعقيد. فهوة الشعور بالاغتراب بين المسلمين وغير المسلمين واسعة وربما غير قابلة للتجسير في أغلب البلدان، وتنعدم الثقة، أو تكاد، في جميع الأجهزة الأمنية. وبعد أن باتت الأوضاع الاجتماعية والسياسية أكثر إثارة للجدل، تبنت بعض الدول الأوربية إجراءات مناهضة للمسلمين، بدءا من الجهود الفرنسية لحظر الحجاب، ومرورا بالجهود السويسرية لحظر بناء المآذن، ووصولا إلى تقليل أو قطع الدعم عن اللاجئين المسلمين. وتفاقمت حدة التوتر بالعنف اليميني المتطرف الذي استهدف المسلمين بالأساس.

من ناحية أخرى، تعكس العقيدة العملياتية الجهادية التأثير العالمي الواسع لأيديولوجيا هذه الجماعات، كما تعكس أيضا ضعف قياداتها، حيث تتجه هذه العقيدة بصورة أكبر صوب ما يطلق عليه عمليات «الذئاب المنفردة»، أو الهجمات المستلهمة من القاعدة إلى القمة، أو – على أقل تقدير – العمليات التي لا تتطلب تنسيقات مباشرة عالية المستوى. ومع سقوط دولة الخلافة، دعا البغدادي بتنفيذ هجمات في الغرب، مشيرا إلى أن «عملية واحدة في الغرب تعدل 1000 ضربة في الشرق الأوسط». وبرغم نجاح الولايات المتحدة وأغلب دول أوربا في تقويض نشاط المقاتلين الأجانب، إلا أن هذه الدول (خاصة  الأوربية) عانت من سلسلة هجمات مستلهمة من تنظيم الدولة الإسلامية، أو بتوجيه محدود منها.

ضربة عنيفة

لكن برغم هذه النجاحات، كانت الخسائر في هذه المعركة جسيمة. فالهزيمة العسكرية لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا تفوق بكثير مجرد خسارة موقع عملياتي لأكبر جماعة جهادية في العالم. لقد خاطر تنظيم الدولة بجزء كبير من قوته و تأثيره من أجل استمرار وتمديد مشروع الخلافة، وفتحت له نجاحاته التي لم تدم طويلا معينا لا ينضب لتجنيد عناصر جديدة بصورة مكثفة. ومن ثم كان إسقاط داعش من قبل الولايات المتحدة اوحلفائها الأوربيين ضربة عنيفة نالت بقوة من النشاط التجنيدي للتنظيم. إضافة إلى ذلك، ركز التنظيم جل طاقته على البقاء على قيد الحياة ومحاولة النهوض مجددا، بدلا من التمادي والتوسع. كما تراجع نشاطه بقوة عن توجيه هجمات مدمرة في الداخل الغربي على غرار ما حدث في باريس في عام 2015.

ومن غير المرجح أن يجد الجهاديون مسرحا مناسبا للجهاد مثل سوريا على المديين القريب والمتوسط. لقد أثبت المحور السوري أنه أكثر فاعلية بكثير من الصومال ومالي وغيرها من الصراعات التي نشبت في حقبة ما بعد 11 سبتمبر. ومع توجه السياسة الأمريكية إلى تجنب السقوط في المستنقع السوري لعدة سنوات، اكتسب تنظيم الدولة الإسلامية مساحة أكبر للنمو والتمدد. في ساحات قتالية أخرى، وحيث يؤدي التدخل العسكري الأمريكي – سواء مباشر أو غير مباشر – إلى تقويض الجهاديين.

على الأطراف

في الواقع، يمكن النظر إلى هذا التحول فى الهجمات المستوحاة من القاعدة إلى القمة التي ينفذها أفراد غير مدربين باعتباره علامة ضعف وتراجع. ففي الوقت الذي كانت فيه دولة الخلافة تتمتع بالمنعة والنفوذ، حث تنظيم الدولة الإسلامية المتطوعين على الهجرة والقتال للدفاع عنها. وعندما كان تنظيم القاعدة يعيش مراحل قوته، سعى إلى تدريب المتطوعين وتوجيههم بصورة مباشرة في تنفيذ العمليات. ولكن، مع حدوث هذا التحول في ميزان القوة ووقوع القيادة المركزية في كلا التنظيمين تحت الحصار الخانق، كانت العمليات التصاعدية من القاع إلى القمة هي السبيل الوحيد إلى احتفاظ كل منهما بنشاطه العملياتي والقدرة على استهداف الأعداء.

من ناحية أخرى، تواجه الحركة الجهادية انقسامات عديدة على مستوى الاستهداف والتكتيك والأيديولوجيا، وقد تضاعفت هذه الانقسامات عما كانت عليه إبان هجمات 11 سبتمبر. وتمتد الخلافات أيضا إلى جدلية وجود دولة خلافة الآن من عدمه، أو ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية في المناطق التي تسيطر عليها هذه التنظيمات في مقابل الاكتفاء بالدعوة وتقديم الخدمات لكسب قواعد شعبية محلية. وعلى نحو أوسع، تنشب الخلافات ربما بصورة أكبر حول قضية قتل الأبرياء. فقد حذر بن لادن نفسه إخوانه الجهاديين من أن كثيرا من الجماعات الجهادية قد خسرت الدعم الشعبي عندما طالت عملياتها دماء الأبرياء، خاصة من المسلمين. وعندما تمكن تنظيم الدولة من أسر عمال إغاثة غربيين في سوريا ثم قتلهم، انتقدت جبهة النصرة القاعدية، هذا العمل بشدة، واعتبرته «جريمة في نظر الشريعة الإسلامية»، وأنه «سيأتي بنتائج عكسية».

لكن، حتى لو كانت أفكار الجهاديين قد اصبحت أكثر شعبية وانتشارا عما كانت عليه من قبل، إلا أنها لا تزال بعيدة عن التحول إلى حركة جماهيرية. يقف هذا على طرف النقيض من جماعات أخرى مثل حماس وحزب الله، اللذين انخرطا في معترك السياسة، ومارسا الحكم، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وبينما تمتلك هذه الجماعات تأثيرا عميقا في مجتمعاتها، تبقى التنظيمات الجهادية على الأطراف لعدم قدرتها على التوافق والدخول في المعترك السياسي من ناحية، وعجزها عن السيطرة على مساحة من الأرض وممارسة الحكم لفترة زمنية معتبرة من ناحية أخرى.

(يتبع)

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا ?

 

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock