مختارات

في ذكرى ميلاده: جلال الدين الرومي. «سلطان العارفين»… دليل العاشقين

هناك من يحب جلال الدين الرومي حد التقديس ونسج الأساطير عنه، وهناك من يتحامل عليه إذ يعتبر الإسلام براء من التصوف… لكن، لن يختلف اثنان في أنه واحد من أشهر أقطاب التصوف الإسلامي إن لم يكن أشهرهم، وفي هذا البورتريه نتابع بعضا من حكاية ذلك.

من منا لم يسمع يوما بجلال الدين الرومي؟ هو واحد من أشهر أقطاب التصوف الإسلامي إن لم يكن أشهرهم… بلغت شهرته الآفاق ولا زالت آثاره المكتوبة إلى اليوم تحقق مبيعات عالية.

كعادة هؤلاء، ثمة من يحبه حد التقديس ونسج الأساطير عنه، وثمة من يتحامل عليه إذ يعتبر الإسلام براء من التصوف… لكن، لن يختلف اثنان في أن الرومي استطاع إنزال التصوف من برجه العاجي، وإيصاله إلى الناس عامة.

كما يقول المفكر المصري عباس محمود العقاد في أحد مقالاته عن  الرجل: «تتنافس على نِسبة جلال الدين أربعة أوطان… فلا جرم أن تتفتح الأبواب للتنافس عليه؛ بحجة من الحجج، لكل منافس يحرص على هذه الدرة النفيسة، وإنها في الحق لذخيرة للحضارة الإسلامية وللإنسانية، يأخذ منها من شاء من بني الإنسان بنصيب موفور».

في هذا البورتريه إذن، نتعرف على بعض من سيرة حياة جلال الدين الرومي.

اسمه محمد بن محمد بن حسين الخطيبي البلخي، وترجع شجرة نسبه حتى أبي بكر الصديق. يعرف باسم «جلال الدين الرومي»، ويقدم في الغالب بـ«مولانا». وقد رأى النور في مدينة تقع اليوم بأفغانستان تدعى بلخ، في الـ30 من شتنبر 1207م.

أطفأ شمعته الرابعة ثم رحل والده، بهاء الدين، الذي كان يلقب بـ«سلطان العارفين» إلى بغداد… ثمة من يقول إن الأخير لم يكن يخاف في قوله لومة لائم، فكان أن أجبره سلطان بلخ على مغادرتها لحدة لسانه، وثمة من يقول إن استيلاء المغول على بلخ، كان سبب الرحيل.

أيا يكن، راحت الأسرة تتنقل من مدينة إلى أخرى، إلى أن طاب المقام في قونية (مدينة تركية)، عام 1228م، وكان ذلك في عهد حكم السلاجقة الروم.

كان الرومي عالم دين وحسب، حتى حل عام 1244م وحلت معه اللحظة الفارقة في حياته… كانت لحظة التحول هذه؛ وصول صوفي من فارس يدعى شمس الدين التبريزي إلى قونية.

الواقع أن والد جلال الدين حل بقونية بدعوة من حاكم الأناضول لسعة علمه ومعرفته، كي يعينه مديرا على مدرستها، حيث تلقى ابنه علوم الدين على يديه، ويدي تلميذه برهان الدين محقق.

دام ذلك لتسع سنوات. توفي الوالد وبرهان الدين، ثم بحلول عام 1240م، خلف جلال الدين الرومي معلميه على المدرسة، تدريسا وموعظة.

في غضون ذلك، كان الرومي يسافر بين الفينة والأخرى، فالتقى ذات يوم في دمشق بالشيخ الأكبر، محيي الدين بن عربي، الذي أهداه بعض أعماله، كان لها بالغ الأثر في نفس الرومي.

إلى هنا، كان الرومي عالم دين وحسب، حتى حل عام 1244م وحلت معه اللحظة الفارقة في حياته… كانت لحظة التحول هذه؛ وصول صوفي من فارس يدعى شمس الدين التبريزي إلى قونية.

كأي صوفي راح صيته يذيع، جذب الرومي الناس من كل الملل والديانات، فكل الديانات بالنسبة له خيرة… أما ما اشتهر به، فقد كان استعماله للموسيقى والشعر والذكر كسبيل للوصول إلى الله.

أعاد التبريزي صياغة فكر الرومي وطبيعة تدينه، كما أثر فيه سلوكا، حتى أن الأخير أنهى صلته بتلاميذه وقلل من مجالسته لأهل العلوم الظاهرة، وحول بوصلته إلى العلوم الباطنة.

يقول الرومي مؤكدا فضل التبريزي عليه وتأثيره البالغ: «إن شمس الدين التبريزي هو الذي أراني طريق الحقيقة، وهو الذي أدين له بإيماني ويقيني».

كان الرومي قريبا من التبريزي، الذي كان يعد من أقطاب الصوفية، حد أنه كان يثير حسد الآخرين… لكن، بعد 4 سنوات من حياة الرومي الجديدة هذه، اغتيل التبريزي ولم يعرف قاتله.

خلف مقتل التبريزي حزنا عميقا في نفس الرومي… حزن انعكس في مجموعة أشعار كتبها الرومي عن ذكريات الأربع سنوات تلك، ضمنها في ديوان عنوانه «ديوان شمس الدين التبريزي».

طقوس الرقص الدائري حول النفس التي يشتهر بها بعض الصوفيين، بخاصة في تركيا، كان الرومي هو الذي أحدثها… في الواقع، هذه الطريقة الصوفية تدعى “المولوية”، وقد اشتقت من لقب الرومي “مولانا”.

كأي صوفي راح صيته يذيع، جذب الرومي الناس من كل الملل والديانات، فكل الديانات بالنسبة له خيرة… أما ما اشتهر به، فقد كان استعماله للموسيقى والشعر والذكر كسبيل للوصول إلى الله.

طقوس الرقص الدائري حول النفس التي يشتهر بها بعض الصوفيين، بخاصة في تركيا، كان الرومي هو الذي أحدثها… في الواقع، هذه الطريقة الصوفية تدعى «المولوية»، وقد اشتقت من لقب الرومي «مولانا».

الموسيقى بالنسبة للرومي رحلة روحية تأخذ الإنسان في رحلة تصاعدية من خلال النفس والمحبة للوصول إلى الكمال، وقد شجع الإصغاء إليها في ما يعرف اليوم في الصوفية بـ«السماع».

خلف الرومي مؤلفات عدة، بعضها شعر وبعضها نثر… أما في الشعر، فقد أسس «المذهب المثنوي، الذي نظم به ديوانه «مثنوي معنوي» ويعتبر اليوم من أهم الكتب الصوفية الشعرية التي نظمت باللغة الفارسية.

الديوان يتضمن عشرات الآلاف من الأبيات الشعرية عن العشق الإلهي، بجانب بعض المواقف الفلسفية.

الرومي كتب أيضا «الرباعيات»، و«فيه ما فيه» الذي يتضمن 71 محاضرة ألقاها الرومي في مناسبات مختلفة، و«المجالس السبعة» الذي جمع فيه مجموعة من مواعظه، إضافة إلى «المكاتيب» وضمنه رسائل كان يبعث بها إلى معارفه ومريديه.

كُتب الرومي ترجمت إلى لغات عديدة، فكان لها بالغ الأثر في ثقافات عدة، كما أن أشعاره تغنى به العالم كله لتعظيمه قوة العشق، وقد كان بالمناسبة الشاعر ذي الأعمال الأكثر مبيعا في الولايات المتحدة عام 2014.

بعد حياة ناهزت 66 عاما، توفي جلال الدين الرومي في قونية في الـ17 من دجنبر/كانون الأول 1273، ولا زالت المدينة إلى اليوم تحتفل في ذكرى وفاته، في فعاليات تعرف باسم «ليلة العروس»؛ ذلك أن مريديه يعتقدون أنه كان ينتظر وفاته ليعود إلى الذات الإلهية.

نقلا عن: مرايانا marayana

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock