منوعات

أكاذيب أمريكا.. والوجه الآخر لحركة الشباب الصومالية

أليكس دي وال – خبير سياسي، ومدير مؤسسة السلام العالمي بجامعة تافتس

عرض وترجمة: أحمد بركات

تعتبر «حركة الشباب» الصومالية ثاني أكبر جماعة إسلامية متطرفة في العالم بعد «حركة طالبان أفغانستان» من حيث ما تتمتع به من مرونة وقدرة فائقة على العودة. فقد أثبتت الحركة قدرا من الذكاء والتماسك والقدرة على التكيف لم يسبقها إليها جميع حركات التمرد في العالم، وهو ما مكنها من التعافي من الأخطاء الفادحة والاقتتال الداخلي والخسائر البشرية الجسيمة التي منيت بها، والخروج منها جميعا بحضور أقوى وتماسك أشد، سواء في الصومال أو في كينيا المتاخمة، برغم (أو ربما بسبب) الموارد الضخمة التي كُرست للقضاء عليها.

تمتلك الحركة جهاز استخبارات محترفا وقويا. في هذا السياق، يشير عنوان الكتاب Everything You Have Told Me Is True: The Many Faces Of Al Shabaab  (كل شيء أخبرتني به صحيح: الوجوه المتعددة لحركة الشباب) إلى مكالمة هاتفية مطولة تلقتها مؤلفته ماري هاربر، الصحفية في شبكة «بي بي سي»، ومراسلتها منذ فترة طويلة في الصومال، في أعقاب زيارتها إلى مدينة بيدوا في جنوب غرب البلاد.

كان المتحدث على الطرف الآخر من الهاتف عضوا في حركة الشباب، وقد وصف لها بدقة بالغة جميع الأماكن التي ذهبت إليها والأشخاص الذين قابلتهم، وكل ما قامت به، سواء في بيدوا أو في مقديشو، حتى ’أنبوب برينجلز‘ الذي كانت تحمله في يدها لدى خروجها من أحد المحال التجارية. وبعد أن أعاد عليها مسار رحلتها بالتفصيل، أخبرت هاربر محدثها بأن كل ما أخبرها به صحيح.

في هذا السياق كتبت هاربر: «من المفارقات أن الحركة كانت قادرة على أن تصف لي بدقة بالغة جميع ما أفعله، وأن تخبرني عن جميع الأشخاص الذين قابلتهم أثناء زيارتي للصومال، في الوقت الذي اكتشفت فيه أنه من المستحيل أن أثبت حقيقة واحدة موثقة عن هذه الجماعة».

تتسم هاربر بالتواضع والمبالغة في التدقيق؛ فهي تصف، أو – بتعبير أدق – تسمح لمحدثيها الصوماليين أن يصفوا – وجوه الحركة المختلفة والمتناقضة أحيانا. تتسم الحركة بالوحشية المفزعة والتواجد في كل مكان. تحكي هاربر إحدى القصص الأكثر مأساوية في الكتاب.. قصة شابة – وهي ابنة شقيق وزير الداخلية في الحكومة الانتقالية – كانت تقضي أمسية غير ممتعة في المنزل أمام التلفاز برفقة ابنة عمها. في أثناء ذلك، صعدت الشابة إلى الطابق العلوي، ودلفت إلى غرفة عمها، حيث كان يقضي وقت راحته، وقامت بتفجير سترتها الانتحارية، مما أودى بحياتها وحياته. ويروي كثير من الأفراد الذين حاورتهم «هاربر» قصصا مثيرة‘ عن معاملة «الشباب» القاسية لمجنديها، وعن النساء اللاتي تندبهن الحركة لقتل الجنود الأسرى والمصابين، وعن استهداف النخبة الثقافية الصومالية، بما في ذلك الشعراء والصحفيين.

نظام محكم

تدير الحركة نظاما محكما للعدالة وجمع الضرائب. وتصدر عن محاكمها أحكام عادلة وسريعة وفقا لقوانين الشريعة الإسلامية. حتى في مقديشو -التي يروج فيها المانحون الغربيون (الذين تقودهم بريطانيا) للتقدم الذي حققوه على صعيد بناء الدولة – يفضل الصوماليون اللجوء إلى محاكم الحركة بدلا من خوض تجارب عبثية في محاكم منظومة العدالة الرسمية البطيئة والفاسدة. وتمارس الحركة جمع الضرائب بالمدينة بتدقيق ومثابرة يفوقان ما تقوم به الحكومة المعترف بها. كما يفضل رجال الأعمال الصوماليون أن تمر شاحناتهم عبر الطرق التي تخضع لرقابة المتشددين، مدركين أن ’إيصالات‘ الرسوم التي يدفعونها عند أول نقطة تفتيش تابعة للحركة سوف يتم احترامها في جميع المناطق الخاضعة لسيطرتها، وذلك على النقيض من الطرق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث سيطالَب السائقون بالدفع مجددا عند كل حاجز طريق، بغض النظر عن احتجاجاتهم.

تتمتع حركة الشباب أيضا بالتماسك والصلابة. لقد صمدت الحركة أمام هجمات أقوى الجيوش في شرق إفريقيا، وأمام عمليات القتل التي استهدفت قادتها تحت نيران القصف الجوي الأمريكي. فقدت الحركة أغلب أراضيها لحساب قوات الاتحاد الإفريقي، كما فقدت إلى جانب ذلك أكبر مصادر دخولها، لكنها تمكنت من اجتياز هذه الأزمات كميليشيا متحركة ذات قدرة فائقة ودائمة على اجتياز القواعد العسكرية الخاصة بقوات حفظ السلام، والضرب في عمق نيروبي.

مزاعم أمريكا العبثية

وفي العامين الأخيرين، صعّدت الولايات المتحدة حربها ضد حركة الشباب بدرجة كبيرة. فوفقا لما أوردته صحيفة «نيويورك تايمز»- قامت واشنطن خلال عام 2018، بتوجيه 47 ضربة جوية تم الكشف عنها، وأدت إلى سقوط 326 قتيلا. في الوقت نفسه، دشنت المخابرات المركزية الأمريكية حملة موازية من الضربات الجوية لم يتم نشر أي معلومات عنها. وفي عام 2019، قامت وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» بتصعيد وتيرة القتال. حيث نفذت القوات العسكرية الأمريكية في أول شهرين فقط من هذا العام 24 غارة جوية تم الكشف عنها، وأدت إلى سقوط 225 قتيلا.

رغم ذلك – كما كشفت أماندا سبيربر في صحيفة The Nation – فإن كل ما تقوله الولايات المتحدة حول تقدمها المزعوم في القضاء على حركة الشباب «لا يمت إلى الحقيقة بصلة». فوزارة الدفاع تقدم مزاعم عبثية بأن جميع القتلى الذين سقطوا جراء ضرباتها هم «مقاتلون ينتمون إلى حركة الشباب»، وأنه لا توجد حالة وفاة واحدة في أوساط المدنيين. لكن الولايات المتحدة لا تمتلك – في واقع الأمر – استراتيجية سياسية واضحة غير القتل، كما لو كان هناك عدد محدود من الإرهابيين الذين يمكن قتلهم واحدا تلو الآخر حتى يتحقق النصر في النهاية.

لم تخلص هاربر في كتابها إلى نتائج محددة؛ فهي لا تخبرنا عما يجب التفكير فيه، أو عما يمكن أن ينجح في حل المشكلات الصومالية المعقدة. كما أنها لا تتلاعب بمقاييس النجاح أو الفشل التي ضللت بناة الدولة وخبراء مكافحة الإرهاب. ربما هذا ما يجعله كتابا مهما؛ فهو على هذا النحو يمثل تناقضا صارخا مع جميع الأدبيات التي نشرت مؤخرا عن الصومال. إنه لا يقدم معلومات بقدر ما يجبر القارئ على التفكير في ندرة المعلومات المتاحة له حول ما يجري حقيقة على أرض الصومال؛ ومن ثم، فإنه – بلا منازع – أفضل كتاب عن أهم منظمة إرهابية في إفريقيا.

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا ?

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock