منوعات

داعش فى ليبيا (1): مكاسب عسكرية واستراتيجيات جديدة تطيل عمر التنظيم

داريو كريستياني – مستشار المخاطر السياسية، وزميل زائر في المركز الدولي لحفظ النظام والأمن في جامعة ساوث ويلز (بريطانيا)

عرض وترجمة: أحمد بركات

في 4 أبريل الماضي، بدأ الجيش الوطني الليبي، الذي يدعم حكومة مجلس النواب في طبرق، هجومه العسكري في غرب ليبيا من أجل «تطهير» المنطقة، والقضاء على «الإرهابيين والمرتزقة» الذين احتلوا مدينة غريان.

كان رهان اللواء خليفة حفتر يرتكز على تحقيق انتصار سريع، إلا أن مخططاته سرعان ما ذهبت أدراج الرياح، حيث استمر القتال لوقت أطول مما كان متوقعا، فضلا عن أنه دفع بالجماعات المتناحرة منذ سنوات إلى توحيد  صفوفها للتصدي للهجوم.

قدمت الحرب في غرب ليبيا أيضا فرصة ثمينة لتنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا لاستعادة المزيد من حالة الزخم العملياتي بما يتماشى مع التصعيد الذي كان يميز نشاطاته منذ أواخر عام 2017. 

اللواء خليفة حفتر

مكاسب داعش

في هذا السياق، لم يكتف تنظيم الدولة الإسلامية بمهاجمة مواقع الجيش الوطني في جنوب ليبيا فحسب، بل عاود أيضا ضرب المناطق الساحلية في الشرق، خاصة في درنة. ففي 4 مايو الماضي، شنت قوات داعش هجوما على معسكر تدريب تابع للجيش الوطني في سبها، مما أسفر عن مقتل 9 جنود. وبعد بضعة أيام، نفذ التنظيم هجوما آخر في غدوة، مما أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص. وفي الأسابيع التالية، واصلت الخلايا التابعة للتنظيم عمليات الكر والفر (التي مثلت ملمحا أساسيا لتطور عمليات داعش في ليبيا في ’حقبة ما بعد سرت‘) من خلال هجوم على نقطة تفتيش تابعة للجيش الوطني لا تبعد كثيرا عن مدينة زلة، مما أدى إلى مقتل اثنين من الجنود وخطف أربعة آخرين. تتماشى هذه الهجمات إلى حد كبير مع التوجهات الاستراتيجية التي ميزت الطابع العملياتي في ليبيا على مدى العامين السابقين؛ حيث اتجه تنظيم الدولة الإسلامية بدرجة كبيرة إلى العمل في الصحراء وفي الجنوب، وذلك من خلال هجمات متفرقة (وقاتلة في الوقت نفسه) في طرابلس. غير أن التطور الجديد واللافت للغاية يتمثل بالأساس في عودة داعش إلى شرق ليبيا، الذي كان غائبا عنه على المستوى العملياتي منذ عام 2016 بعد الهزيمة التي مني بها فرعه في درنة. وفي 2 يونيو، دشن التنظيم هجومين بعبوات ناسفة استهدفا قوات الجيش الوطني، وأسفرا عن إصابة 18 فردا بجروح متفاوتة. كان الجيش الوطني قد اتهم قوة حماية درنة بالوقوف وراء الهجمات، لكن تنظيم الدولة أعلن مسئوليته عن العملية في اليوم التالي. 

التحول إلى القيادة المحلية

وفقا لتقرير صدر مؤخرا عن الأمم المتحدة، تتألف القيادة الحالية لتنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا- بدرجة كبيرة- من ليبيين، باستثناء وحيد هو العراقي عبد القادر النجدي (المعروف أيضا باسم أبو معاذ التكريتي)، الذي كان أحد قادة التنظيم منذ نشأته في ليبيا.

لو صح ذلك، فإن هذا التطور يمثل أهمية قصوى في دراسة تطور تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا، حيث كانت قيادة التنظيم في وقت ظهوره تنحصر فقط في المقاتلين الأجانب، مثل أبو عامر الجزراوي، المقاتل السعودي الذي قاد عملية قتل الأقباط المصريين في ليبيا في عام 2015، والعراقي وسام الزبيدي (المعروف أيضا باسم أبو نبيل الأنباري)، الذي كان أمير تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية ليبيا قبل وفاته في عام 2015 ليحل محله مواطنه عبد القادر النجدي. أما المقاتلين الليبيين، من شاكلة فوزي العياط، قائد جماعة أنصار الشريعة في سرت الذي قاتل في سوريا والعراق، وغيره فقد لعبوا أدوارا هامشية في هذه المرحلة.

رغم ذلك، فإن الواقع الآن قد اختلف بدرجة أو بأخرى عما كان عليه. صحيح أن المعلومات المتاحة عن القيادة الليبية لتنظيم الدولة الإسلامية لا تزال مجتزَأة وغير متكاملة إلى حد بعيد، لكن صعود المقاتلين الليبيين إلى مواقع القيادة كان – في واقع الأمر – توجها ملحوظا على مدى السنوات الماضية.

ففي أعقاب هزيمة سرت، أعاد التنظيم تجميع شتاته في الصحراء ليشكل ما أطلق عليه «سرية الصحراء»، وهي عبارة عن وحدات صغيرة مسئولة عن تنفيذ عمليات تقوم على نظام الكر والفر في العمق الليبي على مدى السنوات السابقة. كان القائد الذي تولى عملية إعادة التنظيم هو المهدي سالم دانجو (المعروف باسم أبو بركات). وفي مقطع الفيديو الذي نشر في يوليو الماضي وأعلن فيه مقاتلو تنظيم الدولة مبايعتهم لأبي بكر البغدادي، كان المتحدث هو محمود البرعصي (المعروف باسم أبو مصعب الليبي، والذي عرف سابقا باسم أبومصعب الفاروق). كان البرعصي هو مؤسس فرع تنظيم الدولة الإسلامية في مدينة بنغازي في شرق ليبيا.

ومع ذلك، فإن هيمنة المكون الليبي بصورة كاملة على قيادة التنظيم في ليبيا لا تزال مستبعدة. فقد شهدت بالفعل أساليب تجنيد العناصر الأجنبية تطورا واضحا، وربما تراجعت الآن أعداد المجندين الأجانب في صفوف التنظيم في ليبيا مقارنة بما كانت عليه في الماضي، مما أدى إلى تحول النسبة بين المقاتلين المحليين والأجانب لصالح الطرف الأول. ومع ذلك، فإن تدفق تيار العناصر الأجنبية إلى ليبيا لم يتوقف بعد، ولا يزال المسلحون يواصلون الانضمام إلى صفوف التنظيم من سوريا والعراق.

ومن المهم أيضا أن نلاحظ أن تقرير الأمم المتحدة لم يذكر الفرنسي من أصول تونسية، محمد بن سالم العيوني (المعروف باسم جلال الدين التونسي)، برغم أهميته كقائد للتنظيم في ليبيا في عام 2017، والخليفة المحتمل بعدما تضاربت التكهنات حول مصير البغدادي. كان حجم الظهور العام للعيوني قد تضاءل بدرجة لافتة على مدى العامين السابقين. وبرغم تعدد تفسيرات هذا الغياب بين موته، أو فقده الحظوة لدى قادة التنظيم، ومن ثم تهميشه، إلا أن هذه التفسيرات تبدو غير مقنعة. ففي الحالة الأولى، كان من المفترض أن يصدر تنظيم الدولة بيانا بهذا الشأن، خاصة أن الأمر يتعلق بأحد قياداته المهمة. أما في الحالة الثانية، فقد كان من المفترض أيضا أن يكون العيوني قد أنشأ جماعة منشقة أو حاول الهرب، وعاود الظهور في مكان آخر. لذا، فإن التفسير الأرجح يكمن في وجود وجهين لتنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا، أحدهما الأكثر شهرة وظهورا، وثانيهما يعمل في الخفاء، خاصة أن هذا الطرح يتماشى مع سمات التنظيم  بوجه عام الذي يحظى فيه القادة المرموقون الذين يتخفون عن الأضواء بالقدر الأعظم من السلطة والنفوذ. وقد كان العيوني في قلب دائرة الضوء لبعض الوقت، حيث كان ضمن المقاتلين الذين ظهروا في الفيديو الذي أطلق حملة «كسر الجدران في 2012 / 2013». رغم ذلك، ربما تحول العيوني الآن للعمل ضمن المجموعة الثانية وصار أحد العقول التي تعمل من ’وراء الكواليس‘، وتضع استراتيجيات التنظيم في ليبيا.

علاوة على ذلك، لا تزال جماعات مقاتلي جنوب الصحراء تتمتع بحضور قوي داخل التنظيم. ففي يوليو الماضي، قتل الجيش الوطني الليبي المقاتل السوداني محمد بن أحمد الفلاتة (المعروف أيضا باسم أبو عاصم المهاجر، وأبو عاصم السوداني الذي كان مسئولا عن المكتب الإعلامي للتنظيم. وقد نشر داعش تأبينا مطولا في العدد رقم 190 من مجلة «النبأ» نعى فيه الفلاتة، رغم أنه لا يمكن اعتباره أحد الأسماء البارزة في التراتبية القيادية للتنظيم.

(يتبع)

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا ?

 

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock