ثقافة

صاحب «عتبات البهجة» قبل الرحيل: محمد كشيك.. للدموع كلمة أخيرة

«كأنى ف مصلية حصير

برعم يطلع بيقول: ياه

كأنى جوه الغصن عصير

وكأنى ناى

يعزف مناجاه

وكأنى فى سماواتك طير

وكأنى سرب من العصافير

دايب فى قلب غصون خضرا

وكأنى درويش الحضره

كأنى طفل تاه

وقمح بيشكر

فى اللى سقاه

وفى الصحارى كأنى غدير

كأنى شجرة صغيوره

قايمه تزحزح شبوره

وذنوب ـ يا أحباب ـ مغفوره

وكأنى صوت بيقول: الله»

شجون ودموع

محمد كشيك صوت تزينه المحبة، ترك بصمته الشعرية ومضى، كان واحدا من شعراء العامية الكبار، أحبه فؤاد حداد وأثنى على إبداعه واعتبره ابنه، ونالت قصائده استحسان صلاح جاهين، هو كما يقول عن نفسه: ابن «فؤاد حداد» ويمكن وصف قصيدته بأنها البنت البكر العفية لقصيدة العامية المصرية.

منذ مايقرب من عام فائت جمعتني جلسة مطولة مع محمد كشيك، كنت عقدت العزم على إجراء حوار عن تجربته الشعرية، فتحول لحوار إنساني، حديث عن الذكريات وعن حالة العزلة التي يعيش فيها، بعيدا عن المشهد الثقافى، كان بكاؤه يسبق أى كلام، ويشطبه، كانت الدموع كلمته الأخيرة والحاسمة، فالحنين للماضي والركض إليه تصدر كلامه، وكان سببا في أن  تقطع دموعه حديثه، وكأن البكاء أصبح قصيدة أخيرة يضمنها كل حديث له مع أصدقائه، كانت حالة كشيك تصل غالبا إلى حد الإعتذار عن دموعه. وكأنه كان يشعر بقرب النهاية التى جاءت فى الواحد والعشرين من سبتمبر الماضى حين رحل كشيك مودّعا بدموع ومحبة عارفى شعره وإبداعه.

الوراق جعلتنى شاعرا

كان محمد كشيك دائم الفخر بانتمائه لشعر الريادة «فؤاد حداد، وصلاح جاهين» أصدر عددا من الدواوين الشعرية والكتب النقدية منها: أغنية لمصـــــر (ديوان شعر 1974م)، العشش القديمة (ديوان شعر 1986 م). تقاسيم (ديوان شعر 1993م) نوارج البحر (ديوان شعر 2011م) .قمر الحوارى (مختارات 2012 م) باقيد شموع ليكى ياطاهرة (ديوان شـــعر 2013م) و كأنى كنت من البشر (ديوان شعر 2015م). أما فى مجال الكتابة للأطفال فأصدر عدة دواوين شـعرية منها: (زقزقات – 1994م). (حادى بادى – 1995م ). (توت توت -1997م). (أنا طاير بالجناحـــات -1998م). (قطر العصــــافير). ( طايرين طـــــايرين ). وفى مجال الكتابة النقدية أصدر (علامات التحديث فى القصة المصرية القصيرة-1998). الموسوعة الصغيرة – بغداد. جماليات النص الخــــفى (المجلس الأعلى للثقافة – 2010 م) .قراءة فى أعمال بيرم التونسى – فؤاد حداد – صلاح جاهين.

فى حواره الأخير معى أو بالأحرى فضفضته قال محمد كشيك: ولدت فى «الوراق».. وطبيعة المكان تحتم علي أن أكون شاعرا، كان السحر يسكنه.. جدى لأمي الحاج مدبولي هو صاحب المكان كنت أعيش ما بين ثغاء الماعز وتلك الأشجار الوارفة التي تقف في شموخ.. كانت تلهمنا بكل ما فيها من زخم الطبيعة وصفائها، كانت «الوراق» بمثابة كتاب الطبيعة المفتوح الذي نقرؤه ونرتله كل يوم، هذا المكان صنع شعراءه فخرجت كتيبة «شعراء الوراق» مما دفع إدوار الخراط أن يتنبه لنا ويكتب عن شعراء الوراق رجب الصاوى، عمر الصاوي، أشرف عامر، محمد كشيك، محمد الحلو.

حين كرهنى الأبنودى

يتحدث كشيك عن الأبنودي ويصفه بالشاعر الكبير الذي لم يحبه من أول لقاء، يقول.. لم أعرف سببا جوهريا لكراهيته لي،   لكن هناك موقف ربما يبرر هذه الكراهية: كنت  رشحت الأبنودي أن يتولى إدارة إحدى إصدارات الهيئة العامة لقصور الثقافة وكلفني «مصطفي الرزاز» رئيس الهيئة آنذاك بتأسيس إحدى الدوريات، وكلفت الأبنودي بأن يكون هو المسئول عنها، وأن يدير المكان، ولكن بعد وقت رفض «الرزاز» عمله وطلب مني أن أغلق الإصدار، ومن هنا أعتقد جاءت كراهية الأبنودي لي، منذ ما يزيد عن 20 عاما، والأبنودي يخرج بآراء مشمولة بالكراهية عني.

عبد الرحمن الأبنودي

إبن فؤاد حداد

يروي كشيك: كنت في طفولتي أحب المسحراتي، وكنت أسمعه عبر الراديو، كانت والدتي تقول لي «إيه اللي عاجبك في المسحراتي ده..؟» تقولها باستغراب، وكنت أجيبها أن كلمات عم فؤاد جعلتنى أحب المسحراتى.. وعم فؤاد أكبر شاعر يا أمى.

ويستطرد: فى الوقت الذي كنت أعيش ما بين روض الفرج والوراق، طلب مني أشرف عامر أن نذهب إلى فؤاد حداد فكتبت  قصيدة «شاعر كبير يغني حرية» إهداء لحداد -وقد غنى كشيك أمامى قصيدته ممزوجة بدموعه وحيث كان يستحضر إمامه وشيخه «فؤاد حداد».

ويضيف كشيك قابلت «حداد» وألقيت عليه قصيدتي، فطلب مني إعادتها مرة ثانية وثالثة وبعد أن انتهيت منها قال لي: «أنت ابني وشاعر كبير، وبعد فترة وجدت «حداد» يرد على بأكثر من قصيدة إهداء لي، و كان أهم وأجمل اعتراف جميل من فؤاد حداد بي، وبعد هذه القصائد كتب صلاح جاهين عني.. كشيك الشاعر الذي يشبهني، وهذا ما أثار حفيظة حداد وقال لي: «كلهم يريدون أن يأخذوك مني» كان يقول عني أنني أغلى من أولاده..

وحول أهم المواقف التى حدثت معه فى زياراته لأستاذه فؤاد حداد قال محمد كشيك: كنت دائم الزيارة لـ «فؤاد حداد» وكان بيته وجلساته لا تخلو من محبيه، فوجئت يوما بأن سعاد حسني تجلس إلى جواره، فنظرت أدقق في وجهها فأشارت بابتسامة وسألتنى فيه إيه؟ فلم أرد.

يضيف كشيك: كانت الصداقة تجمعني ببهاء جاهين، وكان بهاء يحتفظ بقصائدي معه، ووقع بعضها فى يد صلاح جاهين فقرأها وسأل بهاء عن كاتب هذه القصائد، وقال له إن هذه القصائد لشاعر حقيقي وطلب منى «بهاء» أن يصطحبني إليه، وقابلته في حضرة أمل دنقل وأحمد عبد المعطي حجازي في بيته بشارع جامعة الدول العربية، وكانت من أجمل السهرات الإبداعية في حياتي.

وعن هيئة قصور الثقافة التى تولى بها عددا من المناصب والمسئوليات مثل أمين عام النشر ورئيس الجمعيات الثقافية وغيرها قال كشيك:

تحولت الهيئة من مجموعة من المثقفين إلى أشباه المثقفين، وليس هناك ما يصدر عنها حاليا سوى «مجلة الثقافة الجديدة» في الوقت الذي كانت تُصدر ما يزيد عن 20 سلسلة أدبية، وما يجري يحدث بقصد ودوره الأساسي هو تجريف وتهميش الثقافة المصرية و سلاسل الهيئة كان يقوم عليها أسماء حقيقية مثل «إبراهيم أصلان، البساطى، طلعت الشايب، وغيرهم».

غير أن أسماء مثل إبراهيم عبد المجيد لم تكن تصلح أن ترأس مثل هذه السلاسل لأسباب متعلقة بطبيعته المغايرة وتمرده، فهو أبعد الأشخاص عن أن يكون موظفا.

رحل كشيك بطل «عتبات البهجة» فى 21 من الشهر الفائت، وكما كتب وتمنى كانت خاتمته

أنا بانفلت من روحي زي الشعاع

وباكون جميل في السفر..

وباكون جميل في الوداع.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock