منوعات

بعد انتهاء أسطورة البغدادي.. إلى أين يتجه الإرهاب الجهادي؟

كلينت واتس – زميل باحث في معهد بحوث السياسة الخارجية

عرض وترجمة: أحمد بركات

أسفرت الغارة الجوية التي شنتها القوات الأمريكية في 26 أكتوبرعن مقتل أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة الإسلامية، وهو ما يمثل علامة فارقة في مسيرة الحملة الأمريكية التي تهدف إلى القضاء على التنظيم، خاصة أنه يحل في الوقت الذي خفضت فيه واشنطن حجم وجودها العسكري في سوريا. لكن يبقى السؤال: كيف يمكن استثمار موت البغدادي؟

ماذا يعني موت البغدادي؟

ربما يمثل مقتل أبو بكر البغدادي نصرا أمريكيا يفوق هزيمة تنظيم الدولة ذاتها. فقتل زعيم تنظيم الدولة يمثل انتصارا استعصى طويلا على التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي ظل لسنوات يطارد البغدادي دون جدوى، برغم تواتر المزاعم الكاذبة والتقارير الزائفة حول موته. لكن هذه العملية الحاسمة جاءت أخيرا لتضع نهاية أسطورة هذا القائد الإرهابي الذي كان يوما هدفا بعيد المنال. ورغم ذلك، فإن انقضاء 18عاما على الحرب على الإرهاب غيّر أمورا كثيرة داخل الدوائر الإرهابية.

لم يبلغ البغدادي مطلقا تلك المكانة التي بلغها أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة السابق، رغم أن جماعته حققت في واقع الأمر أكثر بكثير مما حققته القاعدة، وذلك بإعلانها قيام دولة خلافة إسلامية، وتحقيق ذلك على الأرض ولو بصورة مؤقتة. إضافة إلى ذلك، اتسم الحضور العام للبغدادي بالمحدودية طوال الوقت، حتى أنه في السنوات الأخيرة كان لا يُرى أو يُسمع إلا قليلا.

أسامة بن لادن

ومن ناحية أخرى، سمحت ضغوط التحالف على تنظيم الدولة للجماعة المنافسة (هيئة تحرير الشام) بكسب مزيد من القوة، والتفوق – خاصة في الآونة الأخيرة – على داعش. وقد كانت هيئة تحرير الشام تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، وهي تنظيم تابع لتنظيم القاعدة في سوريا، ويقوده النائب السابق للبغدادي، ومنافسه العتيد لفترة طويلة من الزمن، أبو محمد الجولاني، الذي عاد بقوة على أنقاض انسحاب تنظيم الدولة من سوريا.

وبالنسبة لهؤلاء الداعمين لتنظيم الدولة والمنتشرين في جميع أنحاء العالم، والذين لا يرتبطون بالجهاد إلا عبر الإنترنت، بات الوصول إلى تنظيم الدولة أكثر صعوبة، حيث تم الدفع بهم بعيدا عن تطبيقات التواصل الاجتماعي السائدة، وتدهورت كتيبتهم الإعلامية بشدة، وقلت رسائلهم بسبب الخسائر التي مني بها التنظيم في ساحة المعركة. وكان من الطبيعي أن يخفت نجم البغدادي في هذه الأثناء. ويشير تشتت قواته إلى أن سيطرته العملياتية على شبكة عالمية مترامية الأطراف لم تعد بالقوة التي كانت عليها.

من المحتمل ألا يسفر موت البغدادي عن مزيد من العمليات ضد تنظيم الدولة، لكنه سيرسم على الأرجح نهاية رمزية لرؤية الجماعة، والتي تتجلى أكثر ما تتجلى في إقامة دولة الخلافة.لقد نفذ البغدادي ما كان بن لادن يدعو إليه طوال الوقت، لكنه توقف عن المواصلة، وأعلن قيام دولة خلافة، ونصب نفسه خليفة عليها، ولا شك أن هذه الرؤية (إعادة بناء دولة الخلافة) قد اضفت قوة خاصة على قضية البغدادي وألهمت جماهير غفيرة عبر الإنترنت، وجذبت أعدادا غير مسبوقة من المقاتلين الأجانب إلى صفوف تنظيم الدولة. لكن موت البغدادي – بوصفه الخليفة – يقتل هذا الحلم، ويزيد كثيرا من صعوبة إلهام أتباعه، ويضع تنظيم الدولة، على المستويين العملياتي والرمزي، على حافة الموت.  

رغم ذلك، يجب أن ينتاب القلق العالم بشأن ما قد يظهر على الأطلال. لقد أثار الانسحاب الأمريكي المتسرع من سوريا في الأسابيع الأخيرة مخاوف مبررة من حدوث فراغ أمني في شرق سوريا يسمح بعودة ظهور تنظيم الدولة مجددا، خاصة أن أوامر الرئيس  الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب جاءت بعد أقل من شهر من إصدار البغدادي – الذي كان مختفيا على مدى شهور- تسجيلا صوتيا يدعو فيه إلى شن غارات على السجون لإطلاق سراح  مقاتلي التنظيم، وبعد فترة وجيزة من نشر هذا البث الصوتي، صدرت تقارير تفيد هروب إرهابيين من السجون.  

وبعيدا عن المعترك السوري العراقي، فقد تضاعف نشاط الجماعات التابعة لتنظيم الدولة بشكل لافت في مناطق أخرى، خاصة في أفغانستان، وهي البقعة التي كانت الولايات المتحدة تأمل في مغادرتها بعد عقدين من الحروب، وأيضا في الفلبين.

 ربما يعني موت البغدادي انهيار حلم تنظيم الدولة المتمركز في الشام، لكن سنوات من العمليات التي قام بها التنظيم نجحت في تجنيد وتدريب وإرسال مقاتلين أجانب من عشرات الدول، وهو ما سيقود حتما الجيل التالي من الجهاديين إلى حدود أخرى، وسيشكل المقاتلون الأجانب الذين أعدهم تنظيم الدولة إشكالية إرهابية مستقبلية معقدة ستفرض نفسها على العالم على مدى السنوات القادمة.

 عبدالله قرداش والملقب بأبي عمر التركماني «خليفة البغدادي»

هجمات انتقامية محتملة

في العصور السابقة من إرهاب تنظيم القاعدة، كان مجتمع مكافحة الإرهاب يحتفل بموت أسامة بن لادن، في الوقت الذي يعتصره فيه القلق من وقوع عمليات انتقامية، فربما تسعى الجماعة الإرهابية، أو مؤيدوها البعيدون الذين يلهب التواصل عبر الإنترنت حماسهم، إلى الانتقام من الولايات المتحدة وحلفائها بضرب أهداف سهلة في الغرب.

من هذا المنطلق، يجب أن تحرص الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون دائما على رفع مستوى الحماية قبل وقوع هجوم إرهابي كبير، لكن ربما تكون المخاطر أقل هذه المرة مما كانت عليه من قبل. ففي الآونة الأخيرة، اطلع العالم على أخبار مقتل نجل أسامة بن لادن، والقائد الصاعد على عرش تنظيم القاعدة، قبل عدة أشهر.وعادة ما يؤكد الإرهابيون الجهاديون موت كبار قادتهم، لكن مع  ذلك لم يظهر أي بيان يحرض على شن هجمات انتقامية لمقتل حمزة. إضافة إلى ذلك، لم يكن لدى الإرهابيين، ولا الباحثين في مجال مكافحة الإرهاب، أي فكرة عن موت حمزة بن لادن، مما يكشف عن مدى ضعف هذه الشبكات الدولية مقارنة بما كانت عليه قبل سنوات قليلة.

حمزة بن لادن نجل أسامة بن لادن

ومع موت البغدادي، سيحتفل الغرب، لكن يظل من غير المؤكد إلى أي مدى ستستمر فترة حداد أنصار الجهاديين عبر الإنترنت، أو أنهم سينهضون طلبا للثأر. إن المشهد الإرهابي في عام 2019 ليس هو المعادل الموضوعي للحملة الإرهابية في عام 2009، وهو ما يجب أن نعد أنفسنا له، دون أن نُصاب بالذعر منه.

*هذه المادة مترجمة (باختصار). يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

 

 

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock