منوعات

الجهاديون في غرب البلقان (3-3): المقاتلون المحليون.. التوجهات والتداعيات

أدريان شتوني – باحث متخصص في قضايا الأمن في غرب البلقان وشرق البحر المتوسط

عرض وترجمة: أحمد بركات

لا يمثل المقاتلون الأجانب سوى التجلي الأكثر حضورا  لظاهرة دينية متطرفة في منطقة غرب البلقان. لكن الجهاديين المحليين يمثلون – على مستويات عديدة – النسب الأكبر والفعالية الأكثر والخطورة الأشد، فقد كشفت عمليات مكافحة الإرهاب، التي أسفرت عن مئات الاعتقالات والإدانات، عن دور وظيفي فعال لتيار راديكالي متكامل يضم وحدات عمليات وإدارات تجنيد وشبكات تعبئة تنتظم جميعها حول جيوب سلفية ومساجد ’غير رسمية‘ وجمعيات دينية وحركات وروابط يديرها علماء أصوليون محليون ومتعصبون دينيون.

اقرأ أيضا:

الوجه الخفي

على مستوى الجوهر، تتشابه أنماط التطرف والتعبئة في منطقة غرب البلقان مع تلك الموجودة في سائر أنحاء أوربا، حيث ارتبطت بعض التنظيمات السلفية المعروفة، مثل «الشريعة من أجل بلجيكا» و«ملة إبراهيم» و«الدين الحق»، ارتباطا وثيقا بتيارات المقاتلين الأجانب التي تدفقت إلى سوريا والعراق. على سبيل المثال، في عام 2015 أدانت محكمة بلجيكية 45 عضوا في تنظيم «الشريعة من أجل بلجيكا» السلفي على خلفية قيامه بإرسال مقاتلين إلى سوريا، إضافة إلى جرائم أخرى متعلقة بالإرهاب. وفي عام 2016، حظرت ألمانيا جماعة «الدين الحق»، التي نشطت أيضا في منطقة البلقان، حيث سافر 140 من مؤيديها إلى سوريا والعراق.

ويكمن الاختلاف الجوهري الوحيد فيما بين هذين النمطين في الدور الذي أسهمت به بيئة ما بعد الحرب في غرب البلقان، في تمكين التنظيمات المتطرفة التي تحمل أجندات سياسية، حيث تمكنت هذه الكيانات من استغلال الانقسامات المجتمعية للخلط بين المساعدات الإنسانية من جانب والتطرف السلفي من جانب آخر.

وبينما يثير حجم وحدة المقاتلين الأجانب و الخطر الذي تشكله علامات استفهام كثيرة بلا إجابات – على الأقل حتى الآن – إلا أن هذه الوحدة لا تمثل – كما ذكرنا آنفا – سوى الوجه الأكثر تجليا في ظاهرة التطرف الديني في منطقة البلقان. وتبقى هذه التساؤلات أكثر غموضا وإرباكا عندما تتعلق بالوحدة التي كثيرا ما قدمت دعما أيديولوجيا ولوجيستيا وماليا للمقاتلين الأجانب (الخارجيين)، وكانت في بعض الأحيان مسئولة عن التخطيط للهجمات الإرهابية.

لكن – على نحو ما -ساعدت الاعتقالات على خلفية جرائم متعلقة بالإرهاب، وبعض العمليات الإرهابية التي تم إحباطها على إلقاء بعض الضوء على بعض جوانب هذا الوجه الخفي من العملة الإرهابية في أوربا بوجه عام، وفي منطقة غرب البلقان على وجه الخصوص.

الجهاديون المحليون

وبرغم عدم توافر بيانات رسمية عن وحدة الجهاديين المحليين في دول غرب البلقان، إلا أن البيانات والتوجهات التي تم رصدها في دول أوروبية أخرى ربما تمثل مؤشرا عاما على ما يمكن أن يكون عليه حجم التهديد الجهادي المحلي في منطقة غرب البلقان.

وبحسب تقرير حول التهديد الإرهابي في فرنسا تم تقديمه إلى مجلس الشيوخ الفرنسي، فإنه اعتبارا من مارس 2018، حددت أجهزة الاستخبارات الفرنسية 1309 مواطنا، أو مقيما فرنسيا كانوا قد سافروا إلى سوريا والعراق منذ عام 2012. وأشار التقرير نفسه إلى أنه اعتبارا من فبراير 2018، سجل «ملف معالجة الإشارات لمنع التطرف الإرهابي» (FSPRT) (وهو قاعدة بيانات تستخدمها أجهزة الأمن الفرنسية لرصد وتقييم حجم التهديدات الإرهابية المحلية التي يفرضها المتطرفون الإسلاميون) 19.725 «ملفا / مدخلا نشطا» لأفراد متطرفين، من بينهم 4000 يعدون «خطرين للغاية». وبناء على ذلك، فإن عدد المتطرفين الذين يشكلون خطرا محتملا على الأمن القومي الفرنسي يبلغ حوالي 15 ضعف عدد المقاتلين الأجانب المعروفين. 

وبالمثل، حدد جهاز الأمن البريطاني (M15) على مدى سنوات 23000 متطرف جهادي يعيشون في المملكة المتحدة في فترة زمنية واحدة، من بينهم 3000 كانوا محط تركيز 500 عملية تحقيق ومراقبة في بداية عام 2017. وبالمقارنة، بلغ عدد المقاتلون الأجانب البريطانيون في يوليو 2017 حوالي 850، مما يجعل عدد الجهاديين المحليين، الذين يفرضون تهديدا على الأمن القومي البريطاني، حوالي 27 ضعف عدد المقاتلين الأجانب.

من الممكن أن يكمن سبب الاختلاف في النسب بين فرنسا والمملكة المتحدة في اختلاف المعايير التي تستند إليها قائمة «ملف معالجة الإشارات لمنع التطرف الإرهابي» وتلك الخاصة بجهاز الأمن البريطاني. لكن بناء على التوجهات المتشابهة التي تم رصدها في كلتا الدولتين فيما يتعلق بالحجم الفائق لوحدة الجهاديين المحليين مقارنة بوحدة المقاتلين الأجانب، فإنه من الممكن أن نفترض أن نسبة الجهاديين المحليين إلى المقاتلين الأجانب في منطقة غرب البلقان تبلغ على أقل تقدير 15 إلى 1.

وبرغم ذلك، من المهم أن نؤكد أن مناهج قياس التيارات الراديكالية الإرهابية والتهديدات التي يواجهها الأمن القومي تتباين من بلد إلى آخر. وبالقياس نفسه، فإنه بينما تتشابه توجهات التيارات الراديكالية الإرهابية على نحو ما، إلا أنها تظل غير متطابقة في جميع الدول لأنها – من بين عوامل عدة – تنتج عن تفاعل متغيرات سوسيوسياسية  وتاريخية وأيديولوجية تتباين من دولة إلى أخرى.  

إضافة إلى ذلك، يوجد مؤشران آخران يؤكدان وجود وحدة قوية ذات التزام أيديولوجي راسخ من الجهاديين المتشددين تعمل في غرب البلقان، وهما: (1) النشاط الدؤوب ’لجهاديي منصات التواصل الاجتماعي المحليين‘ الذين يدعمون صراحة أيديولوجيا ودعائيا التنظيمات الإرهابية وينشطون في نشرها، (2) العدد غيرالمسبوق للهجمات الإرهابية التي تم إحباطها، والإرهابيين المحليين الذين تم اعتقالهم في السنوات الأخيرة. ففي أعقاب الحملة الشرسة على الحسابات التي تنشر محتوى جهاديا على «فيسبوك»، قام ’جهاديو منصات التواصل الاجتماعي المحليون‘ بالهجرة – ولو بصورة جزئية – على مدى السنوات الماضية إلى منصات تواصل اجتماعي أخرى، مثل تطبيق إرسال الرسائل الفورية «تليجرام»، الذي يتبنى سياسة حذف محتوى أكثر تساهلا نسبيا.

وقد حدد البحث الذي أجري لدراسة هذا التحول 27 صفحة / قناة نشطة على «تليجرام» باللغة الألبانية و6352 مشارك / حساب يتابعون واحدة أو أكثر من هذه الصفحات التي يديرها متطرفو / أو مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية (13 قناة)، وهيئة تحرير الشام (6 قنوات)، ومؤيدون للحركة الجهادية بوجه عام (8 قنوات). وركز المحتوى الذي تم ترويجه من خلال هذه القنوات على تعزيز الجهاد، ومشاركة أخبار من وسائل إعلام رسمية تابعة لتنظيمات جهادية تنشط في أماكن صراعات مختلفة، والترويج لأدبيات سلفية وخطب لعلماء سلفيين محليين وأجانب يقضون فترات سجن بسبب تهم متعلقة بالإرهاب، وفيديوهات دعائية، وأناشيد جهادية.

بينما كان هناك تراجع في نشاط وسائل الإعلام الجهادية بلغات غرب البلقان على مدى العامين السابقين، يواصل كادر متحمس من ’جهاديي منصات التواصل الاجتماعي‘ التواصل بانتظام مع الجمهور عبر الإنترنت، ونشر الدعاية الجهادية، والقيام بعمليات تجنيد، والحث على العنف، وأيضا التخطيط لشن هجمات. ففي نهاية عام 2017، قضت محكمة في كوسوفو على أحد مؤيدي تنظيم الدولة الإسلامية بالسجن لمدة عام ونصف لاستخدامه منصات التواصل الاجتماعي للتحريض على شن هجمات ضد مؤسسات حكومية وسفارات أجنبية في كوسوفو. وبعد شهور قليلة، تلقى مؤيد آخر لتنظيم الدولة، وشقيق أحد انتحارييها الكوسوفيين، حكما بالخدمة المجتمعية لمدة 200 ساعة للتحريض على شن هجمات بالمركبات عبر منصات التواصل الاجتماعي.

لقد أحبطت عمليات مكافحة الإرهاب في السنوات الثلاثة الماضية العديد من المخططات الإرهابية في كوسوفو وألبانيا ومقدونيا الشمالية والبوسنة والهرسك وصربيا. فقد أدانت المحكمة في كوسوفو 9 مواطنين على خلفية مخططات إرهابية شملت خطة متطورة بتوجيه من تنظيم الدولة الإسلامية لشن هجمات متزامنة في المنطقة.

ووفقا للتحقيقات، فقد سبق لأحد الجناة القتال في سوريا وكان آخرون يتلقون توجيهات من مواطنيهم في المواقع القيادية داخل تنظيم الدولة بشأن الهجوم. وفي عام 2015، قُتل جنديان في سراييفو على يد مسلح إسلامي قام بتفجير نفسه بعد تنفيذ هجوم. وقد عُثر في منزله على مذكرات سجل فيها تمجيده لتنظيم الدولة. وفي يونيو 2018، أحبطت السلطات الكوسوفية هجوما آخر استهدف قوات الناتو المتمركزة في كوسوفو، وكان أحد المشاركين قد تم اعتقاله في وقت سابق على خلقية محاولة للسفر إلى سوريا، وآخر كان مطرودا من إيطاليا. أما آخر هجوم تم إحباطه فكان في مقدونيا الشمالية في 15 فبراير 2019، حيث تمكنت قوات الشرطة من إلقاء القبض على 20 من الداعمين لتنظيم الدولة الإسلامية.   

اقرأ أيضا:

وإجمالا، فقد شارك بعض العائدين من سوريا والعراق في أنشطة متعلقة بالإرهاب، كما وُجد بحوزتهم أسلحة نارية ومتفجرات لدى عودتهم. ومع ذلك، فقد تورط في الهجمات الإرهابية التي تم إحباطها عدد كبير من أفراد لم يسبق لهم السفر إلى سوريا والعراق، برغم أنهم ارتبطوا في قضايا كثيرة بالمقاتلين الأجانب. ومن هذا المنطلق، تخلص الدراسة إلى أن الجهاديين المحليين كانوا، وما زالوا، مصدر تهديد أشد خطرا على الأمن الداخلي من رفاقهم في وحدة المقاتلين الأجانب.   

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا ?

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock