منوعات

السياسات النيولبرالية وغضب الشعوب.. قراءة جديدة في أسباب الصراعات العالمية

*بول روجرز – زميل أول في الأمن الدولي في «مجموعة أكسفورد للبحوث»، وأستاذ دراسات السلام بجامعة برادفورد

*عرض وترجمة: أحمد بركات

منذ نهاية عام 2001 حتى بدايةعام 2006، جاءت استجابة «مجموعة أكسفورد للبحوث» (Oxford Research Group) «للحرب على الإرهاب» والصراعات التي دارت رحاها في أفغانستان والعراق، عبر سلسلة من الدرسات التحليلية التي أشارت إلى عبثية التعامل مع هجمات 11 سبتمبر من منظور عسكري بحت.

 وقد أكدت  تلك الدراسات أن هذا التعامل العسكري ، الذي أطلقت عليه «نموذج السيطرة» (control paradigm) قد فشل فشلا ذريعا في مواجهة الظروف الحقيقية التي مكنت لترسيخ وتفشي الحركات العنيفة شبه العسكرية تحت إمرة قياداتها المتطرفة، مثل تنظيم القاعدة، حتى في ذروة وقوعها تحت ضغوط قوى غربية كبرى مدعومة بأحدث التقنيات العسكرية.

 نموذج الأمن المستدام

وبالنظر إلى محورية هذه المقاربة كقاسم مشترك في دراسات «مجموعة أكسفورد للبحوث»، فقد سعت المجموعة حثيثا على مدى سنوات إلى تطوير مقاربة أو قراءة أكثر شمولية للأمن القومي، سعت من خلالها  للوقوف على الدوافع والأسباب الرئيسة طويلة المدى وراء الصراعات العالمية، وطرق احتوائها ومعالجتها. وكانت نتيجة هذه الجهود البحثية أن توصلت المجموعة إلى مقاربة للأمن العالمي أطلقت عليها «نموذج الأمن المستدام» (Sustainable Security Paradigm).

والحقيقة أن هذا النموذج يناقض بشكل أساسي «نموذج السيطرة» – الذي سبقت الإشارة اليه -، لأنه يهدف إلى تحديد الأسباب الجذرية للتهديدات التي تواجه الأمن العالمي، وذلك باستخدام الوسائل الأكثر فعالية المتاحة من أجل القضاء على الظاهرة المرضية، بدلا من الاكتفاء بمهاجمة أعراضها، كما كان الحال في النموذج السابق.

وقد خلص التقرير البحثي الرئيس لهذه الدراسات -، الذي نُشر في 1 يونيو 2006 تحت عنوان «استجابات عالمية لتهديدات عالمية: أمن مستدام للقرن الحادي والعشرين» (Global Responses to Global Threats: Sustainable Security for the 21st Century) – إلى توافر مجموعة دوافع متنوعة لحالة انعدام الأمن التي يكابدها العالم، والتي يمكن إجمالها فيما يلي:

أولا: الفشل الذريع للنموذج الاقتصادي النيوليبرالي الذي ظهر في بداية ثمانينات القرن الماضي، مما أدى إلى تصاعد موجة  الغضب، خاصة في أوساط الشباب، ومن ثم زيادة الاضطرابات واندلاع العنف، وهو ما يمكن أن نطلق عليه «ثورات الهامش».  وفي إطار «نموذج السيطرة»، كانت الاستجابة التالية للتهميش، وما يتمخض عنه من اضطرابات واحتجاجات تندلع من الهامش – والتي غالبا ما يتم توظيفها – تتمثل في:

«يتم تجاهل مشكلات الفقر والانقسامات السوسيو اقتصادية التي يعاني منها المجتمع إلى درجة كبيرة، وذلك من خلال قولبتها في إطار أمني بحت. لكن عندما يُنظر إلى المخاطر المباشرة التي تهدد ’الوطن‘، فإن الاستجابة المعتادة تكون مزيدا من إحكام السيطرة على المجتمع في محاولة ’لإبقاء الغطاء‘ على حالة السخط المدني، وهو ما يجعل الأمور تزداد سوءا على المدى الطويل. في الوقت نفسه يتم ترويج وتعزيز اعتقاد بأن السوق الحرة سوف تمكن الناس من إيجاد مخرجهم من الفقر».

وبعد عامين من نشر هذا التقرير، جاءت الأزمة المالية -التي اجتاحات العالم في عام 2008 -بمثابة تحذير من «ثورات الهامش»، لكنه لم يكن فعالا بما يكفي لتقويض تطرف النظام الاقتصادي النيوليبرالي.

ثانيا: ظهور أوجه قصور بيئية تعوق النمو، خاصة من خلال التغير المناخي ونضوب الموارد، الذي تجلى أكثر ما تجلى في نقص المياه والغذاء. في البداية، تم تقديم «التغير المناخي» و«التنافس المحموم على الموارد» باعتبارهما دافعين منفصلين. لكن في ضوء العلاقة الوثيقة بين الدافعين، يصبح دمجهما معا في دافع واحد أصوب من الناحية المفاهيمية.

ثالثا، استمرار نظام يحافظ على الأمن العالمي من خلال الاعتماد المفرط على استخدام القوة العسكرية المفرطة.

إن إخفاقات الحرب على الإرهاب، والإقرار الراهن بالوعي المتزايد بمخاطر الاضطرابات المناخية يدعمان بقوة التقرير الأصلي الذي حمل عنوان «استجابات عالمية لتهديدات عالمية». أما هذا التقرير الجديد – الذي يحمل عنوان The Global Revolts from the Margins (الثورات العالمية تندلع من الهوامش) – فيهدف إلى بحث الدافع الثالث الذي يتمثل في المقاربة الأمنية، وبخاصة تصورها لمفهوم «ثورات الهامش»، في ضوء الاضطرابات العنيفة التي تجتاح حاليا عددا غير قليل من الدول في جميع أنحاء العالم، وذلك للانتقال بهذه المقاربة من «نموذج السيطرة» إلى «نموذج الأمن المستدام».

الاضطرابات الحديثة

شهدت الشهور التسعة الماضية حالات قوية ومفاجئة من موجات الاضطرابات المدنية الكبرى، التي تؤدي في كثير من الأحيان إلى استثارة قوى القمع والعنف من قبل للدولة. توافرت لاثنين من هذه الاضطرابات (كتالونيا وهونج كونج) أسباب معقدة وجذرية، لكن غالبيتها، مثل احتجاجات الإكوادر وشيلي والعراق ولبنان، تسوده حالة من الإحباط والغضب من مستويات التهميش الاقتصادي وفساد النخبة والمستقبل الضبابي الذي ينتظر هذه المجتمعات، خاصة في أوساط الشباب.

في العراق

خرج الآلاف إلى الشوارع في أكتوبر للمشاركة في أكبر تظاهرات شهدتها البلاد في تاريخها الحديث. حاولت بعض النخب العراقية ربط هذه الاحتجاجات بحزب البعث وبتنظيم الدولة الإسلامية، لكن استمرار اندلاع الاحتجاجات في بغداد والعديد من المراكز السكانية الأخرى لم يكن له في حقيقة الأمر أي علاقة بالتوترات الطائفية، أو الحركات المتطرفة، وإنما رتبط بحالة الغضب التي اجتاحت أوساط المتعلمين والمثقفين، وبخاصة من جيل الشباب، الذين باتوا مستائين للغاية من ارتفاع نسب البطالة وتدني الأجور، في الوقت الذي تفشى فيه الفساد، وترعرعت قطاعات نخبوية في بلد غني بالأساس بوقوده الأحفوري القابل للتصدير.

وبحسب إحصائيات البنك الدولي، يقبع حاليا 22.5% من العراقيين تحت خط الفقر. وكانت معدلات البطالة في العام الماضي قد بلغت 7.9%، وهو ما يمثل تحسنا واضحا قياسا على الأعوام السابقة، لكن معدل البطالة في أوساط الشباب بلغ حوالي 17%، في الوقت الذي تتضاءل فيه فرص الحصول على عمل أمام خريجي الجامعات.

وفيما يتعلق بالفساد، صنفت «منظمة الشفافية الدولية» العراق في المرتبة الثانية عشرة بين الدول الأكثر فسادا في العالم. في هذا السياق، تؤكد الصحافية ناتاشا غنيم أن «الناس يشعرون باستياء بالغ بسبب التراجع المستمر في الفرص الاقتصادية والخدمات الأساسية، مثل الماء والكهرباء، وما يعتقدونه حكومة فاشلة تنهب ثروات البلاد».

وحتى الآن، شهد شهر أكتوبر موجتين من الاحتجاجات الشعبية طالب خلالهما المحتجون بإسقاط الحكومة الحالية. وقد أسفرت الموجة الأولى من الاحتجاجات التي اندلعت في بداية الشهر عن مقتل 149 من المحتجين، وإصابة ما يزيد عن 3000 آخرين. وفي نهاية الشهر، اندلعت موجة احتجاجات أخرى أسفرت عن مقتل ما يزيد على 67، وإصابة مئات آخرين. وتوضح هذه الأرقام أن الحكومة العراقية ردت بعنف ضد المتظاهرين، حيث انتشرت قوات الجيش والشرطة العراقيين لقمع المظاهرات، وذلك باستخدام الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع والرصاصات الحديدية المغلفة بالمطاط، بحسب روايات من داخل العراق. كما تم نشر قوات «جهاز مكافحة الإرهاب» مؤخرا في بغداد ومدن أخرى مع أوامر بـ «استخدام كل التدابير اللازمة» لقمع الاحتجاجات. لكن يبدو أن الإجراءات القمعية وحظر التجول الذي فرض مؤخرا قد فشلا فشلا ذريعا في ردع المتظاهرين ومنعهم من مواصلة التجمع بأعداد كبيرة.  

وفي لبنان

شهدت هذه الدولة الواقعة في غرب آسيا مؤخرا أكبر مظاهرات شعبية منذ «ثورة الأرز» قبل 14 عاما. وقد ضمت المظاهرات التي اندلعت في بيروت في 17 أكتوبر الماضي حوالي مليون متظاهر في دولة لا يزيد عدد سكانها عن 5 ملايين نسمة.  جاءت إندلاع هذه المظاهرات عقب ما بدا اقتراحا حكوميا هامشيا بفرض ضرائب على رسائل WhatsApp بقيمة 6 دولارات في الشهر. على المستوى العملي، أثبت نظام الاتصالات اللبناني عدم فعاليته وارتفاع تكلفته، ومن ثم، فقد قدم WhatsApp بديلا مهما وذا قيمة. وقد جاءت هذه الضريبة الجديدة بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير في بلد غارق حتى أذنيه في الركود السياسي ونقص الطاقة وضعف البنية التحتية، إضافة إلى العديد من المشكلات البيئية.

كما  كل هذه المشكلات على خلفية تفشي الفساد وظهور نخبة ثرية تزداد ثراء برغم الصعوبات التي يكابدها أغلب أفراد الشعب. ويعد تفاوت الدخول في لبنان الأعلى على الإطلاق بين جميع بلدان الشرق الأوسط، حيث يحصل 1% فقط على 25% من الناتج المحلي الإجمالي، و50% من الدخل القومي، وهو ما وصفه الصحفي اللبناني رامي خوري بأنه «حالة التفتيت والتهميش التي تعاني منها القاعدة العريضة» والتي تمثل «السبب الأساس بلا منازع للزخم الثوري الحالي».

وردا على ما يطلق عليه بعض الثوار حاليا «ثورة أكتوبر»، وافقت الحكومة اللبنانية برئاسة سعد الحريري على إجراء العديد من الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية الكبرى. لكن المتظاهرين لم يعبأوا بهذه الوعود، وأبدوا إصرارا قويا على مواصلة الحراك. وفي 27 أكتوبر، تضافر عشرات الآلاف من المتظاهرين اللبنانيين لعمل سلسلة بشرية تمتد بطول الخط الساحلي للبلاد بدءا من طرابلس في الشمال إلى صور في الجنوب. وبحسب المنظِمين المناهضين للحكومة كان الهدف من هذه السلسلة هو إظهار حالة الوحدة الوطنية ولو بصورة رمزية.  

وفي شيلي

كانت  الشرارة التي اشعلت نيران الاضطرابات المدنية في شيلي، التي قادها الشباب، هي زيادة سعر تذكرة المترو من 800 بيزو شيلي (ما يعادل 1.15 دولار أمريكي) إلى 830 بيزو شيلي (ما يعادل 1.17 دولار أمريكي). لم تكن هذه الزيادة الطفيفة على وجه التحديد هي سبب اندلاع الاحتجاجات، لكنها جاءت متزامنة مع شعور عام متفاقم بالغضب.

عادة ما يتم وصف شيلي، بتاريخها الذي يمثل «تجربة نيوليبرالية»، بأنها «قصة نجاح للتنمية السوسيواقتصادية في أمريكا اللاتينية». فبينما تتمتع البلاد بمستويات معيشية مرتفعة نسبيا مقارنة بالبلاد الأخرى في المنطقة ومستويات فقر متدنية، إلا أنها تعاني من أعلى مستويات عدم المساواة بالنسبة لدولة عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية». في الواقع، يصنف مؤشر GINI شيلي في المرتبة الأولى بمقاييس عدم المساواة ضمن مجموعة تضم 30 دولة غنية في العالم. تعاني شيلي أيضا من تزايد وتيرة الشعور بالإحباط بين سكانها بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة، وانخفاض الأجور والمعاشات، إضافة إلى مشكلات التعليم والمياه والصحة العامة.

يضع المراقبون الاضطرابات في شيلي في إطار ردة الفعل الجماهيرية على كل من الوعود الفاشلة التي قدمتها النيوليبرالية، وعدم المساواة التي خلفتها سياساتها. في هذا السياق، يؤكد باتريسيو نافيا، عالم الاجتماع الشيلي أنه «في الواقع، يعارض كثير من المحتجين السياسات الاقتصادية النيوليبرالية التي تبنتها الحكومات اليسارية واليمينية في شيلي على مدار الثلاثين عاما الماضية. على الجانب الآخر، قد يكون هناك ناشطون ملتزمون بعرقلة جهود الحكومة اليمينية المعتدلة الأكثر استقرارا بالمنطقة. لكن الأسباب الحقيقية وراء هذا الغضب تكمن في حالة الإحباط العام الناجمة عن تقديم وعود بتوسيع قاعدة الطبقة الوسطى، لكن هذه الوعود لم تتحقق بسبب وجود نخبة متعسفة وحكومة غير فاعلة ووعود كاذبة بتحقيق مبادئ  الحكم بالاستحقاق ومقياس الجدارة (أو ما يطلق عليه ’الجديروقراطية‘) وتكافؤ الفرص».

لكن رد فعل الحكومة اليمينية برئاسة الرئيس سيباستيان بينيرا جاء في شكل فرض حالة الطوارئ، وحظر التجول، ونشر واسع النطاق لأفراد الشرطة والجيش، حيث تم إرسال حوالي 10 آلاف جندي إلى العاصمة سانتياجو. وقد خلفت الصدامات بين قوات الأمن والمتظاهرين 17 قتيلا وأكثر من 200 جريح بعد أربع ساعات من الاضطرابات التي أعقبها إضراب عام. وحاولت الحكومة احتواء الغضب الشعبي بتقديم وعود بالإصلاح، لكن جميع المؤشرات تؤكد أنها لا تكفي لاستيعاب غضب الشارع. وفي 25 أكتوبر تجددت الاحتجاجات بخروج مليون متظاهر إلى شوارع العاصمة سانتياجو.وفي أماكن أخرى من أمريكا اللاتينية تنتشر الاضطرابات في كل من الإكوادور وبوليفيا وهايتي.  

المشهد العالمي

بالإضافة إلى شيلي وبوليفيا والإكوادور وهايتي ولبنان والعراق، كانت هناك أسابيع من الاحتجاجات في الجزائر، واضطرابات طويلة الأمد في فنزويلا، ومظاهرات أصحاب السترات الصفراء في فرنسا، إضافة إلى موجات حراك شعبي في كل من روسيا وألبانيا وأوكرانيا وصربيا. وكما ذكرنا، فقد تحركت السلطات سريعا في بعض البلاد لقمع المتظاهرين. في أغلب الحالات توجد عوامل محددة تدفع بحالة الاستياء والغضب إلى التعبير عن نفسها في شكل مظاهرات، غالبا ما تتبعها إجراءات قمعية واستخدام للعنف من قبل الدولة.

بالنسبة لأغلب هذه المظاهرات، تمثل حالة عدم المساواة وانسداد آفاق الحياة جزءا أصيلا من سياق اجتماعي وسياسي أوسع، فعلى مدى العقود الستة الماضية كانت هناك فترات من الاضطرابات الاجتماعية في العديد من المناطق مثل غرب أوربا في نهاية ستينات القرن الماضي، وشرق أوربا في تسعيناته مع انفراط عقد اتحاد السوفيتي، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في بداية العقد الثاني من هذا القرن. لكن ما يميز هذه الموجة من المظاهرات هو امتداداها الواسع عبر أجزاء مختلفة من العالم، وعدم ارتباطها بأسس أيديولوجية أو حركات منظمة، وهو ما يشير إلى وجود أزمة تتفاقم بصورة مستمرة، وترتبط جوهريا بفشل النموذج الاقتصادي النيوليبرالي في تحقيق المساواة والتحرر.  

الخاتمة

أكدت الدراسة الصادرة عن «مجموعة أكسفورد للأبحاث» تحت عنوان «استجابات عالمية» أن الفجوة الاجتماعية والاقتصادية الآخذة في الاتساع كانت واحدة من الاتجاهات السائدة التي كان من المرجح أن تقود العالم نحو مزيد من الانقسام وعدم الاستقرار. لكنها ربطت هذه الأزمة بمخاوف تتعلق بأوجه قصور بيئية ونقد لمقاربة أمنية تعطي الأولوية دائما للإبقاء على الوضع الراهن وتحاول بشكل أساسي «الإبقاء على الغطاء» على القضايا المهمة بدلا من الاشباك مع العوامل الجذرية التي تؤدي إلى حالة انعدام الأمن.

لا ترتبط أغلب حالات الاضطرابات والاحتجاجات المدنية الحالية في كثير بالتغيرات المناخية. لكن، ما لم يتم معالجة هذا الاضطراب المناخي، فإنه سيضيف كثيرا إلى حالة الغضب الموجهة حاليا ضد نموذج اقتصادي فاشل، حيث تتحمل العناصر الأضعف في المجتمع وطأة المشكلات في الوقت الذي تحافظ فيه النخب الأكثر ثراء على أمنها الخاص.وتؤكد هذه الدراسة أن تلك الأزمة ستتفاقم بصورة معقدة بفعل المقاربة الأمنية المتجذرة في إحكام السيطرة بكل الوسائل الضرورية.

وتلفت الدراسة إلى ضرورة الوعي بالاستخدام الصحيح لعبارة ’ثورة الهامش‘ التي قد تفترض أن هؤلاء المحتجين يقبعون في جانب الأقلية، بينما الحقيقة هي أنه بالنظر إلى أن حوالي خمس سكان العالم فقط يهيمنون على أغلب ثرواته، فقد بات ’الهامش‘ يمثل أغلبيته الساحقة. لهذا السبب فقط – وتحديدا في ضوء الخبرة الاحتجاجية الحالية التي يتسع نطاقها يوما بعد يوم – يظل من المفيد العودة إلى خاتمة الدراسة الصادرة عن المجموعة في عام 2006، والتي تفيد بأنه: «إن القضايا التي تم تحليلها في ثنايا هذا التقرير هي التي يرجح أن تبسط هيمنتها على البيئة الأمنية الدولية على مدى الثلاثين عاما القادمة. وما لم يُتخذ إجراء عاجل في غضون السنوات الخمسة إلى العشرة القادمة، فسيكون من الصعوبة بمكان – ما لم يكن مستحيلا – تجنب نظام عالمي غير مستقر في منتصف هذا القرن. ومن ثم، فإن على الحكومات ومنظمات المجتمع المدني والمواطنين المعنيين العمل معا لتبني مقاربة مستدامة للأمن العالمي». وبعد 13 عاما من نشر هذه الدراسة، يتنامى الوعي والإقرار بمشكلات النموذج الاقتصادي النيوليبرالي، وبضرورة الاستجابة للانهيار المناخي. أما على المستوى الأمني، فحتى الآن لم تحدث إعادة تفكير نقدية حقيقية تتجاوز المقاربة الحالية، نحو معالجة الدوافع الأصيلة وراء حالة انعدام الأمن. ومن ثم، تلفت الموجة الحالية من الاضطرابات الاجتماعية إلى حتمية إعادة التفكير في المقاربة الأمنية الراهنة من أجل الوصول إلى مقاربة أخرى أكثر استدامة.

 

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا ?

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock