منوعات

جراحات التجميل.. حجاب ما بعد الحداثة

*صوفي هالاند ماتلاري

*ترجمة: أحمد بركات

منذ سبعينات القرن الماضي، تعتبر النسوية الغربية أنها تمتلك – دون غيرها – سلطة تعريف مفهوم «إمرأة حرة تتمتع بالمساواة». ويستند هذا الرأي إلى ذهنية تزعم أن النسويات الغربيات – أيضا دون غيرهن – يمتلكن «سر» الحياة الصحية التي تليق بالمرأة في جميع أنحاء العالم.

المرأة العربية

أكتب هذه السطور في الوقت الذي أعيش فيه في الشرق الأوسط، حيث تمر الأوقات وتتبدل الأحوال سريعا على النساء هنا.  لكن الحروب والصراعات التي تدور رحاها في كثير من البلدان العربية تجعل مهمة تحديد مضمون هذه التغييرات التي تطرأ على المجتمع ضربا من المستحيل. لكن رغم ذلك، فإن هذه المجتمعات لا تزال تشهد تغييرات اجتماعية مهمة، وغالبا ما تكون هذه التغييرات غير واضحة بما يكفي، على الأقل عند الحكم عليها من الخارج.

ليس من الممكن ملاحظة التغييرات الاجتماعية التي تحدث بالعين المجردة فقط، أو تتبعها – على سبيل المثال – من خلال التغييرات التي تطرأ على خيارات الملابس النسائية؛ لكننا نستطيع رؤيتها في شيء أهم بكثير، وهو طريقة تفكير النساء اللاتي يعشن هنا.

في عام 2017، نشرت «هيئة الأمم المتحدة للمرأة» تقريرا بعنوان «Understanding Masculinities» (فهم الذكورية). لا يعمد هذا التقرير إلى تقديم تحليل مباشر لدور المرأة في الشرق الأوسط، وإنما يبحث – بدلا من ذلك – آراء الرجال العرب في دور المرأة ووضعها في المجتمع. يرتكز التقرير إلى مقابلات كمية ونوعية مع أكثر من 10 آلاف رجل من مصر ولبنان والمغرب وفلسطين، ويطرح أسئلة حول مواقفهم من حق المرأة في العمل، وعن دورها داخل المنزل وخارجه.

 ليس من المستغرب أن تظهر هذه الدراسة المسحية أن معظم الرجال العرب يفضلون النموذج الأبوي للأسرة وللمجتمع بوجه عام، بل ويتفقون عليه كنموذج حياتي يلائم الأسرة والمجتمع العربي. لكن – في الوقت نفسه – تُظهر الدراسة أن أقلية كبيرة تدفع باتجاه تغييرات اجتماعية ليبرالية، وذلك من خلال منح المرأة مزيدا من المساواة، ومزيدا من الحريات السياسية والاجتماعية. ومما يثير الاهتمام بشكل خاص أن هذه الأقلية تتألف من رجال ينتمون إلى الطبقات الاجتماعية العليا والدنيا، ويعيشون في مناطق حضرية وريفية على حد سواء.

 ومن المثير للاهتمام أيضا أن نرى أن التغييرات الطفيفة التي تحدث للمرأة في الشرق الأوسط لا يمكن ربطها مباشرة بالغرب، أو نسبها إليه، لكنها تمثل توجهات تنشأ من داخل الأسرة ذاتها. وليس أدل على ذلك من أن كثيرا ممن تم استطلاع رأيهم، والذين سبق لهم العيش والدراسة في الخارج (تمثل الدراسة في إنجلترا والولايات المتحدة أمرا شائعا عند الكثير من أبناء بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا)، لم يصطحبوا الفكر الغربي لدى عودتهم، وهو ما ينطبق على الرجال والنساء على حد سواء.

إحدى صديقاتي المقربات من مصر، وتحديدا من قرى صعيد مصر، لم تكن أمها قد تجاوزت الحادية عشرة من عمرها عندما أنجبتها. وكان أبوها في ذلك الوقت في السادسة عشرة من عمره. واليوم يُنظر إلى أمر كهذا في مصر على أنه انتهاك لحقوق الطفل، وعمل مخالف للقانون.

 ينتمي كلا الوالدين إلى العائلة نفسها، حيث تتزوج المرأة وتنجب بمجرد أن تتهيأ لها الشروط البيولوجية التي تؤهلها لذلك. لكن الأمر المثير للاهتمام بشأن صديقتي هو أنه على الرغم من نشأتها في أسرة تقليدية تعيش بمنأى عن المناطق الحضرية والتأثيرات الغربية، إلا أنها لم تجد من أسرتها ما يمنعها عن اختيار طريقها في الحياة.

اليوم غدت صديقتي باحثة دكتوراه، وتشق طريقها باجتهاد للالتحاق بالعمل بالسلك القضائي. وبرغم أنها في الثامنة والعشرين من عمرها، إلا أنها لم تتزوج بعد، ولا تدفعها أسرتها دفعا إلى ذلك؛ إنها حرة في تحديد خيارتها، حتى لو تعارضت مع خيارات الحياة التي يؤمن بها والداها.

في الوقت نفسه، لدي هنا كثير من الصديقات اللاتي درسن في الخارج وينحدرن من أسر مصرية ثرية، لكنهن يواجهن ضغوطا هائلة من أجل اتخاذ خطوة الزواج ’على النحو الصحيح‘، حيث تتم كل ترتيبات الزواج بمعرفة أسرة الفتاة، بما في ذلك اختيار الأسرة الأخرى، دون أي التفات إلى معايير توافر الأسس العاطفية التي تضمن نجاح هذه العلاقة، وحيث يصبح المعيار الأوحد هو أن تؤدي هذه العلاقة إلى مزيد من الثراء والسلطة. ومن المفارقات أن هذه المواقف التعسفية تجاه المرأة عادة ما تقع في أسر تتمتع بحظ وافر من التعليم والمال.

من خلال خبراتي وملاحظاتي في العديد من الدول العربية، أقول لو كانت النساء هنا يشعرن حقيقة بشيء من عدم الارتياح ويرغبن فعليا في التغيير، لخضن معركة صريحة من أجل ذلك، وسعين إلى إرساء قيم جديدة ترسخ لمفاهيم المساواة الكاملة الموجودة في النموذج الغربي. لكن يبدو أن أغلب النساء العربيات – على سبيل المثال في مصر – يحققن نجاحاتهن من خلال ذلك النموذج الأسري التقليدي. لا يعني هذا أنهن نساء يقبلن الظلم أو يستسغن القمع، وإنما يعني انتظام الحياة الأسرية في العالم العربي حول نموذج تقليدي. علاوة على ذلك، فقد كانت المرأة المصرية ممثلة بدرجة كبيرة في ثورتي 2011 و2013 كمعركة ضد القوى الدينية المحافظة.

القمع الغربي للمرأة

في أحد كتبها المعروفة، أكدت الكاتبة والنسوية المصرية نوال السعداوي أن «الجراحات التجميلية هي حجاب ما بعد الحداثة». كانت السعداوي قد ناضلت لفترة طويلة من الزمن من أجل تحقيق المساواة الجندرية في مصر، وغالبا ما ترسم كتاباتها صورة للمجتمع الذكوري القمعي في مصر.

الكاتبة «نوال السعداوي»

غالبا ما تزعم السعداوي في كتاباتها بوجه عام أن القمع ظاهرة عالمية، وأنه عادة ما يتخذ أشكالا متعددة لا تنحصر فقط في الشكل الأبوي الكلاسيكي.على سبيل المثال، تعني النظرية النسوية أنه سيكون من الإجحاف، ومما عفا عليه الزمن أيضا، أن ترغب المرأة في أن تَقر في بيتها إلى جانب أطفالها، وألا تخرج إلى سوق العمل. في هذه الحالة ستكون المرأة – من وجهة نظر النسوية الغربية – قد خضعت لا محالة لعملية «غسيل دماغ»، أو – في أحسن الأحوال – جاهلة بقدراتها وبتنوع الخيارات الحياتية المتاحة لها. بموجب هذه النظرية يتم توجيه اتهامات غير موضوعية للأدوار الجندرية التقليدية باعتبارها أدوارا ماضوية «عفا عليها الزمن» وغير صالحة لمجتمعاتنا الحديثة، دون أدنى اعتبار لحقيقة أن المرأة أكثر تعقيدا بكثير من مجرد النوع الذي ولدت عليه، كما تؤكد السعداوي.

يعني هذا ببساطة أن أشكال القمع التقليدية قد استُبدلت بمتطلبات جديدة لتحقيق ما ندعيه في الغرب ’الحياة المثالية‘.

تتناول السعداوي في كتاباتها أيضا الشطط الغربي في نزوعه إلى الفردية (Individualism)، والضغوط الاجتماعية الهائلة التي تتعرض لها المرأة هناك. فالطموح المجتمعي المحلق في عنان السماء بعيدا عن أرض الواقع، يمارس شكلا من أشكال القمع، وذلك من خلال فرض متطلبات غير واقعية على الجسد وربما على الحياة بوجه عام. يشمل هذا البوتوكس والجراحات التجميلية والتمارين الرياضية والأنظمة الغذائية، من بين أشياء أخرى كثيرة.

 لكن هذه الأشياء لا تُقدم كمشكلات أساسية تعاني منها المرأة النرويجية. وبدلا من ذلك، تشير إحداهن إلى أن المرأة في الشرق الأوسط تُجبر على ارتداء الحجاب.

غالبا ما يُزعم أن النرويج، وغيرها من دول الشمال الأوربي، هي أكثر دول العالم تحقيقا لمبدأ المساواة، لكن هذه القياسات لا تُظهر – في حقيقة الأمر – سوى مدى نجاحنا في الغرب في التفكير في أنفسنا في ضوء المعايير التي وضعناها بأنفسنا. إننا في الغرب نعاني أيضا من أشكال متنوعة من الاضطهاد والتطابق غير الصحي بين الرجل والمرأة، وهو ما يظهر أحيانا على أجساد النساء. فالشره المرضي وفقدان الشهية ليست أمراض خافية علينا، سواء في الغرب بوجه عام، أو في النرويج على سبيل التحديد. إن هذه الضغوط الجسدية غير الصحية لا تمت بصلة إلى حرية المرأة، والقمع الذي نعتقد في الغرب أن المرأة المسلمة ترزح تحت نيره موجود لدينا هنا، ولكن بصورة مختلفة.

*هذه المادة مترجمة من النرويجية إلى الإنجليزية، ومنها إلى العربية. يمكن مطالعة النص باللغة الإنجليزية من هنا ? 

اقرأ أيضا:

صوفي هالاند ماتلاري

باحثة في العلوم السياسية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock