منوعات

البلدان التي تحمي العمال تجعل مواطنيها أكثر سعادة

*كتب: بنجامين رادكليف

*ترجمة وعرض: تامر الهلالي

 يشكل مدى تدخل الحكومات في الاقتصاد أحد مصادر النزاع او السجال السياسي حول العالم. وغالباً ما يشير السياسيون والمواطنون العاديون إلى نتائج ملموسة مثل مستوى النمو الاقتصادي أو معدل البطالة، كمقاييس مفيدة لتقييم النجاح النسبي لأحد الخيارات السياسية على حساب الآخر. وعندما يتعلق الأمر بتقييم الأداء والواقع السياسى فى دولة ما، يكون السؤال الأكثر أهمية هو ما إذا كانت السياسة العامة تعزز رفاهية الإنسان وتقدمه أم لا؟. بمعنى آخر، هل تؤدي السياسة إلى مجتمع يكون المواطنون فيه أكثر ارتياحا في حياتهم؟

باستخدام نفس الأدوات المنهجية، التي نتعامل بها مع أي سمة بشرية أخرى نشرت المجلة الأوروبية للبحوث السياسية  دراسة لكل من البروفيسور ألكساندر باسيك (جامعة تكساس إيه آند إم)، والأستاذ بنيامين رادكليف (جامعة نوتردام) حاولا فيها ا بحث ما إذا كانت النتائج التي توصلت إليها مجموعة كبيرة من الأبحاث حول السياسة والرفاهية – في الديمقراطيات الصناعية تنطبق على سياق عالمي أكبر.

ينطلق الباحثان في هذه الدراسة من حقيقة أنه في الديمقراطيات الصناعية، هناك أدلة تجريبية وافرة تدل على أن السعادة البشرية تخدمها بشكل أفضل تدخلات الدولة في السوق المصممة خصيصًا لحماية العمال. وبالتالي، إذا كان تنظيم سوق العمل يعمل لصالح العمال في الغرب، فإننا نسأل هل ينطبق هذا الاستنتاج نفسه على بقية العالم؟

 

الحكومات وحماية العمالة

 تركز الدراسة على بحث آثار تدخل الحكومات على الرفاه وبشكل خاص على حماية العمالة، لأنه، وعلى عكس الديمقراطيات الصناعية، لا تتمتع البلدان منخفضة الدخل عادة بالقدرة المالية لإنشاء دولة الرفاه الاجتماعي التقليدية (أي شبكة الأمان الإجتماعي) في شكل مدفوعات التحويل السخية والتأمينات الاجتماعية والمعاشات العامة. ووفقا للدراسة فإنه من الناحية النظرية، يتوقع أن يؤدي المزيد من تنظيم سوق العمل إلى مستويات أعلى من السعادة لعدة أسباب.

 -أولاً: يمكن أن يحمي العمال من التجربة المزعزعة للاستقرار المتمثلة في فقدان الوظيفة تعسفيًا، ومن ثم فقدان الدخل بشكل فوري، والحاجة إلى البحث عن عمل جديد وتأمينه.

-ثانيًا: يمكن توفير راحة نفسية للعمال الذين لا يضطرون دائمًا إلى الخوف من فقدان وظائفهم.

-ثالثًا: يمكن أن تسمح للعمال بمزايا ملموسة تتمثل في الحصول على دخل أعلى في شكل حد أدنى للأجور تفرضه الدولة.

ومع ذلك ، وضع الباحثان في الاعتبار وجهات النظر المضادة المحتملة لهذه التوقعات، مثل احتمال قيام سوق عمل أكثر تنظيماً بتقييد العمال في وظائف ذات فرص ضئيلة للتقدم و التحسن، وأن ذلك قد يقلل من الكفاءة الكلية لاقتصاد البلد و يؤدي إلى انخفاض الدخل، وخاصة بالنسبة للعمال. بسبب هذه الاحتمالات الشاملة، من المهم إخضاع هذه المسألة للتدقيق التجريبي. 

ولتقييم العلاقة بين تنظيم سوق العمل والرفاه الشخصي، قام الباحثان  بقياس تنظيم سوق العمل باستخدام بيانات من تقرير معهد فريزر لدراسة «الحرية الاقتصادية في العالم». ويقوم معهد فريزر (وهو مركز فكري محافظ) بتجميع البيانات حول الإنفاق الحكومي والتنظيم في جميع أنحاء العالم، مع إعطاء درجات أعلى للبلدان ذات القطاعات الحكومية الأصغر حجماً والأقل تنظيمًا  التي تمنح المزيد من «الحرية».

وقد استخدم فريق البحث مكونًا فرعيًا من مؤشر الحرية الاقتصادية الذي يقيس على وجه التحديد تنظيم سوق العمل وهو عبارة عن مزيج من السياسات المتعلقة بالحد الأدنى للأجور وأنظمة التوظيف والمفاوضة الجماعية المركزية وأنظمة ساعات العمل والتكاليف المقررة لإقالة العمال.وقاموا بقياس الرفاه الشخصي باستخدام اثنين من مصادر البيانات. أولاً، استخدموا بيانات المستوى الفردي من مسح القيم العالمي لـ 37 دولة منخفضة الدخل للفترة 1991-2014 حيث تم سؤال مستجيبي الاستبيان عن مدى سعادتهم ومدى رضاهم عن حياتهم. ثانياً، استخدموا بيانات المسح من استطلاع أجرته مؤسسة جالوب العالمية لـ 72 دولة منخفضة الدخل لعام 2012، حيث طلب من المشاركين تقييم مدى سعادتهم بحياتهم و (نظرًا لأن تركيز الباحثين انصب على تأثير أنظمة سوق العمل) سألوا عينة البحث عن مدى رضاهم عن هذا العنصر في وظيفتهم.

ولمراعاة العوامل المحتملة الأخرى التي تؤثر على الرفاه ولتحييد تأثير تنظيم سوق العمل، عمل الباحثان  على سلسلة من العوامل الأخرى مثل: (الدخل، التعليم، الصحة، الحالة الإجتماعية، العمر) وبالنسبة للبلد التى ينتمى إليها العمال موضوع الإستبيان- متغيرات المستوى (الناتج المحلي الإجمالي، معدل البطالة، النمو الاقتصادي، الترابط الاجتماعي، التدين). وخلص التحليل الإحصائي الذي قام به فريق البحث باستخدام كل من مسح القيم العالمية واستطلاع جالوب العالمي لقياس رفاهية الإنسان إلى نتائج مماثلة.

 

قوانين عمالية صارمة= سعادة

و خلاصة النتائج أن الأشخاص الذين يعيشون في بلدان تحمي العمال ،بشكل أكثر صرامة من خلال تنظيم سوق العمل، يقولون إنهم يعيشون حياة أكثر سعادة ورضا، ويتحكمون في عوامل أخرى.

كما خلص البحث إلى انه من حيث حجم التأثير الواقعي في العالم ،فإن التأثير الإيجابي لتنظيم سوق العمل على رفاهية الإنسان يعادل تقريباً التأثير الإيجابي للترابط الاجتماعي، و يصبح الشعور بغياب العدالة في تلك الحالة أقل بقليل من تأثير الانحراف المعياري في زيادة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.

الأهم من ذلك، ان فريق البحث تحرى أيضًا عن الانتقاد الشائع بأن تنظيم سوق العمل يضر برفاهية المواطنين ذوي الدخل المنخفض واكتشفنا، بدلاً من ذلك، أن التأثير الإيجابي لتنظيم سوق العمل على الرفاه الشخصي هو في الواقع الأكبر بين المواطنين ذوي الدخول المنخفضة.

ورصد الباحثون انه غالبًا ما تتحول المناقشات حول قرارات السياسة العامة إلى مناقشات حول آثارها المتوقعة على الحياة اليومية للمواطنين.

يشير التحليل التجريبي في البحث إلى الاستنتاج الموضوعي الهام المتمثل في أن سياسات سوق العمل الأكثر تنظيما وانضباطا تؤدي إلى مواطنين أكثر سعادةويقول الباحثان إنهما يأملان في أن تساعد النتائج التي توصلا إليها في زيادة فهم آثار تنظيم سوق العمل، وتشجيع البحث في المستقبل حول تداعيات السياسة العامة على رفاهية الإنسان.

*تعريف بالكاتب

بنجامين رادكليف -أستاذ الاقتصاد، بجامعة نوتردام الهولندية- باحث متخصص في العلاقة بين النظم السياسية ونوعية الحياة البشرية.

بنجامين رادكليف

هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة الدراسة كاملة باللغة الإنجليزية من هنا ?

تامر الهلالي

مُترجم وشاعر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock