منوعات

الخليفة المجهول.. تحديات جديدة أمام تنظيم الدولة

*كول بونزيل – باحث في دراسات الشرق الأدنى-معهد هوفر للأبحاث-جامعة ستانفورد

*عرض وترجمة: أحمد بركات

كان الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر 2019 علامة فارقة في تاريخ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). ففي26 أكتوبر قام أبو بكر البغدادي، الزعيم والخليفة السابق في تنظيم الدولة، بتفجير نفسه بعد مداهمة إحدى فرق القوات الخاصة الأمريكية المجمع السكني الذي كان يقيم فيه  بأحدى قرى مدينة إدلب شمال غرب سوريا. وفي اليوم التالي، أسفرت ضربة جوية أمريكية في مدينة حلب المجاورة عن مقتل أبي الحسن المهاجر، المتحدث باسم التنظيم وأحد خلفاء البغدادي المحتملين. وفي 31 أكتوبر أعترف تنظيم الدولة بخسائره في الأرواح في بيان صوتي أذاعه أبو حمزة القرشي، الذي أعلن فيه أيضا تنصيب «أبو إبراهيم الهاشمي القرشي… أميرا للمؤمنين وخليفة للمسلمين».

في بيانه، طالب أبو حمزة جميع المسلمين بمبايعة «الشيخ المجاهد العالم العامل العابد»، لكن، بخلاف هذا التوصيف الغامض لجهادي متمرس يتمتع– بحسب البيان – بخبرات سابقة في القتال ضد الولايات المتحدة، وينحدر من نسل قرشي (يرى معظم العلماء المسلمين أن النسب إلى قريش شرط ضروري للخلافة)، وينتسب إلى بيت النبوة، لم يكشف البيان عن أي معلومات تتعلق بشخص «أبو إبراهيم».

بيعة باطلة

تمثل هذه الحالة من ’العدمية‘ والجهل‘ التي تحيط بشخص الخليفة الجديد لبعض المعارضين لتنظيم الدولة، لا سيما من شبكة الداعمين السابقين الذين تحولوا إلى منتقدين، فرصة سانحة لتقديم ما يعتبرونه ’أدلة شرعية‘ على عدم جواز تنصيب خليفة مجهول.

ففي يومي 2 و3 نوفمبر، نشرت مؤسسة الوفاء الإعلامية – وهي إحدى المؤسسات الإعلامية التي كانت تتبع تنظيم الدولة  في وقت سابق، قبل أن تتحول إلى العمل ضده – مقالتين مهمتين ردا على تنصيب «أبو إبراهيم الهاشمي» «خليفة للمسلمين». حمل المقال الأول عنوان «الكماشة في هتك أوهام أدعياء الخلافة»، وأشار كاتبه إلى نفسه باسم “ناصح أمين»، وأيضا «مقتفي الأثر»، بينما حمل المقال الثاني، الذي أشار كاتبه إلى نفسه باسم «ابن جبير»، عنوان «سقوط الخرافة». وبينما لا يُعرف سوى القليل عن «ناصح أمين»، فإن «ابن جبير»، هو أحد العلماء السابقين في تنظيم الدولة الإسلامية الذين فروا من شرق سوريا في وقت سابق من هذا العام. وبصفة عامة، يُعد كلا الرجلين مؤلفين غزيري الإنتاج في شبكة الكُتاب المؤيدين لتنظيم الدولة قبل أن ينضما إلى زمرة منتقديها.

 فمنذ نشر الكتاب المهم «كفوا الأيادي عن بيعة البغدادي» في مارس 2019 لأبي محمد الهاشمي، وهو أيضا أحد علماء تنظيم الدولة السابقين، عكف الرجلان على التنديد بتنظيم الدولة في أكثر من مناسبة، ووصفاها بأنها مارقة وغير شرعية.

يبدأ «ناصح أمين» مقالته بالسخرية من فكرة تنصيب «مجهول عدم» كخليفة من قبل «مجلس أهل الحل والعقد والأعيان الذي لم يدر به أحد ولم يسمع به فرد». وفي السياق ذاته، ينتقد ابن جبير أيضا قادة الدولة الإسلامية للسبب نفسه، قائلا: «لسان حالكم: يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، لقد تشاورنا نحن المجاهيل واخترنا لكم مجهولا، فهلموا وبايعوه بيعة جهل».

ويشير «ناصح أمين» إلى أن فقهاء الإسلام قد وضعوا معايير لتحديد مدى ملاءمة المرشح للخلافة. ويتساءل: «فكيف لنا أن نتبين أهلية خليفتكم وهومجهول؟!». ولمزيد من الدعم لرأيه، يقتبس ناصح أمين من ابن تيمية، العالم الحنبلي من القرن الرابع عشر الذي كتب في الرد على الشيعة: «النبي صلى الله عليه وسلم أمر بطاعة الأئمة الموجودين المعلومين … لا بطاعة معدوم ولا مجهول».

وبحسب «ناصح أمين»، فإن هذا «الخليفة الكرتوني المتسردب» الذي نصبه قادة تنظيم الدولة «قد اجتمعت فيه جهالتان»، وهما «جهالة العين» (أي أنه مجهول الشكل والهيئة) و«جهالة الحال» (أي أنه مجهول الاسم والهوية). إضافة إلى ذلك، يلفت الكاتبان إلى عدم وجود «مُلك»، أو «سلطان» (دولة) من الأساس في الوقت الراهن حتى يُنصب عليها خليفة، وأن الدولة الإسلامية التي يزعمها التنظيم ما هي إلا «دولة وهمية»، وأن التنظيم ذاته «تنظيم أجوف ليس فيه من حقيقة الدولة شيء».

حملة ترويج للخليفة الجديد

في الأيام التي تلت إعلان تنصيب أبي إبراهيم الهاشمي «أميرا للمؤمنين وخليفة للمسلمين»، بدأ تنظيم الدولة بث صور لأعضائه، والجماعات الموالية له في جميع أنحاء العالم، وهم يؤدون البيعة للخليفة الجديد. كما حفل عدد مجلة النبأ (التي تصدر عن التنظيم باللغة العربية) في 1 ربيع الأول 1441 ه (الموافق 7 نوفمبر 2019)  بالعديد من الصور والمقالات التي تناولت الموضوع نفسه. وجاءت هذه ’الحملة‘ الإعلامية في إطار التأكيد على شرعية الزعيم الجديد والقبول العام له. كما حرص المسئولون الإعلاميون في التنظيم على أن يستبقوا بها أي انتقادات يمكن أن توجه لهذا القرار. وقام كثيرون من مؤيدي تنظيم الدولة بمشاركة هذه الصور على نطاق واسع، ومعها تعبيرات جازمة عن رفضهم لجدلية الخليفة «المجهول … العدم … المتسردب»، وقد استشهد أحدهم (أبو محمد القحطاني) – على سبيل المثال – بمقولة الإمام أبي الحسن الماوردي: «ولا يلزم أن يعرفوه باسمه وعينه إلا أهل الاختيار (أي أهل الحل والعقد في حالة تنظيم الدولة) الذين تقوم بهم الحجة وببيعتهم تنعقد الخلافة».

من غير المرجح – في واقع الأمر – أن تجد آراء «ناصح أمين» و«ابن جبير» أي صدى لدى مؤيدي تنظيم الدولة المتحمسين، والذين يمثل  الولاء للخليفة جزءا أصيلا من عقيدتهم الإيمانية. لكن هذه الآراء أبرزت بعض نقاط الضعف الجديدة التي خلفها موت البغدادي. فالهاشمي ليس كالبغدادي، ومن غير المرجح أن يتمكن الأول – باعتباره شخصا مجهولا ولم يسبق اختباره، فضلا عن أنه تقلد السلطة في لحظة حالكة من تاريخ مشروع دولة الخلافة الداعشية – من الحصول على الولاء، أو بث الحماس والقوة في صدور أتباعه كما فعل سلفه ذات يوم.

صحيح أن تنظيم الدولة الإسلامية قد حاول عدم شخصنة مشروعه بعد نجاحه اللافت في تصدير صورة شبه أسطورية للبغدادي، وبلوغه ذروة تمجيدها في عامي 2013 و2014؛ حيث أدركت القيادة فداحة مركزة هكذا مشروع على شخص رمز من رموزها مهما بلغت مكانته. رغم ذلك، يبقى مشروع الخلافة في مفهومه التقليدي مؤسسة شخصية بالأساس؛ إذ يرتكز على قيادة رجل مؤهل بدرجة فائقة «يشرف بنفسه على شئون البلاد والعباد»، بحسب الماوردي. كما أن الأفراد يبايعون ’شخص‘ الخليفة، وليس ’مشروع‘ الخلافة. إضافة إلى ذلك، فإن مشروع الخلافة يرتكز أيضا على درجة معينة من القوة والهيمنة الإقليمية. وقد خلًف موت البغدادي تنظيم الدولة الإسلامية في حالة سيئة من الناحيتين.

*هذه المادة مترجمة (باختصار). يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا ?

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock