رؤى

يوميات أم مصرية.. حوار بين المكافحات والهوانم وبنات البلد!

في الآونة الأخيرة، ومع فرض تدابير اقتصادية جديدة، انتقلت شكوى الإفقار إلى الطبقة المتوسطة العليا، والتي اعتادت أن تحتفظ بقدر من الوجاهة الاجتماعية، والأناقة المظهرية، بالرغم من مرورها ببعض الأزمات الإقتصادية، مع احتفاظ مستمر أيضا بالشكوى الدائمة والمخاوف المتعلقة بهواجس انهيار وتدهور هذه الطبقة، وذهابها إلى غير رجعة!

 إلا أنه، وإحقاقا للحق، كانت شكوى الطبقة المتوسطة العليا في السابق مبالغا فيها، ذلك لأنها طبقة قلقة على مستقبلها بالفطرة، عدا هذه المرة. فهم يعانون من أزمة طاحنة حقا. لكن وبموازاة ذلك هناك طبقة أخرى صاعدة، دائما ما تظهر في ظل الظروف الاقتصادية الطاحنة.

بحكم أنني أم لطفلين في التعليم والتدريب الرياضي، فقد حالفني الحظ كي أختلط بمجموعات بشرية من الأمهات المتراوحات في الطبقات الاجتماعية، بخلاف دوائري الثورية المحبطة التي تنتظر النيزك، أو المجموعات الثقافية التي ألقت بظلالها على أسلوبي الحواري، مما دفع إحدى الأمهات على أحد مجموعات تطبيق الواتساب لأن تسجل لي تسجيلا صوتيا متسائلة: نوارة احنا مش فاهمين منك حاجة… أنت بتتكلمي زي بتوع مجلس الشعب… يعني أنت عايزة التمرين يبقى الساعة كام؟

بوصفي أما، فإنني أقع الآن في منطقة «الماميز»، حيث تتقاطع الأمهات اللاتي ينتمين إلى الطبقة المتوسطة العليا ويكافحن من أجل التشبث بنمط حياتهن، مع الأمهات اللاتي اغتنى أزواجهن فجأة بعد العمل في مجال المقاولات أو الورش أو غيرها من المجالات المربحة، ويرغبن في النهوض بمستواهن الاجتماعي.

وما بين الفقراء الجدد والأغنياء الجدد، أحاول الاندماج، فلا يفهم منطقي أحد ظانا أنني أتحدث مثل «بتوع مجلس الشعب». تحدث بينهن مشاحنات بسبب الخلاف على تفاصيل، وأتدخل لحل المشاحنات فأبدو شخصا غرائبيا مسليا بالنسبة لهن.

ليس أمامي الآن حل سوى تقمصهن أيا كانت طبقتهن، حتى لا تشعر الأمهات من طبقة الأغنياء الجدد أنني أتكبر عليهن بلغتي غير المفهومة، وحتى لا تشعر الأمهات من طبقة الفقراء الجدد/ الهوانم سابقا أنني أتآمر على مصر وأريد أن أخرب البلاد وأتبنى حروب الجيل السادس بهذه اللغة التي تشبه لغة «عيال الفيس بوك» كما قالت إحدى الهوانم – سابقا – المكافحات – حاليا.

تجمل الهوانم

مهمة تبدو شاقة.. علينا الآن إعداد السيناريوهات الملائمة لكل شخصية على حدة. قبل إعداد السيناريو المحتمل متعدد الشخصيات، علينا أولا تصميم ما يسمى في علوم السيناريو بالـ Characterization أو رسم الشخصيات.

أولا: الفقراء الجدد/ الهوانم سابقامكافحات حالياأو كما يحلو أن يطلقن على أنفسهنnouveaux pauvres نساء أنيقات، يرتدين ملابس وأحذية باهظة الثمن، احتفظن بها من عهد اليسرة البائد. يتحدثن طوال الوقت عن القواعد والأساسيات والنظريات التربوية، ويرسلن روابط باللغتين الإنجليزية والفرنسية حول أحدث الأبحاث العلمية في العلوم التربوية. يتساءلن في استحياء عن سعر كل شيء، ولا يفاصلن لتخفيض السعر، لكن وجوههن «تزرق» حين يسمعن السعر، ثم يبتلعن ريقهن، ثم يفكرن مليا، ثم يقررن بإنهن سيدفعن المبلغ لكن على الطالب (مدرسة أو ناد) أن ينتظر برهة. نستنتج من ذلك أنهن يعتزمن العمل بشكل إضافي، أو الاقتراض.

فالنسبة الأكبر منهن عاملات. أو عاملات في إجازة ويقمن بأعمال حرة مستخدمات فيها المهارات التعليمية التي يمتلكنها بفضل ما أنفقه عليهن ذووهن في التعليم.

أغلب اعتراضاتهن تكون على ما يتعرض له أبناؤهن: البنت نفسيتها تعبانة من التنمر اللي حصل لها… مش معقولة كل يوم البنت ترجع لي وفيه آثار جزم على جزمتها وساعات بيدوسوا على الكولون بتاعها، على فكرة البنات أخوات مع بعض ولازم نعلم ولادنا التشاركية مش التنافسية… يا ريت يا جماعة نبعت مع البنات أكل صحي.. كلنا نقدر نجيب شوكولا غالية… بس ده مش صحي.. احنا نبعت فاكهة وخضروات… بس ما ينفعش البنات يحصل لهم تروما بسبب التفاوت في الحاجات اللي هم جايبينها… يا جماعة حد يعرف دكتور نفسي أطفال؟ بنتي من يوم ما اتحبست في المطر وهي بيجيلها كوابيس وكل ما تنزل تروح المدرسة تقعد تعيط… يا ريت نتصل بالمدرسة عشان يعرضوا على البنات صور لبنات حلوين من ألوان بشرة مختلفة وأنواع شعر مختلفة عشان بنتي زعلانة إن فيه واحدة قالت لها شعرك خشن.. عيب كده يا جماعة ياريت كل واحد يوعي بنته إن ما ينفعش حد يتريق على شعر حد…

«أنا بنتي اتعرضت لبولينج»

«أنا بنتي مش متعودة حد يعلي صوته عليها»

«نعمل ضفاير كلنا عشان البنات ما يغيروش من بعض».

«الخدمة اللي بتتقدم بالشكل ده مش مناسبة.. أنا كلاينت وبادفع فلوس المفروض السيرفيس تبقى أحسن من كده في النهاية التعليم والتمرينات دي بيزنيس بيكسبوا منه.. يبقى يدوني حقي»

«حضرتك الأسلوب ده مش مناسب خالص.. ياريت نتفاهم بأسلوب أفضل من كده»

«أنا اللي يهمني بناء شخصية بنتي وده مش حيحصل لو فيه عنصر خارجي بيهد مجهودي من برا، ياريت نتعاون»

«معلش يا نوارة… ممكن تعيدي صياغة الكلام بطريقة نفهمها؟ عشان عامل زي كلام بتوع الفيس بوك والتحرير كده».. طيب تمام… هن نساء يتحدثن طوال الوقت عن الصحة النفسية لأطفالهن. وهذا ملعبي.

بنات البلد

على صعيد آخر، هناك من يطلق عليهن «بنات البلد الجدعات»، وأغلبهن متزوجات من رجال يعملون في أعمال حرة، النسبة الغالبة منهن ربات بيوت، بعضهن يضع مساحيق كثيرة، والبعض الآخر يلبسن أغلب مصاغهن في الذراعين وحول الرقبة والأصابع. و بالرغم من قدرتهن على دفع أي مستحقات، إلا أنهن يهوين الفصال، حتى وإن تمكّن من  الحصول على تخفيض جنيه واحد، عندها تبتسم الواحدة منهن ويملأ عينيها الانتصار. يمكنك أن ترى فيهن زوجات الحاج متولى فى المسلسل الشهير وهذا هو رسم شخصياتهن:

«البت بنتك كسرت خاطر البت وبتقولها التي شيرت الفوشيا بتاعي أحلى.. لعلمك إحنا بندفع كتير في اللبس ده وده أقل حاجة عندنا.. أنا روحت كلت البت علقة عشان بتقول لي أنا مش عايزة أروح تاني.. بصي أنا ما أعرفش أعامل حد بوشين.. ما تآخذنيش اللي بتعمليه ده اسمه صورم.. صفي النية كده كلهم بناتنا.. أنا باخلي البت مافيش حد يملا عينها ولعلمك يعني ما تعرفيش تغريها بشوكولاطات وحاجات زي دي… ليه؟ لأن الحاجات دي مرمية قصادها في البيت كده.. أنا الكلمة الحلوة عند البت بالدنيا… إنتى بتقولي بنتي عملت على بنتك نمرة؟ (ترد على إحدى الأمهات التي ذكرت التنمر) لا أنا بنتي ما بتعملش نمر يا حبيبتي.. دول عيال مع بعض والعيال ياما بتقول.. حنعمل عقلنا بعقلهم؟ احنا المفروض نسوان كبيرة».

«لا سيبوا الإدارة عليا، هم ما شافوش مني غير الوش الحلو»

«الصراحة ده «ميستوى» من المعاملة مش حلو.. وأنا أسلك في الحديد.. بس مش حابة»

«أنا ما باتكلمش عشان الفلوس أنا بادفع قد اللي طالبينه عشر مرات في حاجات البت بترميها تاني يوم ولا يهمني.. إنما ده أسمه استقطاع»

«ما تخلوش نفسيات بين العيال وبعضيها.. داست على رجل صاحبتها يعني هي قاصدة؟ ولو قاصدة دول عيال مع بعضيهم… ما إحنا بنأكلهم بالاقلام هنا في البيت… جات على دي؟»

«ياختي بلا دكتور نفسي بلا نيلة.. ده الدكاترة بيجيبوا المرض.. أنت عارفة لو خدتيها في حضنك كده؟ بعدين ما تخليش البت تشتغلك عشان ما تروحش المدرسة… العيال لؤما»

«كلنا ولاد تسعة وأنا عندي الشغالة كأنها واحدة من البيت… بس باعرّفها حدودها بس»

«باقولكم إيه احنا كده بنهري وننكت في نفسنا وفي الآخر مش حنوصل لحاجة.. احنا نروح نتخانق»

«أنت بتقولي إيه أنت كمان؟ (الخطاب موجه لي) ما تكلمينا عربي ياختي».

تمام أيضا. هن إذن نساء فاعلات، يؤمن بالعمل أكثر من التنظير، وهو الآخر ملعبي.

وبناء عليه، تخليت عن لغة «مجلس الشعب» أو «العيال بتوع الفيس بوك»، وأصبحت أتنقل بمهارة فائقة ما بين دور: أوه مون ديوسيت أنبوسيبل، ودور: منين يا فرج يجيلك الشماتة.. والأمر أصبح غاية في المتعة والإثارة والتشويق.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock