منوعات

الإرهاب في إفريقيا..كيف تواجه جمهورية صوماليلاند «حركة الشباب»؟ (2)

مايكل هورتون – باحث في دراسات القرن الأفريقي في مؤسسة جيمس تاون الأمريكية للأبحاث

عرض وترجمة: أحمد بركات

لا تمتلك جمهورية أرض الصومال «صوماليلاند» سلاح جو يضم طائرات بدون طيار، أو حتى مروحيات يمكن استخدامها في شن غارات جوية أو مداهمات، وهو السلاح الأكثر فعالية في العالم في المواجهات العسكرية ضد الميليشيات المسلحة. وبرغم أن صوماليلاند تنفق فعليا 35% من ميزانيتها الوطنية على جهازها الشرطي وقواتها المسلحة، إلا أن إجمالي حجم الإنفاق يعد ضئيلا للغاية، ولا يلوح في الأفق أي أمل من قريب أو بعيد في إمكانية زيادة هذه النسبة.

أما عن العنصر البشري، فإن حجم جيش صوماليلاند لا يتجاوز 8000 جندي، ولا يتجاوز تعداد جهازها الشرطي 6000 رجل وامرأة. ويضم جهاز الشرطة «وحدة الشرطة الخاصة»، وهي القوة المكلفة بحماية المنظمات الأجنبية والعاملين فيها، و«وحدات الاستجابة السريعة»، وهي نوع من قوات مكافحة الإرهاب. وتحصل شرطة صوماليلاند ووحدة الشرطة الخاصة على معونات وتدريبات من المملكة المتحدة. كما يحصل الجيش وحرس الحدود على بعض المعونات والتدريبات من المملكة المتحدة والاتحاد الأوربي.

مكمن القوة

في عام 1992، ونتيجة للحرب الأهلية، فرضت الأمم المتحدة حظرا مفتوحا على الأسلحة في الصومال، ولا يزال هذا الحظر قائما حتى يومنا هذا. وبالنظر إلى أن الأمم المتحدة لا تزال تنظر إلى صوماليلاند باعتبارها جزءا من الصومال، فقد حُرمت بدورها من حقها في استيراد الأسلحة الضرورية لاستخدامها في عملياتها الحركية، وهو ما أدى إلى إصابة جيشها وشرطتها بعجز حاد في الأسلحة والمعدات المهمة، وخاصة معدات الاتصال. لكن ورغم هذا العجز الصارخ في التسليح والتدني الشديد في الميزانية، إلا أن شرطة وجيش صوماليلاند قد أثبتا فعالية كبرى في حربهما على «حركة الشباب».

 تتمثل أحد أهم أسباب هذا النجاح في توافر القدرات الرسمية وغير الرسمية على جمع المعلومات بطرق سرية سواء من خلال «جهاز الاستخبارات الوطني»، أو ضباط الاستخبارات التابعين للجيش والشرطة. وتنتشر شبكات جمع المعلومات الاستخباراتية غير الرسمية في جميع أنحاء الصومال داخل المجتمعات المحلية. أما الشبكات الرسمية، التي تخضع لقيادة ضباط من جهاز الاستخبارات الوطني والشرطة والجيش، فتنتشر أيضا إلى جانب – وبالتعاون مع – الشبكات غير الرسمية التي تعمل كأجهزة إنذار مبكر.

القدرات الاستخباراتية لحركة الشباب

بينما لم تنجح حركة الشباب في شن  هجوم واحد واسع النطاق في جمهورية صوماليلاند منذ عام 2008، إلا أنها تمتلك فعليا عناصر ومرشدين في جميع المناطق الريفية والحضرية في كافة أنحاء البلاد. ومنذ ذلك العام، تمكن جهاز استخبارات صوماليلاند من كشف تفاصيل مخططات وضعتها الحركة لتنفيذ ثلاث هجمات ضد أهداف مهمة، وإجهاضها، وذلك بفضل معلومات استخباراتية قامت بجمعها الشبكات الرسمية وغير الرسمية، بالتعاون مع الشرطة والجيش.

لم يكن هذا عملا سهلا على الإطلاق، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن الجهاز الأمني والاستخباراتي التابع لحركة الشباب «أمنيات» يتمتع أيضا بقدرات فائقة المستوى. ففي الصومال يمتلك «أمنيات» عملاء ومرشدين في جميع الوزارات والأجهزة الأمنية الصومالية بلا استثناء. وتكرس الحركة مصادر تمويل ضخمة لتطوير هذا الجهاز، وتجند ضباطه وعناصره من الدوائر الأكثر مهارة والأفضل تعليما.

وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، عملت الحركة على إضفاء مزيد من الاحترافية والتوسع على «أمنيات». وتوجد في داخل هذا الجهاز وحدات فرعية متخصصة في حماية الأمن الداخلي للحركة، وتحديد الأفراد والمجتمعات التي يمكن اختراقها وتجنيد عناصر منها للعمل ضمن صفوفها. كما تحدد عناصر «أمنيات» أيضا المناطق والمجتمعات التي يمكن فيها استغلال الصراعات بين العشائر أو داخل العشيرة الواحدة . وعلى غرار حكومة صوماليلاند، تدرك حركة الشباب جيدا أن الشبكات السرية لجمع المعلومات والمفاهيم السوسيو ثقافية المتجذرة في العقل القبلي يمثلان كلاهما «مفتاحا سحريا» لكسب المعركة.

المعادلة المثلى

وكجزء من جهودها في مجال المناورة والتفوق الاستخباراتي للقضاء على حركة الشباب، تعمل حكومة صوماليلاند على تحديد مناطق الصراعات العشائرية المحتملة. ومن أجل هذا الغرض، تعكف الحكومة على استخدام الكثير من شبكاتها الاستخباراتية للكشف مبكرا عن الأنشطة المشبوهة والاشخاص المشتبه فيهم. وتدرك الهيئات الحكومية وجهاز الاستخبارات الوطني، أن الصراعات العشائرية، أو داخل العشيرة الواحدة، يتم استغلالها بالفعل من قبل حركة الشباب في كل من صوماليلاند وبونتلاند. وبناء على ذلك، فإن الكشف المبكر عن الصراع، وإزالة أسبابه في جمهورية صوماليلاند يمثلان أولوية قصوى في جهود مكافحة الإرهاب التي تبذلها الحكومة. ولتحقيق هذا الغرض، تقوم الحكومة ’بتصميم‘ نموذج حكم محلي وسياسات خاصة لمناطق بعينها. وفي بعض المناطق، تستخدم الحكومة أنماطا من الحكم أكثر تقليدية وأقل رسمية إذا وجدت في ذلك ضرورة أو فائدة، خاصة في المناطق التي يمكن أن يمثل فيها الفشل في  تحقيق احترام السياسات العشائرية والسلطة التقليدية إشكالية لا تقل تعقيدا وخطورة عن غياب الحكومة.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن تحقيق التوازن بين حكم الدولة الإيجابي والفعال من جانب واحترام السلطة التقليدية من جانب آخر يمثل أمرا في غاية الصعوبة. لكن الفضل في اكتشاف المعادلة المثلى لتحقيق هذا التوازن يعود – في حقيقة الأمر – إلى الكاتب والضابط البريطاني جيرالد هانلي الذي عمل في صوماليلاند والصومال إبان الحرب العالمية الثانية. فعندما سأل هانلي أحد الصوماليين عن أكثر شيء يريده، أجابه الرجل: «أن أُحكم جيدا، وأن أُترك حرا».

بالنسبة إلى صوماليلاند، يعني تحقيق هذا التوازن توظيف الصيغة الهجينة في الحكم التي تجمع بين مفردات البنى التقليدية والديمقراطية النيابية. إن هذه الحكومة الهجينة تمثل بلا شك جزءا أصيلا من معركة صوماليلاند ضد حركة الشباب، حيث تسهم بالقدر الأكبر من قدرتها على نزع فتيل الصراع، أو تهدئته على أقل تقدير، وفي الوقت نفسه تساعد على إبقاء الحكومة على مسافة قريبة من شعبها الذي تحكمه.

 (يُتبع)

*هذه المادة مترجمة (باختصار). يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock