ثقافة

ذكريات سيشل والموقف الأمريكي.. حقائق غائبة عن ثورة 19

كان الاحتفال بمرور مائة عام على اندلاع ثورة 1919 في مصر  الحدث الثقافي الأبرز في عام (2019)  وقد شارك في  الاحتفاء بهذه المناسبة التاريخية المهمة ، العديد  من المؤسسات الثقافية والجامعية  ودور النشر التى أصدرت عددا من  المؤلفات  والكتب  التي تتناول جوانب مهمة وجديدة من وقائع وتاريخ هذه الثورة العظيمة ، بعض هذه المؤلفات صدر  للمرة الأولى، وبعضها الآخر أعيد نشره.

وفي هذا السياق حرصت دار ” الشروق المصرية”  ومن خلال  «لجنة التاريخ» بالدار  ،على تخصيص عام كامل لنشر  عدد من الكتب والمؤلفات والدراسات المهمة  الخاصة بثورة 1919. وضمن هذا الاهتمام ، تم حتى الآن نشر 14 كتابا  تتناول الثورة من جوانبها  المختلفة . وكان أحدث هذه  الكتب ، كتاب  «مصطفى النحاس.. مذكرات النفي»  للدكتور ر عماد أبو غازي الأستاذ بكلية الآداب جامعة القاهرة ووزير الثقافة الأسبق، وكتاب «أمريكا وثورة 1919» للدكتور محمد أبو الغار الرئيس السابق للحزب المصري الديمقراطي، والذي يسلط الضوء فيها على  الموقف الأمريكي  من هذه الثورة ، وكيف خذلت الولايات المتحدة أحلام المصريين آنذاك في الاستقلال وانهاء الاحتلال البريطاني لمصر. وقد أقامت  دار الشروق  قبل أيام  حفل توقيع  هذين الكتابين المهمين بمكتبة القاهرة الكبرى ، في حضور نخبة كبيرة من رجال الفكر و الثقافة والسياسة والاعلام وأساتذة التاريخ  في مصر .

مذكرات النفي

   في مستهل كلمته خلال حفل توقيع كتابه  عن مذكرات الزعيم الراحل مصطفى النحاس ،  وجه  الدكتور عماد أبو غازي الشكر  إلى الأستاذ منير فخري عبد النور  أحد قيادات حزب الوفد الجديد  ، ونجل فخري عبد النور  أحد القيادات التاريخية لحزب الوفد  ، على دوره في منحه  فرصة الحصول على  هذه المذكرات التي كان الأستاذ فؤاد بدراوي ( أحد قيادات الوفد )قد وجدها  في منزل  الأستاذ فؤاد سراج الدين رئيس حزب الوفد الراحل ،  ومن ثم اقترح فخري على بدراوي أن يقدم تلك المذكرات لدكتور غازي  من أجل العمل على تحقيقها ومن ثم نشرها.

د. عماد ابو غازي

يقدم غازي في كتابه  مصطفى النحاس بوصفه من الرعيل الأول الذي بادر بالانضمام إلى سعد زغلول وحزب الوفد ومن ثم لعب دورا أساسيا في تاريخ مصر السياسي بداية من 1919 حتى تم عزله سياسيا في 1953 بعد قيام ثورة يوليو. وليس أدل على عظمة الدور السياسي الذي لعبه مصطفى النحاس من تلك الجنازة الشعبية التي ودع فيها الشعب المصري رفاته في (23 أغسطس 1965) والتي عبرت عن مدى حب وتقدير المصريين له وإدراكهم لدوره التاريخي في قيادة حزب الوفد عقب وفاة سعد زغلول في (23 أغسطس 1927) وتحقيق الكثير من الإنجازات الهامة في تاريخ مصر.

مقالات ذات صلة

مصطفى النحاس، سعد زغلول

 وتتناول تتعلق مذكرات النفي – وفقا لغازي – فترة محددة للغاية هى فترة نفي سعد زغلول ورفاقه: (مصطفى النحاس، سينوت حنا، مكرم عبيد، فتح الله بركات، وعاطف بركات) إلى جزيرة سيشل، في ديسمبر 1921 حتى ربيع 1923، حيث حرص سعد ورفاقه على توثيق فترة نفيهم عبر التقاط العديد من الصور، وكتابة المذكرات الرسمية التي تولاها في البداية فتح الله بركات، ثم انتقلت إلى مصطفى النحاس نتيجة الإختلاف على تعمد بركات الإشارة إلى بعض الأمور الشخصية بالمذكرات،  إلى جانب كتابة المذكرات الشخصية لكل فرد منهم.

وقد جاءت تلك  المذكرات في صورة ثلاث كراسات، بدأت بتناول عودة سعد زغلول من انجلترا في إبريل 1921 بعد فشل المفاوضات، وانطلاقه في جولة بصعيد مصر بواسطة سفينة في النيل، وقيام سلطة الاحتلال بمنع سعد من مغادرة السفينة، فتحرك أهالي الصعيد بقواربهم الصغيرة للاحتفاء  والترحيب به وسط مياه النيل، وهو ما قد عبر عن شعبيته الجماهيرية الجارفة، الأمر الذي نجم عنه توجيه دعوة من قبل سلطة الاحتلال لسعد وبعض قيادات حزب الوفد بضرورة الكف عن العمل السياسي ومغادرة القاهرة والعودة للعيش بقراهم، ومن ثم رفض سعد ورفاقه مغادرة القاهرة والكف عن العمل السياسي مع استمرار المطالبة باستقلال مصر ورفع الحماية البريطانية عنها، الأمر الذي جعل سلطات الاحتلال تصدر قرارا بالقبض عليهم ونفيهم إلى جزيرة سيشل.

مذكرات النفى بخط مصطفى النحاس

ذكريات سيشل

يصل سعد زغلول ورفاقه إلى جزيرة سيشل ويتعرضون للكثير من الصعوبات في التعامل مع سلطات الجزيرة، غير أن الكثيرين  من أهالي الجزيرة تعاطفوا معهم حتى أن أحدهم وهو رئيس تحرير أحدى الصحف  التي كانت تصدر هناك ، قد أولى اهتماما خاصا بالكتابة عن سعد ورفاقه وعن عدالة القضية المصرية، كما رصدت المذكرات كيف اهتمت الصحافة الفرنسية بشكل عام بقضية سعد ورفاقه وقضية إستقلال مصر.

تتطرق هذه  المذكرات  إلى الحياة اليومية للمنفيين الستة، أحوالهم الصحية وطعامهم وطبيعة المشكلات التي نجمت فيما بينهم والجدل الذي كان يدور بينهم حول مختلف القضايا سواء تلك التي كانت تدور على الساحة المصرية أو الإقليمية أو الدولية.وترصد كذلك مختلف برقيات التأييد التي كانت تصل إلى سعد ورفاقه من جموع الشعب المصري من نقابات عمالية وفلاحين وطلاب مدارس وجمعيات نسائية، إلى جانب المراسلات السرية المشفرة التي تمت فيما بين سعد زغلول وعبد الرحمن فهمي والتي كانت تتم بمساعدة سكرتير الجامعة المصرية، ويتم فيها طرح مجمل القضايا التي تخص الأوضاع السياسية بمصر والمشكلات المتعلقة بحزب الوفد، ومن ثم تختتم المذكرات بالإشارة إلى عودة سعد ورفاقه إلى مصر واحتفاء جموع الشعب المصري بعودتهم.

أمريكا وثورة 1919

 أما  الدكتور محمد أبو الغار فقد  أشار في تقديمه لكتابه «أمريكا وثورة 1919» إلى  عدم وجود أية دراسات سابقة ،سواء كانت مصرية أو أمريكية ،حول الدور الأمريكي في ثورة 1919 ، وهو ما دعاه للبحث عن الوثائق الأمريكية الخاصة بالعلاقات الأمريكية  المصرية ام 1919، حيث كان يعتقد أن أمريكا لم يكن لها علاقة بالثورة غير أن الوثائق الأمريكية أثبتت عكس ذلك.

د. محمد أبو الغار

تناولت الدراسة موقف الصحافة الأمريكية من ثورة 1919 وقضية المطالبة باستقلال مصر ورفع الحماية البريطانية عنها، وموقف مجلس الشيوخ الأمريكي والرئيس الأمريكي «ويلسون» من الثورة.

وقد تناول الدور الأمريكي في الحرب العالمية الأولى التي كانت قد اندلعت في (1914) غير أن أمريكا لم تشارك فيها إلا بعد مرور نحو ثلاث سنوات في (1917)، دخلت أمريكا الحرب بمليون ومائتي ألف مقاتل، ومن ثم استطاعت أن تحسم الحرب التي انتهت بعد عدة أشهر وكان قد أصبح لأمريكا بأوروبا نحو مليوني مقاتل أمريكي.

ونتيجة الدور الحاسم الذي لعبته في إنهاء الحرب العالمية الأولى، باتت أمريكا تمتلك موقفا قويا في مواجهة دول الحلفاء كان من الممكن من وجهة نظر أبو الغار أن تُنهي به الاحتلال البريطاني لمصر إذا ما أرادت ذلك.

وهنا يتوقف أبو الغارعند خطاب الرئيس الأمريكي الأسبق «ويلسون» بمجلس الشيوخ، قبيل إنتهاء الحرب العالمية الأولى والذي تضمن 14 بندا تتضمن المطالبة بحق الشعوب في السلام والحرية وحق تقرير المصير وحرية الملاحة وغيرها من التصريحات التي احتفت بها معظم شعوب العالم في حينها.

ومع انتهاء الحرب العالمية الأولى دعا «ويلسون» لمؤتمر فرساي، ومن ثم سافر سعد زغلول وعدد من رفاقه إلى فرنسا على أمل حصوله على دعم ويلسون، غير أنه ما أن وصل مارسيليا حتى علم بنبأ إعلان ويلسون تأييده للقرار البريطاني بمد الحماية على مصر.

لم يتمكن سعد من مقابلة ويلسون غير أنه تمكن من مقابلة وفد الكونجرس الأمريكي المرافق للرئيس الأمريكي والذي أبدى بعض أعضائه دعمهم لحق استقلال وتقرير المصير للشعب المصري، واقترح بعضهم على سعد زغلول ضرورة الاستعانة بأحد المحامين الأمريكيين للدفاع عن حق الشعب المصري في الاستقلال سواء كان ذلك أمام مجلس الشيوخ الأمريكي أو كان عبر الكتابة بالصحافة الأمريكية.

وبالفعل تم الاتفاق مع «جوزيف فولك» – وهو أحد أبرع المحامين الأمريكيين آنذاك -على أن يتولى الدفاع عن مصر والكتابة عن عدالة قضيتها في مقابل مبلغ شهري قيمته ألف جنيه مصري، وهو ما يعادل خمسة آلاف دولار أمريكي وقتها!!!، وقد قام «جوزيف فولك» بدور فاعل في الكتابة عن مصر والدفاع عنها أمام مجلس الشيوخ الأمريكي الذي دعّم عددٌ كبيرٌ من أعضائه حق مصر في الاستقلال، غير أن الطريف في الأمر أنه عقب وفاة فولك بنحو ثلاث سنوات – وكانت مصر قد حصلت على قرار برفع الحماية البريطانية عنها- حضرت زوجته إلى القاهرة لرفع قضية أمام المحاكم ضد سعد زغلول وحزب الوفد والحكومة المصرية تطالبهم فيها بسداد راتب أحد عشر شهرا لزوجها إضافة إلى مكافأة تقدر بمائة ألف جنيه مصري كان قد تم الاتفاق مع زوجها عليها في حالة حصول مصر على الاستقلال.

جوزيف فولك

تم تداول القضية بالمحاكم وانتهت إلى الحكم لزوجة المحامي الأمريكي بحقها في الحصول على مبلغ 11 ألف جنيه مصري نظير راتب الأحد عشر شهرا التى لم يحصل زوجها على راتبه فيها فقط.

أكد أبو الغار على أن الموقف الأمريكي من ثورة 1919 كان قد انقسم إلى رفض الرئيس الأمريكي لحق مصر في الإستقلال ودعّم موقفه الرافض القنصل الأمريكي بالقاهرة الذي كان قد قدم أوراق إعتماده عند حضوره لمصر إلى المعتمد البريطاني. وبدا أن ويلسون كان معنيا فقط بدعم حرية الشعوب الغربية فقط.

أما الصحافة الأمريكية ومجلس الشيوخ فإن الوثائق تشير إلى أن موقفهم في الغالب الأعم كان مؤيدا ومناصرا لحق الشعب المصري في الاستقلال،

واختتم أبو الغار حديثه بالإشارة إلى أن إعلان الاستقلال إنما جاء فى المقام الأول نتيجة تضحيات الشعب المصري الذي قدم حوالي ثلاثة آلاف شهيد خلال ثورة 1919 التي كان من أهم نتائجها تحقيق المواطنة على أرض الواقع من خلال دولة مدنية تحتكم إلى دستور مدني وتحسين وضع المرأة المصرية وبدء انطلاق العمل الأهلي وبروز مشروع النهضة الثقافية بمصر.

بث مباشر.. #دار_الشروق تحتفل بإطلاق الإصدارين الجديدين من سلسلة مئوية ثورة 1919 بمكتبة القاهرة الكبرى

Posted by ‎Dar El Shorouk – دار الشروق‎ on Saturday, December 28, 2019

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock