رؤى

أصول بوكو حرام (3): مجموعة دار الهجرة

أودو بولاما بوكارتي – باحث في «مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية» (SOAS) بجامعة لندن، ومحلل في «معهد توني بلير للتغيير العالمي»

*عرض وترجمة: أحمد بركات

بلغ الخلاف حول قضيتيْ جواز العيش في نيجيريا بوصفها «دار كفر»، والوقت المناسب لإعلان الجهاد على أرضها ذروته بانقسام «بوكو حرام» إلى معسكرين كبيرين، هما «معسكر محمد علي» و«معسكر محمد يوسف». هاجر «معسكر محمد علي» إلى «تارموا»، وهي قرية صحراوية على مسافة خمسة كيلو مترات من بلدة «جيدام» في شمال ولاية يوبي. كان الأعضاء يتدفقون على «جيدام» في منتصف عام 2003، في أغلب الأحوال في سيارات، ثم يستخدمون القوارب للوصول إلى «تارموا».

دار الهجرة

بدأ المخيم الجديد بفرديْن فقط (في الغالب كانا فريق استطلاع تم إرساله من قبل المجموعة لتدبير مكان ملائم)، ثم تضاعف العدد حتى بلغ 70 شخصا، من بينهم نساء وأطفال. وقاموا ببناء أكواخ ومسجد من فروع الأشجار وأوراقها، كما قاموا أيضا بحفر بئر لتدبير حاجتهم إلى الماء. وكانت الأسر تنام في الأكواخ، بينما اتخذ الرجال العُزًب من المسجد مهجعا لهم. وعندما قمت بزيارة الموقع بصحبة مجموعة من مصادري في فبراير 2019، رأيت البئر لا تزال تمتلئ بالماء. كما حدد لي السكان المحليون الموقع الذي كان المسجد مقاما فيه.

وفي أيام الجُمع، كان بعض السكان المحليين ينضمون إلى المجموعة لأداء صلاة الجمعة. وكان أعضاء المجموعة يخرجون في جولات دعوية ووعظية إلى القرى المحيطة، مثل «زاجي بيريري» و«زاي» و«بيستور». وقد أسفرت هذه الجولات عن انضمام 12 شابا من أبناء هذه القرى إلى المجموعة. وفي خلال هذه الجولات، حمل الأعضاء بقوة على نظام التعليم والديمقراطية ونظام ’الإمارة‘ التقليدي المأخوذين جميعا – في زعم أعضاء المجموعة – عن الغرب، ووصفوها بأنها أنظمة «غير إسلامية». وطالبوا الحكام بالتنحي عن مناصبهم والخضوع لحكومة إسلامية.

وبعد وصول المجموعة إلى قرية «تارموا» بشهرين، بدأ أعضاؤها ممارسة الصيد في نهر قريب، كما انخرطوا في العمل بأجر وبعض التجارات الصغيرة لكسب معاشاتهم. وعمل بعضهم بالمزارع بدون أجر، بينما غشي آخرون أسواق القرى المجاورة للتجارة، مثل أسواق بلدات «جيدام» و«باياماري» و«دابتشي». وتفرغت النساء والأطفال لأعمال الطهي وغيرها من الأعمال المنزلية.

ووفقا لرواية «أبو هارون»، وهو أحد أعضاء المجموعة الذين ذهبوا إلى «تارموا»، وبرفقته زوجته وأربعة أطفال (قتل أحدهم بعد ذلك في الهجوم على معسكر «كاناما»)، فإن المجموعة لم تطلق على نفسها يوما اسم «طالبان»، أو «أفغانستان»، وإنما أطلقت على نفسها اسم «دار الهجرة»، وأطلق الأعضاء على أنفسهم اسم «المهاجرون»، اقتداء بالمسلمين الأوائل الذين خرجوا من ديارهم في مكة، التي قاسوا فيها صنوف الاضطهاد على أساس ديني، إلى المدينة، وهو ما يحمل إشارة إلى الإيحاءات الدينية الأيديولوجية التي استخدمتها المجموعة، ومحاولاتها الدؤوبة للقيام بدور الضحية وربط الحركة ببدايات التاريخ الإسلامي.

ويزعم أبو هارون أن المجموعة لم يكن بحوزتها سلاح، وأنها لم تخض أية تدريبات عسكرية، وإنما «أقصى ما هنالك، أن الأعضاء انخرطوا في تدريبات بدنية، مثل التدريب على الملاكمة والفنون القتالية». كما ذكر السكان المحليون الذين تحدثت إليهم، والذين كانوا يجولون في بعض الأحيان حول الموقع لأسباب حياتية بحتة، بما في ذلك في أوقات متأخرة من الليل، أنهم لم يلاحظوا وجود تدريبات عسكرية، ولم يسمعوا أصوات أعيرة نارية. وكان الأعضاء يتسلحون بالمناجل والعرادات (وهي أدوات للقذف) وما إلى ذلك، وذلك بعد أن صدرت ضدهم مذكرة إخلاء من قبل السلطات المحلية.

دولة داخل الدولة

وباستثناء خلاف وحيد أدى إلى وقوع نزاع ضد «كاشالا نجوبدو»، أحد السكان المحليين، لم تندلع أية أحداث بين المجموعة والمجتمعات المحلية. كان أعضاء المجموعة قد اتهموا «نجوبدو»، الذي كان يمتهن الصيد، بانتهاك خصوصيتهم عندما مر بالقرب من موقعهم أثناء أداء عمله في وقت متأخر من الليل. لكن الحاكم التقليدي في بلدة «بيسبور» نجح في تسوية النزاع، وأمر أعضاء المجموعة برد سلاح الصيد والتمائم إلى نجوبدو، وهو ما أذعنوا له. وعلى عكس كثير من الروايات التي تداولتها وسائل الإعلام وبعض الأعمال البحثية، أكد السكان المحليون أنه لم تكن هناك أية نزاعات بينهم وبين أعضاء المجموعة حول حقوق الصيد: «لم يكن هناك أي خلاف بشأن الصيد في هذه المنطقة. فالنهر مباح للجميع لأنه هبة من الله لنا جميعا»، كما أكد «لاوان أمادو»، حاكم قرية «زاي».

وفي أكتوبر 2003، بدأت جهود إجلاء المجموعة، ليس عن خلاف مع سكان القرية، وإنما – في واقع الأمر – بسبب ارتياب السلطات المحلية في نواياها وأهدافها. فقد نظرت السلطات المحلية إلى ما تقوم به المجموعة باعتباره محاولة جادة لخلق مجتمع انفصالي، أو، بعبارة أدق، «دولة داخل الدولة».

كان الموقع الذي سكنته المجموعة يتبع سلطة «إدارة تنمية بوكارتي». وقامت الإدارة بتشكيل لجنة مختصة لإقناع المجموعة بإخلاء المكان. وقامت اللجنة بزيارات عديدة لهذا الغرض. لكن المجموعة أصرت على البقاء بدعوى أن الأرض ملك لله، وأنهم لا يشكلون تهديدا لأحد. كما أوضحوا للجنة أنهم لاذوا بهذا المكان فرارا من الحياة الحضرية التي صرفتهم عن قراءة القرآن والصلاة والصوم.

وعندما باءت محاولات اللجنة لإقناع المجموعة بمغادرة الموقع بالفشل، تم رفع الأمر إلى الحكومة المحلية في ولاية يوبي، التي قررت الاستعانة بقوات الأمن. وفي الأسبوع الثاني من ديسمبر 2003، منحت القيادة الأمنية في ولاية يوبي المجموعة مهلة لمدة سبعة أيام لإخلاء المنطقة. ومع نهاية المهلة، قامت المجموعة بحزم أمتعتها، ورحلت عن الموقع في شاحنات. وقبيل المغادرة، أشعرت المجموعة سكان القرية عبر منشورات تم توزيعها بأنهم حُرموا حقهم في ممارسة شعائر دينهم، وأنهم سيقاتلون دفاعا عن هذا الحق. وزعموا أنهم سيعلنون الجهاد، ودعوا أهل القرية إلى الانضمام إليهم. ومن «تارموا» انطلقت المجموعة إلى «كاناما».

(يُتبع)

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي ومراجع الدراسة من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock