منوعات

الحوثيون.. من الظل إلى الواجهة

«الوضع في اليمن لا يزال حرجًا للغاية، تزداد شدة الصراع يومًا بعد يوم.. الوضع الإنساني مروع.. البلد لا يعاني من حالة طوارئ واحدة، ولكن عدد من حالات الطوارئ المعقدة التي أثرت على أكثر من 20 مليون شخص، والتي سوف يمتد نطاقها وتأثيرها بعد انتهاء الحرب بفترة طويلة. يعاني أربعة عشر مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، منهم 7 ملايين تقريبًا معرضون لخطر المجاعة.. هناك الآن أكثر من 300000 حالة اشتباه بالكوليرا، وتوفى أكثر من 1700 شخصا نتيجة لهذا الوباء».. هكذا أبلغ المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة مجلس الأمن الدولي يوم 12 يوليو «2017»، ومازالت المأساة مستمرة حتى يومنا هذا.

الطريق إلى الحرب

المراقبون المهتمون باليمن ربما يعجزون عن تقديم تفسير ملائم لما وصلت إليه الحالة اليمنية من تأزُم، إلا أن الباحثة البريطانية «هيلين لاكنر» والتي تخصصت في شؤون اليمن لسنوات طويلة امتدت على مدى  أربعة عقود متتالية، قضت جانبا كبيرا منها في العمل في مجال التنمية بالمجتمعات الريفية اليمنية،  تمكنت من فك شفرة الأزمة اليمنية في كتابها الهام «أزمة اليمن.. الطريق إلى الحرب» الذي صدر في لندن باللغة الإنجليزية، وترجمته إلى العربية «دينا جميل» وصدر مؤخرا عن دار «المرايا». 

في هذا الكتاب تروي الباحثة «هيلين لاكنر» بشغف شديد عن كافة المتغيرات الإجتماعية والسياسية التي مهدت للأزمة الراهنة، وكيف تفاعلت كل فئة اجتماعية مع الأزمة، وذلك عبر إجرائها العديد من المقابلات المُعَمَقة مع عدد من أهالي اليمن على إختلاف انتماءاتهم القبلية والسياسية والمذهبية.

حروب الحوثيين 

مع تصاعد الأزمة اليمنية في أعقاب ثورات العالم العربي في «2011» برز «الحوثيون» على الساحة اليمنية، وباتت مجمل أخبار اليمن مرهونة بمواقف هؤلاء الحوثيين، فمن هم الحوثيون؟، من أين جاءوا؟ وكيف تمكنوا من السيطرة على المشهد السياسي في اليمن بهذا الشكل؟

خصصت الباحثة فصل كامل في كتابها، في محاولة لتسليط الضوء على الظاهرة الحوثية وكيف جاءت من العدم، إلى مركز وصدارة المشهد السياسي اليمني.

تشير هيلين لاكنر إلى أنه حتى عام 1990، حين تم توحيد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية «اليمن الجنوبي» والجمهورية العربية اليمنية «اليمن الشمالي»، ليصبحا الجمهورية اليمنية، ويصبح على عبد الله صالح رئيسًا وعلى سالم البيض نائب الرئيس، لم يكن للحركة الحوثية أي وجود. فقد بدأت الحركة في التواجد مع أوائل التسعينات كحركة إحياء ديني، لكنها في ذات الوقت كانت حركة احتجاج ضد تهميش الزيديين في هيكل السلطة في االبلاد.

علي عبد الله صالح

تلفت الباحثة النظر إلى أنه لا يمكن فهم طبيعة الحركة الحوثية بعيدا عن علاقتها بالرئيس على عبد الله صالح ومع «حزب التجمع اليمني للإصلاح»، الذي تأسس عام 1990 وعُرفَ باسم الإصلاح، والذي ضم من بين فئاته النسخة اليمنية من الإخوان المسلمين، والمعروفة سابقا باسم الجبهة الإسلامية. 

تضيف هيلين أن على عبد صالح كان دائما ما يعمد إلى تشجيع «الحوثيين» حين يريد إضعاف حزب الإصلاح، والعكس صحيح، حين يريد الحد من «حركة الحوثيين» كان يلجأ لحزب الإصلاح. وقد وصل العداء بين الحركة الحوثية ونظام علي عبد الله صالح إلى ذروته خلال سلسلة الحروب بين عامي 2004 و2010 عندما واجها بعضهما البعض.

اندلعت الحرب الأولي بين الحوثيين ونظام على عبد الله صالح عام «2004» ونجم عنها مقتل «حسين بدر الدين الحوثي» الزعيم الأول لحركة الحوثيين، وفي العام التالي اندلعت الحرب الثانية، أما الحرب الثالثة فكانت عام «2007» مع بدء مظاهرات الانفصال الجنوبي، وفي العام التالي كانت الحرب الرابعة، وفي عام «2009» اندلعت الحرب الخامسة والسادسة والتي حملت اسم «الأرض المحروقة» وقد شاركت فيها القوات السعودية الجوية والبرية لدعم نظام صالح، وفي «2010» تم وقف إطلاق النار بعد أن سيطر الحوثيون على محافظة صعدة.

الزيديون والحوثيون

تواصل هيلين لاكنر عرض رؤيتها عن «حركة الحوثيين» مشيرة إلى أن محافظة صعدة، التي تقع في شمال اليمن، تعد قلب الزيدية، التي تعد بدورها أحد أشكال «الإسلام الشيعي» وعلى الرغم من أن النظام السعودي قد بادر بدعم الإمام الزيدي خلال الحرب الأهلية التي اندلعت في ستينيات القرن الماضي لإستعادة قوته السياسية، إلا أن السعوديين يعتبرون أن الزيدية تمثل تهديدا لهم.

وخلافا للإعتقاد السائد بأن أهالي أقصى شمال اليمن جميعهم يدعمون الحركة الحوثية، فإن الواقع يشهد بأن المنطقة تضم انقسامات اجتماعية عديدة، كما أنها موطن لعدد من الجماعات الدينية غير الزيدية، ومن بينهم أهل السنة «الإسماعيليون»، وعلى ذلك فإن الوجود الزيدي على الرغم من كونه وجودا مهيمنا بتلك المناطق إلا أنه لا يعد وجودا حصريا وحيدا، كما أن الزيديين أنفسهم ينقسمون فيما بينهم بين مؤيد ومعارض للحركة الحوثية، التي تأسست عام «1992» باسم «الشباب المؤمن» حركة الإحياء الزيدي.

وبصفة عامة فإن الحوثيين غير مرحب بهم في المناطق التي تقطنها التجمعات السنية سواء كانت سلفية أو غير ذلك، كما أن زعماء القبائل الذين تربطهم صلات بالسعودية سواء كانت صلات قرابة أو علاقات مادية، فإنهم يعارضون «الحركة الحوثية».

يذكر أن «الحركة الحوثية» بدأتها عائلة من «السادة» -الأشخاص الذين يدعون أنهم ينحدرون من نسل الرسول محمد صلي الله عليه وسلم- تعيش في بيئة غالبية السكان فيها من رجال القبائل، ويتشارك الحوثيون في الخصائص الاجتماعية مع الجماعات الأصولية الأخرى باليمن، غير أن أكثر ما كان يميز «حسين الحوثي» الزعيم الأول لحركة الحوثيين أنه كان أكثر ميلا للديمقراطية من خليفته، الذي بات أكثر استبدادا.

حسين الحوثي

وعلى عكس ما يُزعَم في بعض الأحيان، فحركات الحوثيين والجهاديين السنة معارضة لبعضهما البعض تماما، حيث يشجع كل جانب منهما معتقدات متنافسة ومتضاربة، وينظر كل منهما للآخر على أنه من غير المؤمنين «كافر»، ويدعي كل منهما أنه صاحب الحقيقة المطلقة.

انتفاضة 2011

على أثر التدهور الشديد في الظروف المعيشية لغالبية سكان اليمن نتيجة تطبيق سياسات التكيف الهيكلي الاقتصادية التي شرعت الحكومة اليمنية في تطبيقها بناء على نصيحة صندوق النقد الدولي بدءا من عام «1995» اندلعت انتفاضة «2011»، الغريب في الأمر أن أعداء الأمس «الحوثيون وحزب الإصلاح» وقفوا جنبا إلى جنب بتلك الإنتفاضة ضد نظام على عبد الله صالح، إلا أن انقلابا آخر للتحالفات جمع بين الحوثيين وعلى عبد الله صالح ضد النظام الانتقالي في عام «2012». منذ تلك اللحظة بات الحوثيون عنصرا رئيسيًا لا يمكن تجنبه عند محاولة قراءة المشهد السياسي باليمن، لذا فإن فهم نشأة وتطور تلك الحركة يعد أمرا لا غنى عنه.

كان الحوثيون قد شاركوا في انتفاضة «2011» ضد نظام صالح وطوال فترة الاعتصامات في «ساحة التغيير» -المقابل لميدان التحرير بمصر- حافظ الحوثيون على وجودهم المنفصل بخيام منفصلة، ومن ثم عقدوا اجتماعات منفصلة عن معظم المجموعات الأخرى، غير أن مذبحة «جمعة الكرامة» التي جرت في 18 مارس «2011» والتي تم فيها إطلاق النار على نحو خمسين متظاهرا من قبل عدد من القناصة قد نجم عنها هدم العديد من التحالفات القديمة وتأسيس تحالفات جديدة ربما تبدو متناقضة، حيث جمعت ما بين الحوثيين وبعض أعدائهم الرئيسيين السابقين.

الحوثيون يسيطرون على قلب البلاد

تواصل هيلين لاكنر في خاتمة الكتاب التي أضافتها خصيصا للنسخة العربية عرض رؤيتها حول الحركة الحوثية في اليمن مشيرة إلى أن زيادة القوة العسكرية للحوثيين قد غيرت من موازين القوى داخل اليمن، وبعد أن أجروا تحالفًا مع على عبد الله صالح، انقضوا عليه فقتلوه في 4 ديسمبر «2017»، كان صالح قد ارتكب خطأ كبيرا تمثل في السماح للحوثيين بالحصول على المناصب العامة الأكثر وضوحًا، على أمل إبقاء مؤيديه في الخلفية ليظهروا من جديد عند الحاجة، غير أن هذا التكتيك قد أثبت فشله حين فشل المقاتلون القَبَليون الذين ساندوه طوال فترة حكمه في مواجهة الحوثيين حين وقعت المواجهة الأخيرة بينهم.

ومنذ ديسمبر «2017» سيطر الحوثيون بشكل كامل وحصري على معظم المرتفعات اليمنية، وهي مساحة من الأرض تعادل حوالي ربع مساحة البلاد، ومن ثم طوروا  نظاما في الحكم غاية في القمع لا يُظهر أي احترام لحقوق الإنسان أو حرية التعبير، ويتحكم الحوثيون في كل صغيرة وكبيرة في إدارة شئون البلاد عبر تخصيص مشرفين حوثيين بالوحدات الإدارية والوزارات لمراجعة كافة القرارات بما فيها القرارت الثانوية.

الإنهيار الكبير

بعد فشل قوى التحالف في الانتصار عسكريا على الحوثيين، قاموا بتحويل مجرى الحرب لتصبح حربا إقتصادية تتبنى تكتيكا يعتمد على منع وصول السلع المختلفة والعملة إلى الأشخاص الذين يقيمون في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، ما نجم عنه مزيدا من الإفقار لسكان تلك المناطق، وكان نقل البنك المركزي اليمني إلى عدن من قبل حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف به دوليا بمثابة أداة حاسمة بتلك الحرب الإقتصادية، حيث نجم عنها تعطيل دفع المرتبات لنحو نصف مليون موظف مدني يُعيلون حوالي سبعة ملايين فرد.

عبد ربه منصور هادي

ونجم عن تلك الحرب الإقتصادية إرتفاع الأسعار بصورة لم تشهد لها البلاد مثيلا من قبل، وبلغ حجم إنكماش الناتج المحلي الإجمالي حوالي 45% بين عامي «2014-2019» وهو ما يمثل نحو (66) مليار دولار خسائر تراكمية.

الأمر المثير للحزن حقا هو وجود جيل جديد من الأطفال اليمنيين يكبرون بدون تعليم، مع وضع صحي وغذائي عام ينبئ بكارثة، إضافة لتفاقم حالة التفتت الإجتماعي والسياسي في جميع أنحاء البلاد، الأمر الذي يحتم على المجتمع الدولي وهيئة الأمم المتحدة بصفة خاصة الوقوف موقفا داعما ومساندا للشعب اليمني في أزمته الراهنة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock