منوعات

تقرير مجموعة الأزمات الدولية: حتى نتجنب انتفاضة داعشية جديدة في العراق وسوريا (5-5)

*عرض وترجمة: أحمد بركات

كيف يمكن تجنب بعث داعشي جديد في العراق وسوريا؟ يبقى هذا السؤال ملحا وضاغطا على المعنيين وعلى صناع القرار بل وعلى المواطن العادي خاصة في تلك الدول التي نُكبت بوجود دواعش على أراضيها وتحديدا في سوريا والعراق.. والإجابة المنطقية تقول ببساطة: إنه قد يبدو من المستحيل القضاء تماما ونهائيا على (داعش) في سوريا والعراق على المدى القريب، إلا أنه بالإمكان تقويض قدراته وتضييق الخناق عليه.

وقد عبر مسئول أمني عراقي رفيع المستوى عن هذا التحدي من خلال مقابلة مع «مجموعات الأزمات الدولية»، في 27 فبراير 2019، قائلا: «في الوقت الراهن، توجد فرصة للمحافظة على الأوضاع التي آل إليها التنظيم من التشظي والتأثير المحدود في المناطق النائية فقط. أما فيما يتعلق بالقضاء عليه نهائيا، فهذا أمر بالغ الصعوبة».

رغم ذلك، يمنح التدخل التركي والصراع المفتوح في شمال شرق سوريا قبلة الحياة مجددا للتنظيم.

سوريا.. والخيارات المطروحة

يتطلب وأد انتفاضة تنظيم الدولة، أولا وقبل أي شيء، تعافي قوات سوريا الديمقراطية من تأثير التدخل التركي. فبعد انسحاب القوات الأمريكية من مواقعها على الحدود السورية التركية، لم تعد هناك قوة ردع أمريكية لمنع أي هجوم تركي. رغم ذلك، فقد هدد الرئيس الأمريكي «دونالد ترمب» باستهداف الاقتصاد التركي في حال شنت أنقرة «قتالا غير مبرر أو غير ضروري» ضد الحليف الكردي للولايات المتحدة في سوريا، وتوعدت بأن يضر أي توغل تركي بالعلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وتركيا. كما أدان حلفاء واشنطن في التحالف الهجوم التركي، وطالبوا أنقرة بالتوقف. ويتعين على الولايات المتحدة وحلفائها ممارسة مزيد من الضغوط لحث تركيا على وقف الهجوم الذي يمكن أن يكلف أنقرة ثمنا باهظا على المستوى الدبلوماسي، وقد يثير موجة جديدة من العنف داخل تركيا، إذا استأنف حزب العمال الكردستاني هجماته.

وإذا كان من الممكن إقناع تركيا بالتراجع عن الغزو، أو – على أقل تقدير – بالتوقف بعد إنشاء رأس جسر محدود، فقد يكون هناك فرصة للولايات المتحدة للتوسط في وضع تسوية جديدة. كما يمكنها أيضا استخدام أي توقف مؤقت لتشجيع صفقة في الشمال الشرقي يمكن أن تصمد أمام خروج الولايات المتحدة في نهاية المطاف، وتحديدا بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام السوري الذي يعيد تدريجيا دمج المنطقة في ’سوريا وحدوية‘ تقودها الدولة على أساس من الحكم اللامركزي.

أما في حال عدم اقتناع تركيا بالتوقف عن التوغل في الشمال الشرقي، فإن قوات سوريا الديمقراطية ستظل بحاجة إلى الحصول على مساعدات من التحالف الدولي على المدى القريب لتعقب عناصر تنظيم الدولة وفرض الاستقرار في المناطق التي تم استردادها من دولته. ويجب أن يعمل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة مع قوات سوريا الديمقراطية لنقل مسئوليات الحكم والأمن إلى جهات عربية محلية فاعلة لتعزيز مكاسب مرحلة ما بعد تنظيم الدولة. ومع ذلك، فإن هؤلاء الشركاء العرب سيحتاجون أيضا إلى مساعدة مستمرة من قبل قوات سوريا الديمقراطية وشركائها الدوليين، بما في ذلك الدعم المادي واللوجستي، حتى يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم ضد تنظيم الدولة. كما يجب أن تساعد دول التحالف في دعم مراكز الاحتجاز التابعة لقوات سوريا الديمقراطية التي يقبع فيها الآن الأجانب المرتبطون بتنظيم الدولة، ما لم تكن قادرة على بناء مراكز احتجاز جديدة.

وإذا كانت الولايات المتحدة غير قادرة، أو لا تنتوي ردع تركيا، فإن الخيار الوحيد أمام وحدات حماية الشعب الكردي سيتمثل في التفاوض مباشرة مع النظام السوري لإعادة سيادة الدولة السورية على الشمال الشرقي. في هذه الحالة، تستطيع روسيا التوسط بين النظام وووحدات حماية الشعب، والتدخل أيضا مع تركيا لدعم إعادة نشر قوات النظام على الحدود السورية مع تركيا، والتأكيد على أن عودة النظام ستكون حقيقية ودائمة، وليست رمزية. وكانت روسيا قد دافعت من قبل بقوة عن إعادة تفعيل اتفاقية أضنة 1998 بين سوريا وتركيا، التي تمنح تركيا حق القيام بعمليات «مطاردة ساخنة» لمكافحة الإرهاب في داخل سوريا حتى لو كانت تتطلب اعترافا ثنائيا متبادلا.

لكن الموقف التفاوضي لوحدات حماية الشعب الكردي سيكون ضعيفا لأن تركيا ستكون في حالة هجوم فعلي على شمال شرق سوريا. رغم ذلك، فإن مجرد عقد صفقة (ولو سيئة) مع دمشق سيكون خيارا أمثل بالنسبة إلى وحدات حماية الشعب مقارنة بقيام تركيا باستنساخ ’تجربة عفرين‘ مجددا في منطقة حدودية ممتدة تضم تقريبا مركز تجمع الشعب الكردي بأكمله في سوريا. كما أن دمشق أيضا لديها ما يجعلها تبدي على الأقل بعض المرونة لإتمام هكذا صفقة لتفادي احتلال تركيا لأجزاء كبيرة من شرق سوريا على المدى الطويل.

وقد أعلن وزير الخارجية الروسي «سيرجي لافروف» في 9 أكتوبر الماضي أن روسيا تشجع بقوة الحوار بين دمشق و«ممثلي الأكراد»، وهو ما أبدت نحوه السلطة المدنية الحاكمة التابعة لقوات سوريا الديمقراطية استجابة إيجابية.

ومع التطور السريع للموقف في شمال شرق سوريا، فإنه يتعين على الدول التي يوجد لها مواطنون الآن في المخيمات في شمال شرق سوريا – مثل فرنسا وألمانيا – أن تعيد أكبر عدد منهم إلى بلادهم. كما يجب أيضا أن تمنح هذه الدول الأولوية لعودة الأطفال، سواء ممن فقدوا والديهم، أو الأحداث الذين لا ذنب لهم سوى ارتباطهم بأمهات على علاقة بتنظيم الدولة ويمثلن هاجسا أمنيا. وتثير عودة المدنيين المنتمين إلى تنظيم الدولة جدلا سياسيا، وفي بعض الحالات قد تشكل خطرا أمنيا داهما. لكن، يبقى التخلي عن الأطفال، وتركهم نهبا لصراعات مقبلة أمرا غير مسئول أو مقبول.

وفي حال دخول الجزء الشرقي من سوريا في أتون الفوضى، فإن العراق ستعاني حتما من تدفق المقاتلين والأسلحة من جديد عبر حدودها، وهو ما عبر عنه مسئول أمني في محافظة نينوى بقوله: «إذا أصيبت سوريا بنوبة سعال، فإن هذا يعني أن العراق يعاني من أنفلونزا».

إشكاليات عراقية

حتى الآن، تبدو قوات الأمن العراقية قادرة على التصدي لفلول تنظيم الدولة، وإلحاق مزيد من الأضرار بقدراته. لكن مواصلة هذا التقدم في مواجهة فلول داعش وصدهم ستتطلب جهودا مركزة من قبل العراقيين وحلفائهم الدوليين، لا سيما في حالة تدهور الموقف في سوريا. ولهذا الغرض، يجب أن يحرص العراقيون وشركاؤهم على عدم السماح للتوترات بين الولايات المتحدة وإيران من جانب، وإسرائيل وإيران من جانب آخر، أن تنتقل إلى العراق، حتى لا تتحول العراق مرة أخرى إلى ساحة لتسوية الصراعات بين الغرباء.

وإذا أدى الصراع الأمريكي الإيراني في المنطقة، أو الغارات الجوية الإسرائيلية على الحلفاء العراقيين لإيران إلى إثارة موجة عنف جديدة ضد الولايات المتحدة والقوى الأجنبية الأخرى في العراق، فإن الموقف في العراق سيتدهور حتما، وقد يجد التحالف الدولي نفسه بلا حماية حقيقية، ويصبح تنظيم الدولة هو الرابح الأكبر. بهذا المعنى، فإن استراتيجية واشنطن القائمة على «الضغط بأقصى قوة» على إيران – وتحديدا على أي محاولة للضغط على العراق للانضمام إلى حملتها – قد تأتي خصما من فرص تنظيم الدولة للعودة إلى الحياة من جديد.

ولكن،إذا كان على الولايات المتحدة أن تَلزَمَ ’ضبط النفس‘، فإن ذلك يصبح مشروطا بالتزام طهران وحلفائها العراقيين بذلك أيضا؛ إذ لا شك أن إغراء استهداف القوات الأمريكية لا يزال يداعب بقوة العقل الإيراني، ولكن يبقى على طهران وحلفائها وضع ذلك الإغراء في مقابل الضرورة الملحة لدور الولايات المتحدة والتحالف في العراق لاستمرار الضغط العسكري على تنظيم الدولة. كما أن ما تقدمه الدول الأعضاء في التحالف من دعم فني ومادي للقوات العراقية يمثل شرطا ضروريا إذا ما أراد العراق تطوير قدراته العسكرية، وهو ما يمثل بدوره ضرورة لأي رغبة في الاستقلال والاستغناء مستقبلا عن الداعم الأجنبي.

وفي ظل الدعم الذي يقدمه التحالف، يجب على الحكومة العراقية أن تواصل العمل من أجل تأمين المناطق المتطرفة والهامشية التي تنشط فيها خلايا تنظيم الدولة. كما يجب عليها أيضا أن تستفيد من المساحة التي تَحَقَقَ فيها الاستقرار بفضل الحضور الأمني المعزز والفعال من أجل إعادة إعمار هذه المناطق وتمكين أهلها ’السابقين‘ من العودة إليها. ويمثل الأمن والنشاط الاقتصادي المتجدد وعودة النازحين عوامل مهمة تعزز بعضها بعضا في هذه المناطق، وتحتاج الحكومة إلى متابعتها جميعا في مسارات متوازية. وإضافة إلى ذلك، فإن تمهيد الطريق أمام العائدين سيسمح للكثيرين بمغادرة تلك البيئة الموبوءة التي خلقتها معسكرات النازحين. كما سيتطلب فرض الاستقرار في المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم الدولة في السابق العمل على التوصل إلى تسوية بشأن المناطق العراقية المتنازع عليها بين ’عراق بغداد‘ و’العراق الكردي‘، والتي بدونها سيعجز الطرفان عن تنسيق جهودهما الأمنية، مما سيخلف فجوات ستشكل متنفسا وجوديا لتنظيم الدولة لا محالة.

علاوة على ذلك، ستحتاج الحكومة العراقية أيضا إلى وضع حلول عملية وجذرية لإشكالية ’أسَر الدواعش‘. إزاء ذلك، يؤكد مسئولون في الحكومة أن العمل يسير على قدم وساق، بالتنسيق مع هيئات تابعة للأمم المتحدة، لوضع ’خارطة طريق‘ آمنة لعودة هذه الأسر إلى مواطنها. تتضمن هذه الخطة، من بين أشياء أخرى، برامج تأهيل وإقامة حوار مع ممثلي المجتمعات المحلية. وبعيدا عن تفاصيل هذه الخارطة، يتعين على الجميع دون استثناء عدم ترك هؤلاء المدنيين نهبا للعيش في ’منفى دائم‘ في وطنهم.

وبشكل أعم، يجب أن تستمر الحكومة العراقية في منح الأولوية المطلقة لإعادة إعمار الأجزاء التي خضعت في السابق لحكم تنظيم الدولة (ليس فقط في مناطق المواجهة التي لا تزال تصل إليها يد التنظيم العملياتية، وإنما أيضا في مناطق ومدن أخرى، مثل الموصل). وبرغم الانحسار العام في موجة التهديد التي يفرضها تنظيم الدولة، فضلا عن تراجع ضغوط الكثير من القضايا الأخرى الملحة التي كانت تفرض نفسها على نظام بغداد، إلا أن الخطر لا يزال قائما من أن تفتقد الحكومة العراقية البصيرة النافذة والسياسة الرشيدة في إعادة إعمار عراق ما بعد تنظيم الدولة، وهو ما يتحتم عليها تجنبه إذا كانت تريد حقيقة أن تكسر حلقة العنف التي أنهكت البلاد، وأن تتحول إلى العمل في قضايا أخرى لا تخلو من الصعوبة والأهمية في آن، مثل توفير الخدمات وتطوير الاقتصاد. ومن ثم، فإن عملية إعادة إعمار العراق تتطلب التزاما كاملا من نظام بغداد ومشاركة فعالة من المجتمعات المحلية والمنظمات المدنية لبناء عراق جديد قديم.

(انتهى)

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية والمراجع من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock